تقرير بنكي: الزيادة السكانية تعرقل ارتفاع دخل الفرد السعودي

خبير اقتصادي لـ «الشرق الأوسط»: القطاع الخاص بحاجة إلى معدل نمو 6.5% ليوفر فرصا وظيفية

أكد التقرير أن بيانات الدخل الحقيقي المنخفض نسبيا في السعودية تبرز مدى أهمية موازنة الأجور في البلاد («الشرق الأوسط»)
TT

كشف تقرير بنكي أن معدل دخل الفرد السعودي يواجه تحدي الزيادة السكانية الكبيرة التي تعاني منها البلاد منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، حيث شكل النمو السكاني الكبير للسعوديين الذي بلغ نحو 182.4 في المائة، وكذلك عدم توسيع القاعدة الاقتصادية عنصرين أساسيين في ثبات حصة الفرد من الدخل.

وتتبع تقرير اقتصادي أصدره بنك سعودي الآثار المترتبة على زخم الإنفاق الذي تتبناه الحكومة السعودية لدفع عجلة التنمية في البلاد، حين أطلقت مشاريع ضخمة وإصلاحات اقتصادية كبيرة تمس حياة المواطن السعودية وذلك بعد عودة الملك من رحلته العلاجية في العشرين من فبراير (شباط) الماضي. إلا أن دخول الحكومة بما تملكه من قدرات مالية ضخمة كمستثمر في عدد كبير من المشاريع التي يفترض أن يتولاها القطاع الخاص، سيقلل من فرص نموه، كما لمح التقرير إلى أن الإنفاق العام سيتضاعف إلى ثلاثة أمثال في عام 2014، مما سيزيد من صعوبات الإنفاق الحكومي على المستويين المتوسط والبعيد، في حين توصل التقرير إلى أن مساهمة القطاع الخاص سجلت نموا بـ2.3 في المائة فقط من الناتج العام غير النفطي على مدى 20 سنة، في الوقت الذي تجتهد فيه الخطط التنموية في دفعه قدما ليأخذ حصة أكبر في الناتج المحلي.

وقال التقرير الذي أصدره البنك السعودي الفرنسي وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن عدم نمو القطاع الخاص السعودي بالوتيرة المثلى سيكون له آثار سلبية على فرص تحسين المداخيل الحقيقية للمواطنين والوافدين في السعودية، فخلال العقدين الماضيين لم يزدد معدل دخل الفرد في السعودية.

وفي العام الحالي، توقع التقرير أن يسجل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص السعودي ارتفاعا طفيفا فقط إلى 4.2 في المائة، بينما يحتاج هذا القطاع إلى نمو بمعدل 6 في المائة ليحقق مساهمة حقيقية في تنويع الناتج المحلي، كما يحتاج إلى نسب نمو بمعدل 6.5 في المائة سنويا ليوفر فرصا وظيفية تتناسب وتطلعات الحكومة السعودية التي تعمل على زيادة تحفيز الاقتصاد عبر استثماراتها المختلفة. في المقابل، تشير الإحصاءات إلى أن الناتج المحلي الحقيقي للقطاع العام السعودي سيحقق نموا يصل إلى 5 في المائة للسنة الثالثة على التوالي، مما سيعزز سيطرة الأخير على نمو الاقتصاد المحلي.

وأضاف التقرير الذي أعده الدكتور جون إسفيكياناكيس مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، أن المتفحص لإجمالي الناتج المحلي الاسمي للسعودية الذي يتقلب مع تقلبات أسعار النفط، سيجد أن نصيب الفرد السعودي منه سجل ارتفاعا كبيرا خلال العقد الماضي، مبينا أن معدل الدخل الاسمي للفرد السعودي ارتفع إلى 16.039 دولار في عام 2010، أي بزيادة نسبية قدرها 74 في المائة منذ عام 2000، مضيفا أن الوضع سيكون مختلفا عند احتساب معدل دخل الفرد عند أسعار ثابتة بهدف تلافي أثر التضخم. يقول الدكتور جون: «إننا سنجد صورة مغايرة تماما لتلك التي ترسمها البيانات الاسمية، ففي الواقع، لم يتحسن معدل الدخل الحقيقي للفرد السعودي منذ منتصف الثمانينات»، مبينا أنه إذا استبعدت عوامل التضخم، فإن دخل الفرد السعودي بلغ نحو 8.550 دولار في عام 2010، وهو ما يساوي عمليا المستوى نفسه الذي سجل في عام 1991، والذي يقل كثيرا عن ذروة عام 1980، وقدرها 14.773 دولار.

وأرجع الدكتور جون تراجع نمو معدل الدخل وعدم تحسنه إلى سببين رئيسيين؛ الأول يعود إلى معدل النمو السكاني المرتفع، والسبب الآخر عدم توسيع الاقتصاد، خصوصا القطاع غير النفطي، بما يتناسب مع ازدياد السكان.

وبمقارنة السعودية مع دول مثل نيجيريا أو ماليزيا أو جنوب أفريقيا أو تركيا، فقد نما سكان السعودية بوتيرة عالية جدا، حيث تشير قاعدة بيانات قسم السكان التابع للأمم المتحدة إلى أن عدد سكان المملكة ازداد بنسبة 182.4 في المائة بين عامي 1980 و2010. أما نيجيريا، التي تلي المملكة وفق بيانات الدول الثماني التي شملتها الدراسة الأخيرة لقسم السكان التابع للأمم المتحدة، فقد ازداد عدد سكانها بنسبة 112.4 في المائة خلال الفترة نفسها، بينما ازداد سكان تركيا بنسبة 64 في المائة، التي لا تزيد كثيرا على المتوسط العالمي وقدره 56 في المائة.

ويقول الدكتور جون إن نتيجة هذا المعدل المرتفع نسبيا لنمو عدد السكان في السعودية، ترافقت مع تسجيل نسب متدنية لمعدلات نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي وإن هذه المعدلات وصفت بالمتدنية عند مقارنتها مع النسب التي سجلتها نظيراتها في العالم.

وفصل التقرير الذي وضعه كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي - الفرنسي بأنه بمقارنة السعودية مع دول مثل كوريا الجنوبية ونيجيريا وسنغافورة وجنوب أفريقيا وتركيا، تحديدا، سجلت السعودية أدنى مستوى لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المحتسب على أساس معادِل القوى الشرائية (للعملات)، الذي يأخذ بالحسبان معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الاسمي ومعدلات تضخم الأسعار المحلية.

وقال الدكتور جون إنه طبقا لبيانات صندوق النقد الدولي، فقد نما في السعودية معدل دخل الفرد المحتسب على أساس معادِل القوى الشرائية بين عامي 2000 و2010، بنسبة 44 في المائة بالمقارنة مع 99 في المائة في كوريا الجنوبية و90 في المائة في سنغافورة و66 في المائة في جنوب أفريقيا و77 في المائة في تركيا و124 في المائة في نيجيريا.

كما تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن السعودية سجلت على المستوى الإقليمي أيضا مستويات منخفضة، لنمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المُعادَل، فقد ازداد هذا النصيب بنسبة 39.7 في المائة من مستويات عام 1980، بالمقارنة مع أكثر من 42 في المائة بقليل في الكويت والإمارات العربية المتحدة ونحو 200 في المائة في البحرين، وأكثر من 300 في المائة في كل من مصر والمغرب وعمان وتونس.

وأشار التقرير إلى أن بيانات الدخل الحقيقي المنخفض نسبيا في السعودية تبرز مدى أهمية موازنة الأجور في البلاد خلال السنوات المقبلة، حيت يتحتم على السعودية الانتقال من سوق العمل التي تعتمد اليد العاملة الرخيصة إلى توفير فرص عمل بأجور مرتفعة، لضمان موازنة الأجور وتعزيز أفضلية القطاع الخاص لدى العمالة السعودية وخفض معدلات البطالة، واعتبر التقرير أن تبني هذا التوجه من شأنه أن يرفع المداخيل الحقيقية للمواطنين وأن يخفف الأعباء التي تتحملها خزينة الدولة.

كما أشار التقرير إلى الخطوة التي قامت بها الحكومة السعودية التي وصفها بالمهمة، حيث تم رفع الحد الأدنى للرواتب الشهرية لموظفي قطاع الخدمات العامة من 2.185 ريال سعودي إلى ثلاثة آلاف ريال سعودي (582.6 إلى 800 دولار)، في حين شدد التقرير على أنه ينبغي إلزام شركات القطاع الخاص بالقيام بالخطوة نفسها من أجل تقديم الحوافز المناسبة عبر تحسين الأجور الحقيقية في هذا القطاع، الذي يشغل أكثر من 80 في المائة من إجمالي القوة العاملة، مع التأكيد بأن القطاع الخاص لن يصبح خيارا مفضلا للسعوديين إلا عندما تصبح الأجور أكثر إغراء.

وفي التقرير ذاته أشار الدكتور جون إلى أن الحكومة السعودية اضطلعت بدور محوري في الاستثمارات المحلية، مما زاد من تكوين إجمالي رأس المال الثابت الحكومي من 14 في المائة في عام 2001، إلى 35 في المائة في عام 2009.

وخلال الفترة نفسها، انخفضت مساهمة القطاع الخاص في تكوين إجمالي رأس المال الثابت الكلي من 75 في المائة إلى 49 في المائة، ويقيس تكوين إجمالي رأس المال الثابت مجموع الزيادات ناقصا مجموع التراجعات في الأصول الثابتة للشركات الخاصة والحكومات والأسر، ويعد تكوين إجمالي رأس المال الثابت أحد مؤشرات تغير القيمة المضافة الجديدة للاقتصاد الكلي.

وأرجع معد التقرير تراجع الدور الاستثماري للقطاع الخاص السعودي في الاقتصاد المحلي، إلى وجود عيوب هيكلية في المقاربة الرسمية لتوسيع الاقتصاد، حيث قامت استراتيجية الحكومة السعودية لتوليد الزخم على افتراض أن التمويل الرسمي المتزايد للمشروعات الضخمة، سيدفع القطاع الخاص إلى زيادة استثماراته بمعدلات مماثلة، إلا أن ذلك لم يحدث على النحو الذي توقعه صناع السياسة السعوديون، حيث أشار التقرير إلى أنه بين عامي 2000 و2010، ارتفعت مساهمة القطاع العام في تكوين إجمالي رأس المال الثابت إلى ثمانية أمثالها، بينما ازدادت مساهمة القطاع الخاص بأقل من 94 في المائة، في حين تشير الإحصاءات إلى أنه بين عامي 2006 و2010، ازدادت مساهمة القطاع الخاص في تكوين إجمالي رأس المال الثابت بنسبة 38.5 في المائة بالمقارنة مع 140.4 في المائة للقطاع العام.

ويتوقع التقرير أن يصل الإنفاق العام في العام الحالي إلى ثلاثة أضعاف مستويات عام 2014، لذا، قد يتعذر في السنوات المقبلة نقل جزء كبير من أعباء التمويل والتوسع إلى القطاع الخاص المحلي والدولي، فمنذ عام 1990، لم ترتفع عمليا مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للقطاع غير النفطي لأنها مثلت 66.7 في المائة في عام 2010، ولم تمثل هذه الزيادة سوى 2.3 في المائة فقط من مستويات ما قبل عشرين سنة ونيف.