اجتماع «أوبك» الـ159: هل سوق النفط في حاجة ماسة فعلا إلى زيادة الإنتاج؟

مستوى إنتاج المنظمة يتجاوز السقف المتفق عليه بنحو 1.5 مليون برميل

مبنى أوبك الجديد في فيينا (رويترز)
TT

ما زال سعر برميل النفط لخام «تكساس» الأميركي وخام «برنت بحر الشمال» فوق مستوى 100 دولار منذ مطلع شهر يونيو (حزيران) الحالي بعد أن شهد هبوطا قويا من مستويات 115 دولارا لخام تكساس و127 دولارا لخام برنت في الشهر الماضي. ويشكل وصول سعر برميل النفط إلى مستوياته الحالية أمرا مثيرا لمخاوف بعض المراقبين من تأثر جهود إنعاش نمو الاقتصاد العالمي المثقل بعقبات هيكلية مرتبطة باستقرار النظام المالي. هذه المخاوف قد لا تتحقق عند قراءة حالة أسواق النفط بتمعن أكثر، خصوصا أن إحدى أبجديات العرف الاقتصادي تفيد بأن أسعار السلع عادة ما تعكس ديناميكية العرض والطلب. وعلى الرغم من تكرار منظمة «أوبك» في تقاريرها الشهرية من لوم تسارع ارتفاع سعر النفط إلى مستوياته الحالية على المضاربات في بورصات النفط العالمية التي وصل أحجام تعاملاتها إلى 18 ضعف حجم الإنتاج العالمي من النفط، فإنه من المنطقي ألا يشكل ارتفاع أسعار النفط عقبات لنمو الاقتصاد العالمي بعد أن استمر نمو الطلب على السلعة من قبل الدول الناشئة بشكل ملحوظ بالإضافة إلى نمو نسبي لدى الدول الصناعية الذي يشير إلى قدرة الاقتصاد العالمي على تحمل تبعات ارتفاع أسعار النفط.

وتتزامن مخاوف بعض المراقبين من أثر ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي مع مطالبة وكالة الطاقة الدولية برفع مستويات الإنتاج لدى منظمة «أوبك» بعد توقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع نمو الطلب في الربع الثالث من هذا العام نتيجة طلب موسمي مرتفع على المقطرات، خصوصا وقود الطائرات والسيارات في موسم الصيف والذي يدفع بارتفاع معدلات تشغيل المصافي البترولية في موسم الصيف. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يشهد نمو الطلب على النفط في الربع الثالث من هذا العام بنحو 1.7 مليون برميل إلى 89.9 مليون برميل يوميا مقارنة بـ88.2 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من 2011. وحسب وكالة الطاقة الدولية سيستمر نمو الطلب بنحو 200 ألف برميل في الربع الرابع من هذا العام إلى 90.1 مليون برميل، إلا أن هنالك تباينا بنحو مليون برميل تقريبا بين توقعات نمو الطلب لدى وكالة الطاقة الدولية وبين توقعات منظمة «أوبك» حيث لا يتجاوز توقع منظمة «أوبك» وصول مستوى الطلب في الربع الرابع من هذا العام مستوى 89.2 مليون برميل يوميا، بالإضافة إلى أن وكالة الطاقة الدولية لم تأخذ بعين الاعتبار حالة التخمة في مستويات المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة التي قد تشكل مصدرا لتعويض أي نمو في الطلب على سلعة النفط خلال الفترة القادمة.

المفارقة هنا تأتي من طرف يطالب بعدم بقاء أسعار النفط عند هذه المستويات المرتفعة تخوفا من تأثر الاقتصاد العالمي مقابل طرف آخر يطالب برفع مستوى الإنتاج النفطي للاستجابة لنمو معدلات الطلب على السلعة مما يثير الدهشة لدى منظمة «أوبك» حين محاولة التوفيق بين أبجديات العرف الاقتصادي وبين قراءة الدول المستهلكة لأسواق النفط العالمية.

ويتطلع المراقبون إلى موقف منظمة «أوبك» من المستجدات في الأراضي الليبية حيث لم يطرأ أي تغير على ممثلي الوفد الليبي حسب الموقع الرسمي للمنظمة على الإنترنت والذي أبقى الدكتور شكري غانم رئيسا للوفد الليبي مما يرجح انتظار منظمة «أوبك» لتأكيدات من قبل الحكومة الليبية عن ممثلها الرئيسي في اجتماعها الـ159 في فيينا. وقالت وزارة الخارجية التونسية إن الدكتور شكري غانم موجود على أراضيها لكنها لم تفصح عن أسباب وجوده في تونس. وحسب النظام الأساسي لمنظمة «أوبك» فإن البند 17 ينص على أن أي ظرف يمنع وجود أحد أعضاء مجلس المحافظين في منظمة «أوبك» لحضور اجتماعاتها يسمح بترشيح بديل عنه من قبل الدولة العضو دون موافقة اتحاد المنظمة. إلا أن ذلك البند لا يشكل عائقا على آلية عمل منظمة «أوبك»، حيث ينص البند 11 من النظام الأساسي لمنظمة «أوبك» على أن قرارات منظمة «أوبك» تسري بإجماع كل الأعضاء الحاضرين للاجتماع حتى عند تغيب أحد الأعضاء عن ذلك الاجتماع. ومع ذلك، يمنح النظام الأساسي لمنظمة «أوبك» العضو الغائب مدة عشرين يوما عند صدور قرار إجماع الأعضاء لإرسال مذكرة اعتراض على وثيقة القرار وبالتالي من الممكن أن تتخذ منظمة «أوبك» قرارا برفع سقف الإنتاج رسميا دون حضور أي ممثل عن الحكومة الليبية، حيث من غير المتوقع أن تعترض الحكومة الليبية على قرارات منظمة «أوبك» التي تصب في مصلحة استقرار أسواق النفط.

بقاء سعر النفط قريبا من مستوياته القياسية قبل الأزمة المالية قد يدفع أعضاء منظمة «أوبك» إلى تبني خيار رفع سقف الإنتاج رسميا في اجتماعها الـ159 صباح الأربعاء في فيينا في محاولة منها لتأكيد بذل أي جهود ممكنة لتحقيق استقرار أسعار النفط في الأسواق الدولية، إلا أن خيار تبني رفع سقف الإنتاج بشكل رسمي لن يشكل تغيرا في معادلة السوق النفطية، حيث إن البيانات الأخيرة من قبل منظمة «أوبك» تفيد بتجاوز إنتاج أعضاء منظمة «أوبك» لسقف الإنتاج المتفق عليه بنحو 1.5 مليون برميل يوميا وهو مستوى إنتاج قريب لما تطالب به وكالة الطاقة الدولية.

وتوقعت «أوبك» أن تشكل الإمدادات النفطية خارج المنظمة لهذا العام ارتفاعا بنحو 700 ألف برميل يوميا مقارنة بارتفاع الطلب على نفط «أوبك» بنحو 400 ألف برميل في اليوم مما قد يرفع معدل إنتاج منظمة «أوبك» بما في ذلك إنتاج العراق إلى 29.9 مليون برميل يوميا مقارنة بـ29.5 مليون برميل في العام الماضي. وشهدت نسبة التزام أعضاء منظمة «أوبك» بسقف الإنتاج تحسنا حيث سجلت 65 في المائة في أبريل (نيسان) من هذا العام 2011 مقارنة بـ47 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) 2010، أي إن إنتاج «أوبك» من النفط تخطى سقف الإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل عند 26.3 مليون برميل (دون إنتاج العراق حيث لم يشمله قرار خفض سقف الإنتاج) مقارنة بما تم الاتفاق عليه عند 24.8 مليون برميل يوميا منذ الربع الرابع من عام 2008.

وسجلت معدلات الطلب على السلعة النابضة ارتفاعا من 85 مليون برميل يوميا في عام 2009 إلى 88.8 مليون برميل يوميا مع نهاية الربع الأول من هذا العام حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية. وشكل الطلب على النفط من قبل الدول الصناعية نموا بنحو 800 ألف برميل عند 46.3 مليون برميل في الربع الأول من هذا العام مقارنة بـ45.5 مليون برميل لمتوسط الطلب في 2009. واستحوذت الدول الناشئة على مجمل نمو الطلب العالمي على النفط حيث ارتفع الطلب بنحو 3.6 مليون برميل منذ نهاية عام 2009 إلى مستويات 42.5 مليون برميل، كان نصيب التنين الصيني منها نموا بنحو 1.6 مليون برميل يوميا.

وفي المقابل، بلغت الإمدادات النفطية في العالم 88.7 مليون برميل يوميا في الربع الأول من هذا العام مقارنة بـ84.4 مليون برميل يوميا في الربع الأول من 2009 مما يشير إلى حالة مشدودة بين معدلات الطلب والعرض في الأسواق النفطية العالمية بنحو 100 ألف برميل يوميا حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، إلا أن المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة ما زالت تغطي أي نقص مفاجئ من المعروض حيث بلغت مستويات المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ما يعادل 59 يوما من الطلب في أبريل الماضي، وهو ما يمثل 2.6 مليار برميل من النفط بالإضافة إلى 1.5 مليار برميل كمخزونات طارئة لحكومات الدول المستهلكة مما يجعل إجمالي حجم مخزونات الدول المستهلكة نحو 4.2 مليار برميل من النفط، وهو ما يشير إلى أن المخزونات العالمية ما زالت متخمة بالمعروض وهو أمر يرجح بقوة استقرار الأسواق النفطية.

وأشارت منظمة «أوبك» إلى وصول حجم التعاملات في بورصات النفط الدولية إلى مستويات قياسية عند 1.5 مليار برميل يوميا مما يوضح صعوبة استقرار أسواق النفط إذا ما بقيت البراميل الحقيقية عاجزة عن مجاراة الطلب على البراميل الورقية. ويشكل عامل المضاربات في أسواق النفط قلقا لدى المراقبين في الأسواق النفطية حيث تتجاوز أحجام التعاملات اليومية 18 ضعف الإنتاج العالمي من النفط يوميا مما يؤكد ضرورة وضع حد للمضاربات التي تدفع بتذبذب عنيف لأسعار النفط الذي يعد أمرا مثبطا لجهود تشجيع الاستثمار في الصناعة النفطية.

وحسب تقرير صادر من قبل الشركة العربية للاستثمارات البترولية «ابيكورب»، وهي شركة استثمارية مساهمة من قبل الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، تصل تدفقات رؤوس الأموال في مشاريع الطاقة بالدول العربية إلى 430 مليار دولار خلال الفترة من 2011 – 2015. حيث يرتكز ثلثا استثمارات مشاريع الطاقة بالدول العربية قي منطقة الخليج العربي.

ويؤكد تقرير «ابيكورب» أن بقاء معدلات نمو الطلب على النفط في الأسواق الناشئة بالوتيرة الحالية سيدفع المستثمرين إلى إعادة طرح المشاريع الاستثمارية المؤجلة سابقا في صناعة النفط بعد تجنب المستثمرين للمخاطرة نتيجة الأزمة المالية التي اندلعت في أواخر 2008 والتي بدورها رفعت من كلفة تمويل المشاريع المخطط لها سابقا. إلا أن عودة الانتعاش لحالة الطلب ساهمت في خفض توقعات المخاطر التي دفعت كلفة التمويل إلى التراجع نحو معدلات ما قبل الأزمة المالية.

ورصد تقرير «ابيكورب» حجم التدفقات الاستثمارية المتوقعة في قطاع الطاقة بنمو قدره 430 مليار دولار خلال 5 سنوات مقارنة بتوقع سابق لـ«ابيكورب» ببلوغ الاستثمارات نحو 335 مليار دولار في تقرير 2009. ويرتكز ثلثا الاستثمارات في مشاريع الطاقة بالدول العربية في منطقة الخليج العربي، حيث يشكل نصيب المملكة العربية السعودية الحصة الكبرى من تلك الاستثمارات بنحو 130 مليار دولار في مشاريع تابعة لشركة «أرامكو» السعودية والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك).