مدير «العمل العربية» لـ «الشرق الأوسط» : الاستقرار شرط لتدفق الاستثمارات

السفير لقمان قال إن قضايا التشغيل عامل مشترك في تحرك الاحتجاجات.. وارتفاع نسبة البطالة حتى 2012

السفير أحمد محمد لقمان المدير العام لمنظمة العمل العربية (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

توقع المدير العام لمنظمة العمل العربية، السفير أحمد محمد لقمان، ارتفاع نسبة البطالة بأكثر من السابق في العالم العربي بسبب الثورات والاحتجاجات، قائلا في حوار مع «الشرق الأوسط» td إن عدم الاستقرار السياسي والتشريعي في الكثير من البلدان التي قامت فيها ثورات كتونس ومصر، والأخرى التي تشهد احتجاجات ومصادمات، كما يجري في ليبيا وسوريا، أثر سلبيا في قطاعات الاستثمار والتشغيل، ما يجعل التوقعات تصب في اتجاه زيادة نسبة البطالة هذا العام وربما العام المقبل أيضا، قد تصل إلى 16% ليبلغ عدد العاطلين العرب نحو 20 مليون عاطل بزيادة قدرها نحو مليوني عاطل.

لكن لقمان أعرب عن ثقته في أن يعقب مرحلة عدم الاستقرار هذه مرحلة من الانطلاق نحو تدفق الاستثمارات ونمو الأعمال في العالم العربي سواء على المستوى المحلي للقطاع الخاص في كل دولة أو عبر مستثمرين عرب وأجانب، مشيرا إلى أن مرحلة الاستقرار التي ستأتي لاحقا، خاصة بعد ثورة تونس ومصر، ستؤدي لانطلاقة فيها قدر كبير من الشفافية والعدالة ووضوح الرؤية بالنسبة للقوانين والأنظمة.

ورغم المتغيرات بالمنطقة عقدت المنظمة في القاهرة قبل أسبوعين مؤتمرها السنوي الذي كان مقررا عقده في بيروت، وقال لقمان إن الأحداث العربية الجارية جعلت المنظمة تغير من مكان المؤتمر، ومن جدول أعماله أيضا، لتضيف فيه بنودا تهم الشارع العربي منها التشغيل والبطالة، والعقد الاجتماعي العربي الموحد، لافتا إلى أنه أصبح يوجد نحو 11 دولة تسعى لتعديل دستورها أو تغييره كاملا خلال المرحلة المقبلة. وإلى تفاصيل الحوار..

* ما تأثير الثورات والاحتجاجات بمصر وتونس وغيرهما على فرص الاستثمار والتشغيل بالمنطقة؟

- طبعا سوف تؤثر تأثيرا سلبيا في السنة الأولى لأنه ما زال يوجد احتياج للأمن واحتياج لعودة دولاب الحياة اليومية والإنتاج.. هذه عوامل ستجعل الاستثمار يتردد في الإقدام، ما يؤخر من استحداث فرص عمل. لذلك نحن توقعنا زيادة نسبة البطالة في 2011 وربما جزء من 2012 وقد تصل هذه النسبة إلى 16% وعدد العاطلين إلى 20 مليون، بدلا من 18 مليون. هذه مرحلة يحصل فيها تراجع، استعدادا لانطلاقة قادمة فيها قدر كبير من الشفافية والعدالة ووضوح الرؤية بالنسبة للقوانين والأنظمة.

* يقال إن القطاع الخاص العربي متردد ويتجه للخارج ما رأيك وفقا لمشاركته في مؤتمر المنظمة أخيرا؟

- بعد انقشاع الأزمة المالية العالمية التي تأثر بها عدد من رؤوس الأموال العربية، حصل اتجاه للاستثمار داخل الوطن العربي، ومع أن التطورات التي حدثت (وتحدث في دول عربية) مؤخرا ستوقف الاندفاع نحو الاستثمار داخل الوطن العربي، بسبب عدم وضوح الرؤية.. فإن الرؤية في المستقبل جميلة، لكن منظمات الأعمال لا تريد التمني فقط.. يبدو أن ثورات مصر وتونس تحتاج إلى بعض الوقت لتثبت لصاحب رأس المال أن المسار صحيح وفيه هدف نبيل يحافظ على حق صاحب العمل والعامل وحقوق الوطن.. ما رأيته هو أن رجال الأعمال يتلمسون الطريق. نحن أردنا أن يأتي (رجال الأعمال للمؤتمر) في مصر للتثبت من الحالة على أرض الواقع، لأنه أحيانا المعلومات أو الإعلام خارج البلد يكون أكثر تضخيما من حقيقة الوضع. رؤية الواقع المصري في حد ذاته عنصر هام ومطلوب. وعقد بعض المؤتمرات في مصر وتونس وعدد من الدول العربية سيكون أمرا مجديا.. أولا منها الدفع بأن الحكومات تزيد من وتيرة عملها لإحداث الاستقرار ومنها إرسال رسالة طمأنينة لرجل الأعمال بأن الأمور ستكون أفضل لاستثمار نزيه ومباشر لصالح الاقتصاد.

* ظهرت إشارات عن نزاع بين رجال أعمال ودول عربية تغير من تشريعاتها بعد تغير أنظمتها الحاكمة. هل للمنظمة دور للحل؟

- بالنسبة لنا يهمنا الحوار الاجتماعي بين جميع الأطراف.. سواء كان يخص العلاقة بين الحكومة وصاحب العمل أو بين العامل وصاحب العمل أو بين الثلاثة.. نحن لا نريد أن يستأثر طرف بأن يقرر أي قرار ينسحب على طرف آخر دون أن يكون قد اتفق معه بالحوار. أما ما يتعلق بالتزامات أو عقود موقعة، فهذا موضوع آخر شأنها أيضا التفاوض، لأن فيه أسسا وقواعد وعدلا من المناسب الالتزام به، فإذا شعر أن طرفا قد هضم حقه فإن بإمكانه فتح الموضوع بالاتفاق مع الشريك الآخر.

* ما تصور المنظمة لفرص الاستثمار بالمنطقة، أم أنها تكتفي بالرصد وتقديم الأرقام والمؤشرات فقط؟

- تهيئة المنظمة لمنتدى ووضع قواعد وإرشادات يتم البناء عليها، هذا في حد ذاته، عنصر مشجع. ومن ذلك، على سبيل المثال، إنجاز (المنظمة) التصنيف العربي لـ3 آلاف مهنة، حتى لا يتعرض العامل العربي لاهتزاز في عقد العمل حين ينتقل من بلد إلى بلد.. حاليا لم تعد الحكومة هي صاحب العمل الوحيد. أصبح القطاع الخاص الموظف الأكبر. لكن هذا القطاع تحمل المسؤولية قبل استعداده لها. وكذا دون أن يكون شريكا في توجهات التنمية مباشرة. بعض القطاع الخاص استسهل العمل بمجالات سهلة النتائج سريعة الربح.. يعني الأرقام الاقتصادية في مصر وتونس، على سبيل المثال، كانت عالية، لكن بالنسبة للبطالة (لم تكن كذلك).. بمعنى أن ثمار التنمية الاقتصادية عادت على شريحة محدودة من المجتمع، ومن هنا حدث الاختلال.. لا يمكن أن يكون هناك سلم وأمن وطني ما لم يكن هناك قدر من العدالة.

* لماذا عقد مؤتمر منظمة العمل في هذا التوقيت؟

- كان من المفترض عقده ببيروت بدعوة من حكومة لبنان منذ سنة، لكن التطورات في العالم العربي جعلتنا نرجئ الأمر ونضيف لجدول الأعمال أثر هذه التطورات على التشغيل، وموضوع العقد الاجتماعي العربي الموحد، لأن هناك 11 دولة تسعى لتعديل دستورها أو تغييره كاملا. أردنا أن يكون المؤتمر مكرسا لقضايا التشغيل التي هي عامل مشترك في تحرك الاحتجاجات العربية، رغم أن المنظمة نبهت لخطورة إهمال قضايا البطالة والتشغيل. البطالة زادت عن الحد. تعاطي العرب مع البطالة في الإعلام أكثر منه في الواقع.

* هل المنظمة لديها آلية ضغط على الحكومات لتنفيذ توصياتها؟

- المنظمة هي المؤسسة العربية الوحيدة المبنية على 3 دعائم: الحكومات، ومنظمات أصحاب الأعمال، والاتحادات النقابية. المشكلة أن وزارات العمل العربي معنية بقضايا لها علاقات بأجهزة تفوق قدرة تأثير تلك الوزارات.. ومع ذلك أقررنا العقد العربي للتشغيل. يعني أن القادة العرب تعهدوا خلال العشر سنوات التي تبدأ من 2011 وتنتهي في 2020، بتخفيض البطالة إلى النصف. معنى ذلك أن نسبة البطالة لو كانت 15% اليوم فلا بد أن تنخفض بحلول عام 2020 لتكون إجمالا في حدود 7% إلى 7.5% على الأكثر.

* وهل هذا ممكن؟

- إذا كانت توجد إرادة فنعم.. بالإمكان إذن تحقيق خفض نسبة البطالة في السنة بما نسبته 1% أو 0.57% من خلال عدة خطوات.. أنشأنا الجمعية العربية للتدريب المهني، مقرها الرياض، وهي الأولى من نوعها. ووضعنا قواعد العقد العربي، ما بين مهام على الحكومات وأخرى على المنظمة وعلى منظمات أصحاب العمل والعمال. وضعنا استراتيجية عربية للتدريب المهني لأننا وجدنا أن العامل العربي يواجه بمنافسة شرسة، فلا بد أن يحصن ويهيأ حتى يستطيع أن يحصل على فرص عمل محليا أو عربيا وأجنبيا.

* توصم العمالة العربية منذ سنوات بقلة التدريب. متى ينتهي الأمر؟

- جزء كبير من مؤسسات التدريب العربية لم تتطور التطور الكافي حتى تخرج عمالة كفؤة. كما أنه لا توجد حاكمية لمؤسسات التدريب في كل بلد، باستثناء 3 أو 4 دول عربية.. كما أن المراكز التدريبية فيها مدربون ليسوا أكفاء. أضف إلى ذلك أن خطط مؤسسات التدريب ظلت على برامجها القديمة، رغم تغير احتياجات سوق العمل. لذلك حل آخرون محل العمالة العربية.. ولهذا الأمر عقد في المملكة العربية السعودية مطلع العام الماضي مؤتمر كبير جدا حضره كل الأطراف المعنية من الوزارات العربية والخبراء ومؤسسات التدريب ومنظمات أصحاب الأعمال والعمال، برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز. وعلى ذلك أنشأنا الجمعية العربية لمؤسسات التدريب المهني، والمملكة العربية السعودية مشكورة تفضلت بأن تكون مقرا للمركز. وهذه الجمعية العربية ستعمل على إنشاء مراكز أو تطوير مراكز قائمة بمدربين أكفاء لتخريج عمالة جيدة تحتاجها السوق العربية.. وأن تكون هذه الجمعيات معنية بمتابعة تنفيذ استراتيجيات التدريب المهني، وهذا سيساعد قضايا التدريب وتطورها. خاصة أن السعوديين تمكنوا من تحديث برامج التدريب لديهم وتخريج كوادر مؤهلة بعد اطلاعهم على أفضل التجارب في العالم.