«الأموال السوداء» قضية 1.4 تريليون دولار مهربة تشغل الهند

محكمة انتقدت عدم كشف أسماء الشخصيات المتورطة واصفة ذلك بأنه «سرقة للأمة»

TT

تشهد الهند في الوقت الحالي واحدة من كبرى حملات المجتمع المدني ضد ما يعرف بـ«الأموال السوداء»، إثر التقارير التي أشارت إلى تهريب ما يقدر بنحو 1.4 تريليون دولار بصورة غير قانونية إلى مصارف أجنبية.

وقد استحوذت قضية الأموال السوداء التي وضعت في مصارف أجنبية على الساحة في الهند عبر اتخاذ المحكمة العليا في الهند موقفا متشددا تجاه هذه القضية، عندما انتقدت المحكمة الحكومة الهندية على ترددها في الكشف عن أسماء الشخصيات الهندية التي قامت بتهريب الأموال إلى مصارف أوروبية، واصفة ذلك بأنه «سرقة للأمة».

وتشير التقديرات إلى أن أموال الكسب غير المشروع الهندية في الخارج تفوق احتياطياتها من النقد الأجنبي. فتشير تقديرات منظمة النزاهة المالية العالمية في دراستها التي أجرتها قبل ثلاث سنوات إلى خروج نحو 27.3 مليار دولار من الأموال السوداء كل عام. كما تم تصنيف الهند في المرتبة 87 من بين 178 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام الماضي.

في الوقت ذاته، تسود الهند حركة واسعة حاليا ضد الأموال السوداء، حيث يقود الحركة معلم اليوجا الشهير، صاحب الشخصية الكاريزمية، بابا رامديف، الذي بدأ إضرابا مفتوحا عن الطعام في العاصمة الهندية لإعادة الأموال المهربة خارج البلاد، ومطالبا بإعلانها أحد الأصول القومية ومعاقبة مكتنزي هذه الأموال بالسجن مدى الحياة على الأقل.

شارك في الإضراب عن الطعام عشرات الآلاف من الأتباع عبر الهند وفي العديد من المدن في الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا، إلا أن الحكومة الهندية استخدمت قوات الشرطة في تفريق الحشود التي زاد عددها على 100.000 في دلهي وحدها.

يعد ذلك ثاني أكبر إضراب مفتوح عن الطعام تشهده الهند خلال الشهور القليلة الماضية يقوم به ناشطون ضد الفساد.

فأنهى آنا هازاري الصيام عن الطعام الذي امتد لأربعة أيام في أبريل (نيسان) والذي امتد ليشمل عموم الهند ضد الكسب غير المشروع. ووافق على إنهاء الإضراب في أعقاب التعهد الحكومي بتشكيل لجنة تضم أعضاء من أقطاب المجتمع المدني لتعديل قوانين مكافحة الرشوة والتحايل والجرائم الأخرى.

وبحسب البيانات التي عرضها مصرف «سويس بنك»، تمتلك الهند أموالا سوداء أكثر من باقي دول العالم مجتمعة. وقد تصدرت الهند القائمة بما يقرب من 1500 مليار دولار من الأموال السوداء في مصارف «سويس بنك»، تلتها روسيا بـ470 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة بـ390 مليار دولار، ثم أوكرانيا بـ100 مليار دولار، ثم الصين بـ96 مليار دولار.

من المثير للحرج لأي دولة أن تتصدر قائمة حاملي الأموال السوداء، والأموال التي تخص الهند ومواطنيها موضوعة في حسابات شخصية غير قانونية لسياسيين فاسدين وأصحاب أعمال وموظفين في الدولة. غير أن الحكومة الهندية تفتقر إلى الإرادة السياسية للقيام بتحرك ضد القائمين على عمليات غسل الأموال، لأن العديد منهم شخصيات نافذة في الحكومة الهندية. ويبلغ حجم الأموال السوداء في الهند ما يقرب من 40 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي للهند و13 مرة ضعف الدين الخارجي للهند.

وفي دولة يعيش أكثر من 450 مليون فرد من سكانها تحت خط الفقر، مما يعني أنهم يجنون أقل 1.25 دولار يوميا، يمكن لهذه الأموال السوداء أن تسدد كل الديون الخارجية خلال 24 ساعة. وحتى وإن ألغيت الضرائب يمكن للحكومة قيادة البلاد بسلاسة لمدة 30 عاما قادمة.

وقد أوردت التقارير أن ما يقرب من 80 شخصا يسافرون إلى سويسرا كل عام بينهم 25 ألفا يسافرون بصورة متكررة، وأن هؤلاء المسافرين بصورة منتظمة يقومون بذلك لسبب ما.

وفي مقابلة لمؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانغ مع قناة تلفزيونية هندية، أكد أسانغ أن هناك الكثير من الأموال الهندية في مصرف «سويس بنك» أكثر من أي دولة أخرى. وأشار إلى أنه استطاع الوصول إلى بيانات «سويس بنك» بشأن المواطنين الهنود الذين أخفوا أموالا سوداء في المصارف التي تقودها إنجلترا في جميع أنحاء العالم. بيد أنه أبدى غضبه من رد الحكومة الهندية المثير للدهشة على هذه المعلومات التي نقلتها مواقع الإنترنت والتي وصفها بأنها «مثبطة».

ولعل أحدث الأمثلة على الأموال غير المشروعة التي تم تحويلها إلى خارج البلاد، ما تقوم به وكالة التحقيق «مديرية إنفاذ القانون»، التي تحقق في تحويلات مالية بقيمة 8 مليارات دولار أميركي يزعم أنها تضمنت أموال يشتبه في كونها ناتجة عن عمليات غسل أموال لحسن علي خان، وقد أظهرت الأدلة قيامه بإجراء تحويلات مالية بقيمة 24.86 مليار دولار بين عامي 2005 و2006. وهو ما يعتبر كافيا لتمويل مشروع مياه الشرب في الهند الذي يغطي 600.000 قرية في الهند على مدى عشر سنوات قادمة.

وفي محاولة لمنع تهريب الأموال السوداء إلى خارج البلاد، قامت الهند بتوقيع اتفاقية تبادل المعلومات الضريبية مع عشر دول–الباهاماس وبرمودا وجزر فيرجين البريطانية وجزيرة آيل أوف مان وجزيرة كايمان وجزيرة جيرزي البريطانية وسانت كيتس آند نيفس، والأرجنتين وجزر مارشال–حيث يعتقد أن الغالبية العظمى من الأموال السوداء تم تهريبها. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الرسمية، فإن مسؤولي «سويس بنك» قالوا إن أكبر مودعي الأموال السوداء من الأجانب في سويسرا هم الهنود. وقد قامت الحكومة الهندية بمراجعة اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي لتوفير الوسائل الكفيلة للتحقيق في الأموال السوداء في المصارف السويسرية. ويتوقع أن يتم تفعيل هذه المراجعة في يناير (كانون الثاني) 2012، حيث ستسمح للحكومة بسؤال المصارف السويسرية في حال توصلت إلى معلومات محددة بشأن الأموال السوداء المحتملة التي تم تهريبها على سويسرا.

ونتيجة للحرج الذي تعرضت له الحكومة الهندية من خلال المحكمة العليا من ناحية وتزايد الغضب الشعبي ضد الفساد، أعلنت الحكومة الهندية إنشاء لجنة الخبراء للتحقيق في الأموال السوداء، وستقوم اللجنة باستحداث طريقة تحاول سد الثغرات التي يمكن من خلالها تهريب الأموال السوداء. ومن المتوقع أن يتم ذلك عبر اتخاذ تدابير معينة مثل الإعلان عن الثروة التي تم جمعها بصورة غير قانونية كأصل قومي وسن وتعديل قوانين تسمح بمصادرة واستعادة مثل هذه الأصول ومعاقبة مثل هؤلاء المعتدين.

وقال مسؤولو الدخل إن الإجراءات الجديدة التي تمت دراستها يمكنها التحقق من مصادر الأموال دون إثارة ذعر المستثمرين الأصليين.

كما قامت الحكومة أيضا بتمويل دراسة لتقييم كمية الأموال السوداء الموجودة داخل البلاد والخارج. وتم سؤال ثلاثة معاهد كبرى للتمويل العام والسياسة والمعهد القومي للإدارة المالية والمجلس القومي للأبحاث الاقتصادية التطبيقية خلال فترة 18 شهرا.

وتقول المصادر إن جزيرة موريشيوس، أكبر محطة يتم من خلالها نقل الأموال إلى الهند في صورة تدفقات استثمارات أجنبية مباشرة باستثمارات جمعية تصل إلى 34 مليار دولار أو 44 في المائة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.

وقد حاولت الحكومة الهندية استعادة الأموال السوداء عبر خطط العفو. وكان آخر هذه الخطط التي أعلنت عنها الحكومة، خطة الكشف الاختياري عن الدخل التي أعلن عنها في عام 1997 والتي لم تتمكن فقط سوى من جمع ملياري دولار.