هل «ستطمر» جبال الديون أميركا؟

مخاوف من بلوغ دينها العام 302% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2035

TT

ثمة جدل حاد مثار حول سقف الدين الفيدرالي. على الأقل يتحدث الناس على الملأ عن عبء الدين المتزايد على كاهل الدولة. فهذا الإصدار المقدر بقيمة 14,3 تريليون دولار يحتل مركزا متميزا – تماما حيث يجب أن يكون.

وفي سياق الجدال المثار، يأتي تقرير جديد متعمق أعده جوزيف غاغنون، عضو رفيع المستوى بمعهد «بيترسون» للاقتصادات الدولية، الذي يتناول فيه السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة.. وجاء في التقرير، الذي اشترك في كتابته مع مارك هينترشويغر، محلل أبحاث بالمعهد: «سيزداد حجم الدين الحكومي ليصل إلى مستويات خطيرة وغير ثابتة في معظم الدول ذات الاقتصادات المتطورة والعديد من الدول ذات الاقتصادات الناشئة على مدار الخمسة والعشرين عاما القادمة – إذا لم تحدث تغيرات في المعدلات الضريبية الحالية أو في برامج الإعانات الحكومية الممثلة في معاشات التقاعد والرعاية الصحية – وهو أمر لا مجال للنقاش فيه».

بعدها، يعرض التقرير مجموعة من النتائج، بعضها مقلق بدرجة ما، وبعضها الآخر مخيف جدا، حيث يحتمل أن نواجهها كدولة إذا استمررنا في أسلوب النفقات الزائدة الذي ننتهجه.

ويأتي التقرير الذي يحمل عنوان «التوقع المستقبلي العالمي للدين الحكومي على مدار الخمسة والعشرين عاما المقبلة: مدلولات بالنسبة إلى الاقتصاد والسياسة العامة»، في الوقت الذي يقدر فيه حجم الدين كنسبة من إجمالي الناتج المحلي بنحو 65 في المائة، كما يزداد بشكل متسارع. وتأتي معظم الزيادة الحالية، التي تربو على نسبة الـ43 في المائة في 2007، من الذعر المالي الذي عم في 2008 والركود الاقتصادي الناشئ، حينما بدأت الحكومة في اتخاذ إجراءات تهدف إلى التخفيف من حجم الأضرار الناجمة.

ولم يقترح المؤلفان ضرورة أن يسرع صناع السياسات بتخفيف الضرائب أو تقليل حجم النفقات بشكل فوري. وهما يعترفان بأن الانتعاش الاقتصادي لا يزال ضعيفا ويقترحان أن يؤجل المشرعون تطبيق إجراءات التخفيضات في الميزانية المطروحة للمناقشة حاليا حتى الفترة ما بين 2013 إلى 2015. وسيتم وضع تخفيضات إضافية موضع التنفيذ في 2016.

إن ما هو مطلوب الآن هو وضع خطة طويلة الأجل لتقليل العجز المالي في المستقبل. ويرى المؤلفان أن مثل هذا البرنامج سوف «يعيد الطمأنينة إلى الأسواق ويبقي على أسعار الفائدة المنخفضة ويبث مزيدا من الثقة واليقين بشأن سياسات الضرائب والإنفاق المستقبلية، وبالتالي يشجع الشركات على تخصيص مواردها لتنظيم مشاريع استثمار من أجل خلق فرص عمل». ويتمثل جانب مثير للاهتمام في التحليل الذي أجرياه في نظرته إلى تيار الديون المتزايد عبر أنحاء العالم من منظور تاريخي، فيشير المؤلفان إلى أن معاناة عدد هائل من الدول من مشكلة الزيادة المفرطة في حجم الديون في الوقت نفسه أمر غير معتاد. فهناك حالات أكثر نمطية من أزمات الديون، مثلما حدث في أميركا اللاتينية في ثمانينات القرن الماضي أو في روسيا في 1998. وفي الوقت الذي ترددت فيه أصداء هاتين الأزمتين خارج نطاق الدولتين اللتين نشأتا فيهما، فإن مشكلات الدين الحالية باتت أوسع نطاقا. ونتيجة لذلك، أصبحت تثير القلق بصورة أكبر. إن تزامن تعاظم مراكز العجز الحكومي ومراكز الدين شديدة الضخامة في جميع الدول المتقدمة مرتفعة الدخل، «هو عامل جديد مؤثر في الاقتصاد العالمي»، بحسب التقرير. وقال غاغنون في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي: «من الغريب في وقت السلم أن يكون لدى عدد ضخم من الدول هذا الحجم الهائل من الديون». ولكنه أضاف أن أسواق رأس المال العالمية وإمكانية الوصول إلى المقرضين الذين توفرهم هذه الأسواق، ربما تخفف من الآثار السلبية لفورة الإقراض المتزامنة.

ويقيم التقرير التبعات المحتملة لأزمة ديون أكثر انتشارا، يحتمل أن تشمل عددا من الدول تواجه الموقف الخطير نفسه. ويتناول المؤلفان أيضا التأثير المحتمل لارتفاع أسعار الفائدة في المستقبل على أعباء الديون، كما يقدمان تقديرات منفصلة حول كيفية ارتفاع مستويات الدين في ظل ظروف مختلفة. وقد دمجا في هذه التقديرات معدلات النمو المتوقعة في مناطق مختلفة، إلى جانب تكاليف الرعاية الصحية والتزامات التقاعد المرتفعة. ويستخدم التحليل أرقاما من صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبعض النتائج مثيرة للدهشة. على سبيل المثال، تدحض الدراسة المفهوم السائد القائل إن التوقع المستقبلي لأوروبا أسوأ منه للولايات المتحدة، فيما يتعلق بمستويات الديون والالتزامات. ويرجع هذا إلى أن بعض دول منطقة اليورو قد بدأت بالفعل في التعامل مع مشكلاتها المالية، كما أشار غاغنون. قال غاغنون: «لقد أدخلوا بعض التعديلات على المعاشات طويلة الأجل، مثل رفع سن التقاعد. كما قللوا بالفعل من حجم النفقات وزادوا من الضرائب».

وثمة مفاجأة أخرى في هذه الدراسة، ألا وهي أن الأسواق الناشئة في وضع أفضل بكثير مما قد توقع عندما بدأ مشروعه، على حد قول غاغنون.

والآن، عودة إلى الأرقام، التي تعتمد كلها على الوضع الحالي فيما يتعلق بمعدلات الضرائب والالتزامات الحكومية المرتبطة بالرعاية الصحية والتقاعد.

وفقا لأفضل توقع مستقبلي، بحسب كاتبي التقرير، سيرتفع صافي الدين الفيدرالي ليصل إلى نسبة 155 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2035، أي ما يعادل أكثر من ضعف المعدلات الحالية (يعرف صافي الدين بأنه الالتزامات المالية للحكومة مطروح منها أصولها المالية).

ووفقا لتوقع مستقبلي أكثر تشاؤما حول معدلات النمو، ينتظر أن ترتفع تلك النسبة لتصل إلى 302 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2035. وجاء في التقرير ما يلي: «تمثل نسب الدين المقدرة بنحو 200 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الحد الأقصى الذي يمكن أن تواجهه الدول ذات الاقتصادات المتقدمة دون أن يختل توازنها الاقتصادي». وتكشف تقديرات لمنطقة اليورو عن نسب أقل.. فباستخدام توقع مستقبلي متفائل للنمو في تلك المنطقة، يتوقع التحليل أن تزيد نسبة الدين الأوروبي لتصل إلى 72 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2035. وبتبني نظرة سلبية تشاؤمية بشأن معدل النمو، يتوقع أن يصل مستوى الدين إلى نسبة 155 في المائة من الناتج في منطقة اليورو.

من المنتظر أن ترتفع مستويات الدين في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة لتصل إلى 122 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بتبني توقع مستقبلي متفائل، أو إلى 234 في المائة في إطار توقع مستقبلي أكثر تشاؤما، حسبما تتوقع الدراسة. غير أن حجم أعباء الديون المتوقعة بالنسبة إلى اليابان والولايات المتحدة يتجاوز تلك الأرقام. بالمقارنة، تبدو الاقتصادات الناشئة قوية بشكل إيجابي. وباستخدام توقع متفائل، سيصل حجم ديونها إلى نسبة 35 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وفي ظل توقعات أكثر تشاؤما، يتوقع أن يرتفع إلى نسبة 59 في المائة.

ولحسن الحظ، لا يعتقد غاغنون وهينترشويغر أن الولايات المتحدة يحتمل أن تواجه أزمة مالية على غرار أزمة اليونان. فهما يعتقدان أنه لا يزال لدينا بعض الوقت للبدء في التعامل مع مشكلات الديون التي تواجهنا – خمس سنوات على الأقل. ولكن، بوضع زيادة حجم ديوننا في الاعتبار، تلوح في الأفق بوادر أزمة مالية، إذا لم يتخذ صناع السياسات أي إجراء مؤثر.

وقال المؤلفان: «ربما لا تكون هناك مطلقا لحظة واحدة محددة تجسد الأزمة بوضوح، وإنما هناك تحول إلى ارتفاع غير مسبوق في معدل التضخم وأسعار الفائدة وانخفاض غير مسبوق في معدل النمو، إلى جانب حالة ركود اقتصادي أكثر عمقا، وفي النهاية إلى معدل تضخم مفرط، جنبا إلى جنب مع هبوط سريع في قيمة العملة. وينظر معظم الاقتصاديين إلى هذا التوقع باعتباره عملية اختناق متصاعدة من شأنها أن تقوض رخاء الدولة».

* خدمة «نيويورك تايمز»