فرص حقيقية لتنشيط سوق السندات في مصر وحل مشكلة العجز

خبراء: على البنوك تمويل النشاط الاقتصادي ورفع نسبة تحصيل الضرائب

TT

قال اقتصاديون ومصرفيون إن هناك فرصة كبيرة لتطوير سوق أدوات الدخل الثابت في مصر في الأجل الطويل، في ظل شهية كبيرة لدى المستثمرين الأجانب، لكن تنشيط هذه السوق يتطلب إصلاحات قد تستغرق ما يصل إلى عشر سنوات.

وقال سايمون كيتشن، الخبير الاقتصادي في المجموعة المالية «هيرميس»، في مؤتمر لأدوات الدخل الثابت، نظمته «رويترز» في القاهرة، إن هناك فرصة للقيام بإصلاحات اقتصادية كبيرة بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق، حسني مبارك، وإن هذه الإصلاحات ستسهم في تنشيط سوق الدخل الثابت.

وقال: «تغيير النظام يعني أن هناك فرصة حقيقية لحل مشكلة عجز الميزانية التي تواجهها مصر.. مصر تهدر الكثير من المال على الدعم الحكومي، وضرائب الشركات التي تحصلها الحكومة تشكل 1.7 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه نسبة لا تذكر».

وأضاف كيتشن أن اعتماد الحكومة على الاقتراض من البنوك المحلية عن طريق أذون وسندات الخزانة لسد العجز في الميزانية يؤثر سلبا على سوق الائتمان بوجه عام، وعلى سوق أدوات الدخل الثابت. وقال: «إذا أردنا أن نرى أي تحسن في الائتمان بكل أنواعه فإن الحكومة يجب أن تحد من الاقتراض».

وقال كريم هلال، الرئيس التنفيذي لمجموعة «سي آي كابيتال»: «وظيفة البنوك ليست تمويل العجز في الميزانية. وظيفة البنوك هي استخدام هذه السيولة لتمويل النشاط الاقتصادي». وكان وزير المالية المصري قال لـ«رويترز» في مطلع مايو (أيار) الحالي إنه من المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة الذي تضخم بعد الاضطرابات السياسية إلى 9.38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2011 - 2012 مقارنة مع عجز متوقع بنحو 8.5 في المائة للسنة المالية 2010 - 2011 التي تنتهي في 30 يونيو.

وقال الخبراء إن المساعدات التي تعهدت جهات كثيرة، من بينها السعودية وقطر وأميركا والبنك الدولي بتقديمها لمصر في الآونة الأخيرة، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، يمكن أن تسهم في سد عجز الميزانية كحل عاجل، وإن ذلك قد يخفض أسعار الفائدة ويعود بالنفع على سوق الدخل الثابت. وأجمعوا أن هناك رغبة كبيرة لدى الأجانب للاستثمار في أدوات الدخل الثابت في مصر. وقال كيتشن: «هناك فرصة حقيقية، حيث إن هناك طلبا عالميا ضخما على ائتمان الأسواق الناشئة، ويمكنك أن ترى ذلك في الطريقة التي تتراجع بها عوائد السندات السيادية وسندات الشركات في الأسواق الناشئة في السنوات القليلة الماضية. ويمكن في الوقت نفسه أن ترى تأثير سحب الأموال الأجنبية على عوائد سندات الحكومة المصرية في الأشهر الخمسة أو الستة الماضية».

وقال أحمد مختار، رئيس المشتقات في «بي إن بي باريبا مصر»: «الصورة ليست سيئة إلى هذا الحد.. انظر إلى مبادلات الالتزام مقابل ضمان في مصر مقارنة باليونان أو البرتغال. في اليونان يجري تداولها عند 1200 أو 1400 نقطة أساس.. وفي مصر أقل من 400 نقطة. المستثمرون الأجانب لديهم ثقة في مصر، أعتقد أن الأداء سيكون ممتازا في السنوات القليلة المقبلة؛ الناس يطرقون الباب ويريدون الدخول».

وقال كيتشن: «هناك فرصة للبنك المركزي لخفض عوائد سنداته 200 نقطة أساس، وخفض تكلفة اقتراض الحكومة عن طريق جعل هذه السوق مفتوحة بشكل أكبر للأجانب. نعم، هناك اضطراب سياسي، لكن العوائد ممتازة، هذا هو المستقبل الواقعي لمصر، محافظ الاستثمار الأجنبية ستشارك بشكل أكبر في تمويل عجز الميزانية وعجز ميزان المعاملات الجارية».

وسئل سامح خليل، العضو المنتدب لشركة التجاري الدولي لإدارة الأصول، إن كان يعتقد أن هناك شهية لسندات الشركات المصرية والحكومة، فقال: «بالطبع نعم، ولذلك تراجعت تكلفة اقتراض الحكومة، وعندما نرى السعر يتراجع في أحد المزادات نعرف أن هناك طلبا أجنبيا وراء ذلك».

لكن الخبراء أشاروا إلى عدة عقبات رئيسية تحول دون تنشيط سوق الدخل الثابت في مصر، من بينها السيولة الزائدة في النظام المصرفي التي تجعل الشركات تحجم عن سوق السندات وسوق رأس المال بوجه عام. وقال هلال إن إصدارات السندات من الشركات لم تتجاوز 11 إصدارا، العام الماضي، وكلها جاءت من نحو أربع شركات فقط. وقال خليل: «إنهم يذهبون إلى البنوك للاقتراض منها مباشرة، لأن السيولة الزائدة تمثل تمويلا رخيصا لهم، وإلى أن يتسارع الاقتصاد ويكون هناك طلب من الشركات فإن الوضع الراهن سيستمر».

وأشار مختار إلى هيمنة البنوك على تعاملات أسواق السندات، وقال: «علينا تعزيز المنافسة في السوق الأولية، حين تكون هناك مؤسسات مالية أخرى غير البنوك ومتعاملون آخرون، سواء من الأفراد أو الصناديق، فإن هذا سيعزز المنافسة وسيسهل دخول الأفراد والمستثمرين الأجانب».

تواجه سوق الدخل الثابت عقبة أخرى تتعلق بضعف السيولة؛ إذ يشكو متعاملون في السندات ورجال أعمال من أن البنوك التجارية المسموح لها بالتعامل في السوق الأولية سوق الطرح وعددها 15 بنكا تميل إلى الاحتفاظ بالسندات حتى موعد الاستحقاق، كاستثمارات آمنة وسهلة. وقال خليل إن هناك بعض الخطوات التي يجب أن تتخذ لتنشيط السوق الثانوية للسندات، ومن بينها استخدام نظام البيع على المكشوف، وإطلاق مزيد من الصناديق التي تستثمر في أدوات الدخل الثابت. لكنه أبدى تفاؤلا بإنجاز هذه الخطوات خلال عام أو عامين.

في المقابل، دعا مختار إلى الاهتمام بالإصلاحات في السوق الأولية كبداية، والوصول إلى منحنى عائد ملائم. وقال إن هناك حاجة لأن يضع البنك المركزي مزيدا من اللوائح لأدوات التحوط.

وسئل كيتشن عن الفترة التي قد تستغرقها الإصلاحات اللازمة لتنشيط سوق أدوات الدخل الثابت في مصر، فقال: «عشر سنوات.. لا بد من خفض العجز ولا بد من خفض أسعار الفائدة وإيجاد مؤسسات أو مستثمرين محتملين غير البنوك في أدوات الدخل الثابت؛ يجب إنهاء الاقتراض الحكومي الضخم، وهذا سيخفض أسعار الفائدة، وتحفيز الطلب على الائتمان في الاقتصاد بوجه عام»، وتابع: «من المثير للاهتمام أننا في منطقة الخليج رأينا أسواقا نشطة للدخل الثابت تظهر في السنوات القليلة الماضية، وأحد أسباب ذلك هو أن نسب القروض إلى الودائع مرتفعة جدا لدى البنوك، لذلك لا تجد الشركات بديلا عن السندات».

وقال مختار إن الإصلاحات قد تستغرق بضع سنوات. وفيما يتعلق بطرح أدوات مالية جديدة مثل السندات الإسلامية (الصكوك)، قال سامح خليل: «أعتقد أنه في ظل الظروف الراهنة لن يتمكن أحد من توقيع أو إقرار طرح أي منتجات جديدة في الوقت الراهن، سواء البنوك أو الجهات التنظيمية أو أي أحد».

وكان رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية قد أعلن العام الماضي أن مصر ستصدر أول لوائح تنظم إصدار الصكوك في النصف الثاني من 2010، ثم أرجئت إلى الربع الأول من 2011، وانقضت المهلة دون صدورها.

وقال أحمد مختار: «أعتقد أنه من المهم جدا لنا كاقتصاديين أن نفكر في هذه الأداة (الصكوك)؛ علينا اجتذاب المستثمرين العالميين، ولا سيما جيراننا في المنطقة ليأتوا ويستثمروا في أدوات مثل الصكوك، أعتقد أن علينا أن ندع الشركات تصدر صكوكا، والحكومة تصدر صكوكا، هذا سيكون جيدا لنا، نحن بلد إسلامي وينبغي أن يكون لدينا تمويل إسلامي».