بعد القرار الألماني بالتخلي عنها.. هل هي بداية نهاية الطاقة النووية؟

برلين قررت غلق آخر مفاعلاتها بحلول 2022.. وبلجيكا ستبدأ خطوة مماثلة ابتداء من 2015

تضم القارة الأوروبية 14 محطة نووية تشمل 143 مفاعلا
TT

قالت ألمانيا: «لا لمحطات الطاقة النووية» بعد أن وافق الائتلاف الحاكم في الساعات الأولى من فجر أمس، الاثنين، على خطة لإغلاق كل محطات الطاقة النووية في البلاد مع حلول عام 2022، ورحبت دوائر أوروبية في بروكسل بالقرار وطالبت جمعيات ومنظمات ناشطة في مجال الدفاع عن البيئة الدول الأوروبية الأخرى باتخاذ قرار مماثل، بينما اعتبرت مصادر داخل المؤسسات الاتحادية الأوروبية القرار الألماني شأنا داخليا، وأن كل دولة من الدول الأعضاء لها الحق في اتخاذ ما تراه مناسبا لها. وقد فسر وزير البيئة الألماني، نوربيرت روتجن، الاتفاق الذي توصل إليه قادة الأحزاب مع المستشارة أنجيلا ميركل في برلين بعد اجتماع طويل شاركت فيه أحزاب المعارضة بالقول: «بالنسبة لإغلاق محطات الطاقة النووية، اتفاقنا ينص على أن المحطات الـ7 القديمة ومحطة الطاقة النووية (كروميل) لن تستأنف نشاطها، لن تكون في إطار الشبكة، والمجموعة الثانية المكونة من 6 محطات نووية سيتم وقف العمل بها في عام 2021، والمحطات الـ3 الأكثر حداثة وتطورا سيصار إلى وقفها في عام 2022».

وكانت البلاد شهدت مسيرات ضخمة يوم السبت الماضي تطالب بإغلاق محطات الطاقة النووية تفاديا لتكرار كارثة محطة فوكوشيما النووية اليابانية. لكن رجال الأعمال دعوا إلى توخي الحذر خوفا من أن نقص الطاقة الكهربائية من شأنه أن يشل الصناعة. وتجددت المظاهرات للمطالبة بالتخلي عن الطاقة النووية، واستعمال طاقات بديلة صديقة للبيئة. وحاولت فعاليات وشخصيات ناشطة في مجال الدفاع عن البيئة توصيل صوتها أيضا في مدن أوروبية أخرى في بلجيكا وهولندا وفرنسا وغيرها، في مظاهرات لنفس الغرض خلال الفترة الأخيرة، وشاركوا في مسيرات حاشدة الشهر الماضي. ويرى المراقبون في بروكسل أن المظاهرات جاءت بعد أسابيع من حادث فوكوشيما النووي في اليابان، الذي بين أن الطاقة النووية لا يمكن أن تستجيب لمتطلبات البشرية في المستقبل، بسبب مخاطرها. ويأتي ذلك بعد أن اتفقت الوكالات النووية الأوروبية على تفاصيل اختبارات جديدة للسلامة لما يصل إلى 143 مفاعلا نوويا، لمنع حدوث أزمات مثل التي تشهدها محطة فوكوشيما اليابانية المعطوبة. وجاء ذلك تنفيذا لاتفاق جرى التوصل إليه بين قادة التكتل الأوروبي الموحد في مارس (آذار) الماضي، على إخضاع محطات الطاقة النووية الأوروبية إلى «اختبارات ضغط»، لكن الخبراء النوويين في كل دولة عضو كانوا يناقشون التفاصيل. وجاءت الموافقة الأوروبية على اختبارات السلامة للمفاعلات النووية بعد أن انتهت آخر العقبات التي تقف أمام تنفيذ الأمر، وكانت تتمثل في المعارضة النمساوية للطاقة النووية، وقالت مصادر المؤسسات الاتحادية في بروكسل إنه بعد الحصول على موافقة النمسا سيتم نشر تفاصيل الاتفاق في وقت لاحق. ويريد غونتر أوتينجر، مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي أن تكون الاختبارات واسعة بأكبر قدر ممكن بما في ذلك خطر التعرض لهجمات إرهابية، لكن آخرين، ومنهم فرنسا يرون أن أجهزة الأمن الوطنية الخاصة بكل دولة هي التي تحدد مثل هذه السيناريوهات. وسبق أن اتفق وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على القيام بفحوص شاملة لكافة المحطات النووية للتأكد من سلامة منشآتها وقدرتها على الصمود أمام أي كارثة طبيعية، وتشمل تصميمات المباني وأنظمة الأمن والتبريد في المفاعلات والخطط المتبعة أثناء الطوارئ وعمليات الإجلاء. وأشار غونتر أوتينجر، مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي، إلى وجود انقسامات بين الدول الأعضاء حول مستقبل الطاقة النووية في أوروبا، إلا أن الجميع اتفقوا على ضرورة تشديد إجراءات الأمن إلى أقصى درجة داخل المنشآت النووية. وتضم القارة الأوروبية 14 محطة نووية تشمل 143 مفاعلا، وفقا للأرقام الرسمية للمفوضية الأوروبية، وتملك فرنسا أكبر عدد من المفاعلات (58 مفاعلا) وتليها بريطانيا (19 مفاعلا) وألمانيا (17 مفاعلا). ويذكر أنه في أواخر شهر أبريل (نيسان) الماضي تجددت في أوروبا المظاهرات المناوئة لوجود محطات لتوليد الطاقة النووية، ففي بلجيكا قامت الأحزاب والمنظمات المدافعة عن البيئة ومنها حزب الخضر بتسيير مظاهرات جديدة في بلجيكا، تطالب بالتخلي الفوري عن استخدام الطاقة النووية. المتظاهرون وجهوا تحذيرا إلى السلطات من مخاطر الطاقة النووية، وأكدوا أن كارثة فوكوشيما النووية أثبتت مرة أخرى مدى خطورة استخدام الطاقة النووية. وقال وايبيه ايكمان، من منظمة حماية حقوق المجتمع والمناخ، إن كل 25 عاما تحدث كارثة بسبب المحطات النووية وتترتب عليها أضرار تستدعي عدم بقاء استخدام المحطات النووية في توليد الطاقة.

وتمثل الطاقة النووية أكبر مصدر للطاقة في بلجيكا، حيث يتم استخدامها بنسبة 55 في المائة من مجموع الطاقة المستخدمة. وقد تقرر في عام 2003 أن تبدأ بلجيكا بالتخلي عن الطاقة النووية في عام 2015، وكان «الخضر» قد شاركوا في اتخاذ هذا القرار، لذلك فهم يخشون حاليا من تأخير التخلي عن استخدام هذه الطاقة إلى ما بعد الوقت المقرر. وعلى الصعيد الأوروبي بشكل عام، هناك جدل واعتراضات في الدول الأعضاء في الاتحاد حول استخدام الطاقة النووية، وطالبت وزيرة البيئة الفرنسية، ناتالي كوسيوسكو موريزيه، بضرورة إرساء قواعد دولية واضحة بخصوص مجال الأمن النووي، عقب كارثة محطة فوكوشيما اليابانية، وتفضل الوزيرة عدم التسرع في اتخاذ القرارات، وخصوصا على الصعيد المحلي، بينما تقول ألمانيا إن لديها رغبة قوية في التخلي عن الطاقة النووية في أقرب وقت ممكن، وسبق أن عرفت عدة عواصم أوروبية مظاهرات في أبريل.

وفي باريس صرحت الوزيرة لإذاعة «فرانس إنفو»: «يجب استغلال الوقت للبدء في إعداد وتطوير قواعد دولية للأمن النووي». وأشارت كوسيوسكو موريزيه إلى أنه حتى الآن «لا توجد قواعد على المستوى الدولي في هذا الصدد»، مشيرة إلى أن المفاعلات النووية الـ55 الموجودة في فرنسا تنتج قرابة 80 في المائة من الكهرباء. وأبرزت المسؤولة ضرورة عدم «التسرع في اتخاذ القرارات» المتعلقة بهذه المشكلة، ومن ضمنها، على الصعيد المحلي، إجراء فحص لكل المحطات النووية في البلاد وذلك لإبراز «الشفافية والوضوح أمام الشعب»، ولمعرفة ما الذي سيحدث للمنشآت النووية حال وقوع ظروف كتلك التي أدت إلى الأزمة النووية في اليابان.

وأعربت الوزيرة عن ثقتها في النجاح في توفير التمويل اللازم لإنشاء غطاء جديد لمفاعل تشرنوبيل النووي، الذي انفجر في 1986، وذلك عقب جمع مبلغ 550 مليون يورو من أصل 670 مليون يورو لازمة لتفعيل هذا الأمر. وسيتم إنشاء غطاء المفاعل من قبل شركتين فرنسيتين. وتسبب الزلزال الذي ضرب اليابان في 11 من الشهر الماضي والتسونامي الذي لحقه في الإضرار بمفاعل فوكوشيما النووي وحدوث تسريبات إشعاعية، وسط حالة من القلق الدولي بخصوص هذا الأمر.

وتأتي الاختبارات الأوروبية بعد أن اتفقت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، مع رؤساء حكومات الولايات الألمانية، على سن قانون جديد للطاقة النووية، ينص على تقليص الفترات المتبقية من عمل المفاعلات النووية في البلاد.

وصرحت ميركل عقب اجتماع عقدته مع رؤساء حكومات البلاد، بحضور راينر برودرليه وزير الاقتصاد، ونوربرت روتغن وزير البيئة، قائلة: «نحن جميعا نرغب في التخلي عن الطاقة النووية في أسرع وقت ممكن»، وأضافت أن ثمة خلافا حول التفاصيل الخاصة بكيفية التوسع في شبكة الكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة. وقالت عن التحول في مجال الطاقة إنه مشروع مثير، مؤكدة أن كل الولايات على وعي بمسؤوليتها في هذا الشأن، كما أنها راغبة في المشاركة في هذه العملية. وتريد برلين زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء من17 إلى 40 في المائة بحلول عام 2020. ويرحب مدير منظمة السلام الأخضر، كومي نايدو، بهذا الجهد، ويقول: «إذا قالت ألمانيا واضحا أن المفاعلات النووية ليست حلا جيدا، دول أخرى مثل بلدي، جنوب أفريقيا، الذي يسير على غرار ألمانيا، يجب عليها إعادة النظر في مجال الطاقة والاستثمار في الطاقة المتجددة».

وستعقد ميركل اجتماعا مجددا في الثالث من يونيو (حزيران) المقبل مع رؤساء الحكومات الـ16 حول قضية التحول في مجال الطاقة النووية. إذ من المتوقع أن ينظر مجلس الوزراء الألماني مشروع القانون الجديد الخاص بالتخلي عن الطاقة النووية في السادس من يونيو المقبل، تمهيدا لعرضه على مجلس الولايات بوندسرات في السابع عشر من ذات الشهر. وأعلنت عواصم أوروبية أنها لن تتردد في إغلاق أي محطة نووية في حال ثبت وجود أي خلل أو احتمالات تشكيل مخاطر، وذلك خلال الفحوصات والاختبارات المقرر أن تخضع لها المحطات النووية الأوروبية قبل نهاية العام الحالي، وقالت الحكومة البلجيكية في بروكسل إن قرار إغلاق المحطات النووية، مهما كان عددها، لن يتأخر تحت أي ظروف في حال ثبت وجود قصور أو خلل قد تترتب عليه مخاطر مشابهة لما وقع في كارثة اليابان الأخيرة.