مخاوف من «انفلات» زوبعة الديون الأوروبية من «الفنجان» الأوروبي

حديث عن توافق أوروبي على ترشيح الفرنسية لاغارد لخلافة مواطنها ستروس ـ كان على رأس «النقد الدولي»

TT

جدد الاتحاد الأوروبي دعوته لأن يكون المدير المقبل لصندوق النقد الدولي مواطنا أوروبيا. في وقت قالت فيه مصادر دبلوماسية ببروكسل إن هناك توافقا شبه كامل بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على ترشيح الوزيرة الفرنسية كريستين لاغارد لشغل المنصب، وتزامن ذلك مع إعلان صندوق النقد الدولي أنه سيفتح اعتبارا من الاثنين القادم وحتى العاشر من يونيو (حزيران) المقبل باب الترشيحات لمنصب المدير العام للصندوق، مشيرا إلى أنه حدد هدفا بانتخاب رئيسه بحلول 30 يونيو. وأشارت المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها في بيان إلى أن مجلس إدارة الصندوق أقر «فترة للترشيحات تبدأ في 23 مايو (أيار) 2011 وتنتهي في 10 يونيو 2011». ويبحث صندوق النقد الدولي عن خلف لدومينيك ستروس - كان الذي قدم استقالته من منصبه الخميس الماضي بعد اتهامه بقضية تحرش جنسي في الولايات المتحدة الأميركية وأطلق سراحه مؤخرا مقابل كفالة مالية كبيرة ووضع في مكان رهن الإقامة الجبرية بشكل مؤقت. وخلال الساعات الأخيرة لا حديث لمعظم وسائل الإعلام الأوروبية إلا عن حظوظ الفرنسية لاغارد في الفوز بالمنصب، وأشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين بالمرشحة الفرنسية المحتملة لرئاسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وقالت إنها «تحترم منذ فترة طويلة لاغارد» وجددت ميركل مطالبة حكومتها بتسلم شخصية اقتصادية أوروبية للمنصب قائلة «إن هناك أسبابا كثيرة مقنعة لإسناد هذا المنصب لأوروبي». وعزت المستشارة الألمانية موقف حكومتها هذا للمشكلات المالية التي تمر بها منطقة اليورو، مشيرة إلى أزمة المديونية التي تعاني منها دول أوروبية على رأسها البرتغال واليونان وآيرلندا وإلى ضرورة تسلم هذا المنصب شخصية ملمة بالمشكلات المالية التي تعاني منها منطقة اليورو. ويرى العديد من المراقبين في بروكسل في اجتماعات رؤساء الدبلوماسية الأوروبية المقررة الاثنين فرصة لتنسيق المواقف وتفادي ظهور مرشحين جدد، وخاصة في ظل أنباء سابقة تناولت إمكانية وجود مرشحين من ألمانيا وبلجيكا أو دول أخرى.

وفي بروكسل قالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بيا هانسن، للصحافيين «إن صندوق النقد الدولي يحتاج إلى قيادة قوية وموقف رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو واضح بهذا الشأن حيث دعا لأن يكون خليفة ستروس من دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باعتباره من أكبر الممولين للصندوق، إلا أن كفاءة المرشح ستكون أمرا مهما». ووصفت الأمر بـ«المقبول والمعقول»، باعتبار «أن أوروبا تساهم بما يزيد على 32 في المائة من أموال الصندوق، مما يجعلها الطرف الأكثر استحقاقا لمنصب الرئاسة»، وأشارت إلى أن المشاورات جارية في الأوساط الأوروبية حاليا من أجل التوافق على اسم مرشح أوروبي، وشددت المتحدثة على أن الظروف الحالية والأزمة الاقتصادية والتعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي كلها عوامل تساهم في زيادة رصيد الاتحاد لاحتلال هذا المنصب، مشيرة إلى ضرورة الحصول على موافقة باقي الشركاء الدوليين حول الأمر، وكانت إيطاليا قد رحبت بنية فرنسا بترشيح وزيرة ماليتها لاغارد للمنصب المذكور، في حين ترددت أنباء عن نية بلجيكا بترشيح وزير ماليتها ديديه ريندرس للمنصب ذاته، هذا في الوقت الذي عبر فيه الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية آنجل غيريتا، عن قناعته بأن الوقت قد حان من أجل أن تكون إدارة صندوق النقد الدولي بيد شخص غير أوروبي. وتؤكد مصادر في الاتحاد الأوروبي أن دول التكتل الموحد سوف تستخدم جميع الاجتماعات القادمة، بما في ذلك اجتماع مجموعة الثماني من أجل دعم تسمية مرشح أوروبي. واعتبر رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، أن المدير الجديد لصندوق النقد الدولي يجب أن يكون «أوروبيا»، وقال ثاباتيرو إنه انطلاقا من تمثيله حكومة بلد أوروبي يطالب بأن يكون المدير الجديد «أوروبيا» ليكون قادرا على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة، ومنذ 1946 تتولى شخصيات أوروبية إدارة صندوق النقد الدولي في حين يتولى أميركيون إدارة البنك الدولي، الأمر الذي دعا عددا من الدول الناشئة وفي ظل الظروف العالمية الراهنة إلى انتقاد هذه السياسات والمطالبة بالحصول على هذه المناصب، منها البرازيل والصين والهند، في الوقت الذي ترى فيه شخصيات أوروبية أن وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد تعد مرشحة مثالية لخلافة المدير المستقيل. وأعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم عن تأييده لمرشح أوروبي يحل محل دومينيك ستروس - كان مدير عام صندوق النقد الدولي المستقيل.

وقال ساركوزي في بيان إنه يريد أن يجري اختيار رئيس صندوق النقد الدولي المقبل في «عملية مفتوحة وشفافة»، مشيرا إلى أن أوروبا لديها القدرة على تقديم مرشح بارز لهذا المنصب.

يذكر أنه في عام 2007 تسلم ستروس - كان مهام منصبه كمدير لصندوق النقد الدولي خلفا للإسباني رودريغو راتو، الذي طبع هذه المؤسسة المالية بالانفتاحية الاقتصادية وبطابع التشدد مع الدول التي تعاني من مصاعب مالية، ولكنها رغم ذلك كانت تتسم بالعجز والشيخوخة وكانت غير قادرة على توقع الأزمة الاقتصادية البادية في الأفق. ومع ستروس - كان بدأ عصر جديد تحدث عن مضمونه قائلا: «على الصندوق ألا يكون مقطوع الصلة بالواقع وأن تكون له شرعيته، أي عليه أن يتكيف، يتكيف مع العولمة ومع النوع الجديد من الأزمة المالية التي يصاحبها والتي نستطيع أن نستشرف حدوثها الآن في الولايات المتحدة بسبب الرهن العقاري، وأن يتكيف مع أي أزمات أخرى قد تحدث». وعلى الفور بدأ الرئيس الجديد في تطبيق سياساته، فيبيع جزءا من مخزون الصندوق من الذهب ويستغني عن عدد من كوادر الصندوق العاطلين عن العمل، فتحول الصندوق إلى منظمة غنية وضاعفت الدول الأعضاء مساهماتها المالية فيه. ستروس - كان قام أيضا بتحديث النظام الأساسي للصندوق عبر إعطائه دول الاقتصادات الصاعدة حقوق التصويت في مجلس الإدارة. فأصبح للصين وروسيا والبرازيل والهند وزن غير معهود في الإدارة وتخلت أوروبا عن مقعدين من مقاعدها التسعة في المجلس. وقام أيضا باستثمار كبير الحجم في أزمة الديون التي ضربت الدول الأوروبية وهي الأزمة التي تبعت الأزمة المالية العالمية، ولكنه قبل أن يفعل ذلك قام بتفعيل حزمة من الإجراءات التحفيزية لهذه الدول عبر إقراض مبلغ مائة مليار يورو لثلاث دول من منطقة اليورو هي اليونان وآيرلندا والبرتغال، وأربع من خارجها هي المجر ولاتفيا ورومانيا وبولندا. لكن قابل فرض إجراءات تقشفية صارمة وهو ما أثر سلبا على شعبية الصندوق في هذه البلاد. ومع ذلك فقد استطاع ستروس - كان تحسين صورة الصندوق في أماكن أخرى بفضل إلغائه الفوائد على الديون التي اقترضتها الدول الفقيرة. الشيء الوحيد الذي لم ينجح رئيس صندوق النقد السابق في فعله هو إكمال المسيرة الإصلاحية التي بدأها وفي تحقيق حلمه بوضع الصندوق في طليعة المؤسسات العالمية، بيد أنه قد نجح على الأقل في تمهيد الطريق لذلك. وفي نفس الإطار أعلن صندوق النقد الدولي عن موافقته على منح البرتغال قرضا بقيمة 26 مليار يورو خلال 3 سنوات. وقال الصندوق إنه سيقدم على الفور مبلغ 6 مليارات و100 مليون يورو من القرض للحد من مخاوف المستثمرين المتعلقة بديون البرتغال. هذا وكان الصندوق قد منح البرتغال في وقت سابق 6 مليارات و500 مليون يورو، وبذلك سيبلغ التمويل المخصص للبرتغال من قبل الصندوق في العام الجاري 12 مليارا و600 مليون. كما ستحصل البرتغال على 25 مليارا و200 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي. يشار إلى أن قيمة حزمة الإنقاذ المالي المخصصة للبرتغال من صندوق النقد والاتحاد الأوروبي ستبلغ 78 مليار يورو خلال 3 سنوات. هذا وأشاد جون ليبسكي القائم بأعمال المدير التنفيذي لصندوق النقد، بإجراءات الحكومة البرتغالية لإعمار الاقتصاد، مضيفا أنها وضعت برنامجا اقتصاديا متوازنا يساعد على خلق وظائف جديدة ودعم النمو الاقتصادي. وأضاف أن مساندة الأحزاب السياسية في البرتغال لبرنامج صندوق النقد والاتحاد الأوروبي تظهر تصميما على التغلب على مشكلات البلاد الطويلة الأجل.