الذهب.. أداة التحوط من ضغوط التضخم أم ملاذ آمن لحالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي؟

مجلس الذهب العالمي يكشف عن نمو الإقبال العالمي بنسبة 11% في الربع الأول

TT

بعد تراجع أسعار الذهب عن مستوياته القياسية عند 1576 دولارا للأوقية في بداية تداولات شهر مايو (أيار) الحالي بنحو تجاوز 100 دولار، وصولا إلى مستويات 1462 دولارا للأوقية، طرأت بوادر لقلق بعض المستثمرين في الأسواق الفورية من مغبة استمرار اتخاذ الذهب أداة للتحوط من الضغوط التضخمية التي تشهدها دول كثيرة في شتى أنحاء العالم، خصوصا الدول الناشئة.

واستمرت أسعار الذهب في منحنى تصاعدي انطلاقا من مستويات 681 دولارا في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، دون أن تشهد تصحيحا قويا يعكس جنيا للأرباح من قبل المستثمرين سوى مرة واحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2009، حين شهدت أسعار الذهب هبوطا من مستويات 1226 دولارا للأوقية إلى مستوى 1044 دولارا للأوقية، قبل أن يستعيد الطلب حيويته دافعا أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة، وهذه المستويات القياسية لأسعار الذهب تشير إلى بقاء توقعات المستثمرين لتواصل نمو معدلات التضخم على المدى الطويل، التي تشكل تآكلا للقوى الشرائية للكثير من المستهلكين حول العالم.

وظل الذهب في الأسواق الفورية يتأرجح ما بين استخدامه كأداة للتحوط من الضغوط التضخمية أو للجوء إليه كملاذ آمن من التطورات السياسية في الشرق الأوسط، التي زادت من حدة عدم اليقين في قدرة الاقتصاد العالمي على الخروج من عدة عقبات يواجهها لتحفيز النمو الاقتصادي للدول الصناعية، ومواكبة النمو السكاني الذي يدفع بالقوى العاملة في أسواق العمل، التي لم تستطع استيعاب تدفق العاملين إليها.

ويواجه الاقتصاد العالمي حالة لم يشهدها منذ الكساد الكبير في بداية القرن الماضي، حيث تتزامن الضغوط التضخمية مع تباطؤ النمو الاقتصادي، الذي يزداد سوءا بعد أن شكل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود تآكلا لقدرة الإنفاق الاستهلاكي في الدول الصناعية على تحفيز قطاعات اقتصادية أخرى كقطاع الخدمات والصناعة.

ويعد تسارع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة ظاهرة غير مسبوقة، منذ فك ارتباط الدولار بالذهب في عام 1971 وهي الخطوة التي اتخذها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بعد انخفاض قدرة الحكومة الأميركية على تغطية حجم الأوراق النقدية المتداولة بالذهب من 55 في المائة إلى 22 في المائة، مما شكل تحديا لقدرة الاقتصاد الأميركي على الالتزام بتعهدات استقرار أسعار الصرف بعد ارتفاع العجز في الميزان التجاري في تلك الحقبة.

وشكل ما يسمى بـ«صدمة نيكسون» انطلاق مرحلة تعويم أسعار الصرف للدولار الأميركي، التي تبعها تعويم لأسعار صرف العملات الرئيسية الأخرى. وكان سعر صرف الدولار الأميركي ثابتا عند 35 دولارا لكل أوقية من الذهب، إلى أن دفعت مخاوف التضخم، بالإضافة إلى قيام الثورة الإيرانية، الذي تزامن مع دخول قوات الاتحاد السوفياتي إلى أفغانستان، أسعار الذهب لملامسة مستويات 850 دولارا للأوقية في يناير (كانون الثاني) من عام 1980، إلا أن نجاح السياسات النقدية للدول الصناعية في كبح الضغوط التضخمية أسهم في تبدد تلك المخاوف، ودفع أسعار الذهب إلى التراجع إلى ما دون 400 دولار للأوقية في فترة تجاوزت العشرين عاما، حيث استطاعت أسعار الذهب تخطي حاجز 400 دولار للأوقية في عام 2003، إيذانا بانطلاق منحنى تصاعدي شهدته الأسواق الفورية خلال السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من أن متوسط أسعار الذهب شهد ارتفاعا بنحو 25 في المائة في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فإن أسعار الذهب شهدت هبوطا مؤقتا في بداية الربع الأول من هذا العام، مما أدى إلى تباين ردود الأفعال من قبل المستثمرين حيال بقاء وتيرة نمو الطلب على الذهب بشكل مطرد.

هذا التباين لدى المستثمرين دفع الكثير منهم إلى جني الأرباح، إلا أن إطلاق صناديق استثمارية من الهند شجع على تدفق رؤوس أموال جديدة أسهمت في إبقاء منحنى الطلب على وتيرة إيجابية.

وذكر تقرير اتجاهات الطلب العالمي على الذهب للربع الأول من 2011، الذي صدر يوم الجمعة من مجلس الذهب العالمي، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن حجم الطلب العالمي على الذهب ارتفع بنحو 11 في المائة في الربع الأول من عام 2011 مقارنة بنفس الفترة في عام 2010.

وقال التقرير إن حجم الطلب في الربع الأول من هذا العام بلغ 981.3 طن من الذهب، بما يساوي قيمة 43.7 مليار دولار مقارنة بـ881 طنا في نفس الفترة من العام الماضي.

وشهد الطلب على السبائك والقطع المعدنية نموا بنحو 52 في المائة حيث بلغ حجم الطلب مستوى 366.4 طن من السبائك بقيمة وصلت إلى 16.3 مليار دولار.

ولمح تقرير مجلس الذهب العالمي إلى أن ارتفاع التضخم في عدة دول ناشئة والمخاوف من قدرة الدول الأوروبية على تحسين وضع الملاءة الائتمانية للدول المتضررة من الأزمة المالية، بالإضافة إلى تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، شجعت الاستثمار في شراء الذهب كأحد أهم الأصول المالية التي يلجأ إليها المستثمرون خلال الأزمات السياسية والاقتصادية.

وشكل الطلب من قبل الصين والهند 63 في المائة من نمو الطلب على المجوهرات في الربع الأول من هذا العام، حيث استمر نمو الطلب في قطاع المجوهرات بنحو 7 في المائة في الربع الأول من 2011، ليصل حجم الطلب إلى 556.9 طن من الذهب شكلت منها مجوهرات الصين 142.9 طن مقارنة بـ206.2 طن من الذهب في الهند. ودفعت عمليات شراء الذهب من قبل الكثير من المصارف المركزية إلى اتخاذ الذهب كأصول مالية من قبل المستثمرين، حيث بلغ حجم عمليات شراء المصارف من المعدن النفيس 129 طنا.

ووصف التقرير ارتفاع حجم عمليات شراء المصارف المركزية للذهب إلى الحاجة لتنويع الأصول المالية من قبل الدول الناشئة لرفع كفاءة الاحتياطيات النقدية لدى المصارف المركزية.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، شهدت الاستثمارات المرتبطة بالذهب في الصين ارتفاعا مطردا، خصوصا بعد افتتاح بورصة شنغهاي لتبادل الذهب حيث شهد الطلب على استثمارات الذهب ارتفاعا بنحو 71 في المائة في عام 2010، عبر شراء استثمارات تصل إلى 187.4 طن من الذهب، مما يعكس مبادرة المستثمرين إلى اتخاذ الأصول المالية المرتبطة بالذهب كأحد أهم وسائل التحوط من الضغوط التضخمية في الأسواق الناشئة.