الإصلاح المالي الأميركي يغرق في مستنقع التفاصيل والمعارضات

بعد قرابة عام من تصديق الكونغرس على إدخال تغييرات مالية بالقطاع المصرفي

TT

بعد قرابة عام من تصديق الكونغرس الأميركي على إدخال تغييرات مالية على القطاع المصرفي، ما زال هناك أكثر من أربع وعشرين قاعدة تشريعية لم يتم وضعها موضع التنفيذ بعد، فضلا عن أن الجدل الدائر حول تفاصيلها يبدو أنه لم ينته إلى الآن.

وتأتي التأخيرات نتيجة لمد المشرعين فترات تلقي تعليقات الجمهور على القواعد الموضوعة، وكذلك لأن البعض في «وول ستريت» و«الكونغرس» يعارض التغييرات المطروحة. وربما تتمثل إحدى النتائج في أن كثيرا من الإجراءات الوقائية الجديدة لن يتم أخذها على محمل الجد قبل الانتخابات المقبلة، وهي نتيجة يمكن أن تفتح الباب أمام المسؤولين المنتخبين حديثا للتراجع عن تنفيذ الإصلاحات.

ويحكم القواعد قانون «دود فرانك» لتنظيم القطاع المالي، التي تتنوع بدءا من وضع ضوابط على التعويض التنفيذي المضاف إلى الشروط الخاصة بحماية عملاء البنوك، إلى مزيد من الشفافية في تداول المشتقات، تلك الأدوات المالية المعقدة التي أسهمت في حدوث الكارثة المالية في 2008.

وحتى الآن، لم يتم الوفاء بـ28 موعدا نهائيا خاصين باتخاذ القرارات المتعلقة بالإصلاحات المالية، بحسب «ديفيس بولك»، مكتب المحاماة الذي يتابع تنفيذ القواعد. ويشير المكتب إلى أنه من بين القواعد الجديدة البالغ عددها 385 قاعدة المفترض سنها، لم ينته المشرعون سوى من سن 24 قاعدة فقط، وكان من المفترض الآن أن يكونوا قد سنوا 41 قاعدة.

قال مايكل غرينبرغر، أستاذ القانون بجامعة ميريلاند ومسؤول سابق بهيئة تداول السلع الآجلة المسؤولة عن سن حزم من القواعد: «ربما يكون الاختلاف بين ثمانية أو تسعة أشهر و24 شهرا صادما».

وتمتد العقبات وصور المقاومة عبر العديد من أنواع القواعد الجديدة، ومن بينها القواعد التي تقيد رسوم بطاقة الخصم التي يمكن أن تفرضها البنوك على البائعين بالتجزئة وإلزام المصارف بالإبقاء على قدر أكبر من المخاطرة في قروض إسكانية معينة.

غير أن الجهود كانت واضحة على وجه الخصوص في جلسة استماع عقدت في واشنطن الشهر الماضي حول المشتقات. ويرى بعض من أقوى اللاعبين في سوق المشتقات، التي تخضع لرقابة مشددة من جانب مجموعة محدودة من البنوك، أن الحكومة يجب أن تسمح بإبطاء سرعة التغييرات من أجل إعادة صياغة عقود المشتقات.

ويوم الاثنين الماضي، تحدث وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر، عن قواعد قانون «دود فرانك» في خطاب له في أتلانتا، محذرا من أنه كانت هناك محاولات من قبل مجموعات تعارض الإصلاح من أجل حرمان المشرعين من الموارد التي يحتاجونها لوضع قواعد جديدة موضع التنفيذ.

قال غيثنر: «من يدعمون مثل هذه المحاولات الرامية إلى احتجاز الموارد وتعطيل مواعيد تنفيذ القواعد من داخل المجتمع المالي الأميركي، يسعون إلى التأثير على القواعد التي لم يتم الانتهاء من صياغتها بعد».

وركز غيثنر بشكل خاص على صياغة القواعد الخاصة بالمشتقات، حيث شكت بعض المجموعات المالية من أن القواعد الأوروبية ربما تختلف عن القواعد الجديدة في الولايات المتحدة. وذكر أنه قد أمل في أن يضع المشرعون في أوروبا وآسيا قواعد قياسية موحدة لمنع حدوث «سباق نحو القاع».

ويقول مشرعون في الولايات المتحدة يشرفون على العملية إنه من الصعب التمييز بين المخاوف الحقيقية للمسؤولين الإداريين الماليين وجماعات الضغط المؤثرة عليهم، وبين تلك المخاوف المبالغ فيها.

«بالنسبة لنا، الأمر يتعلق باكتشاف الاهتمامات المشروعة للناس، الذين يقول لسان حالهم: (انتظر لحظة وهدئ سرعتك)، لأنهم يرغبون في واقع الأمر في تنفيذ هذه القرارات على النحو الصحيح، في حين أن لدى البعض منهم بالفعل دافعا خفيا لمجرد إضاعة الوقت»، هذا ما قاله بارت تشيلتون، أحد المفوضين الثلاثة من الحزب الديمقراطي بهيئة تداول السلع الآجلة، التي تشرف على معظم عمليات صياغة القواعد الخاصة بالمشتقات. وأضاف: «العملية تسير ببطء شديد أكثر مما تخيلت».

وترى الشركات المالية أن المشاورات الأبطأ ربما تقود إلى نتائج أفضل. ويتفق بعض المشرعين مع هذا الرأي، في حين صوت البعض في الأسابيع الأخيرة في لجان تابعة للكونغرس على تأجيل تطبيق قواعد المشتقات لمدة عام على الأقل. وكان من المنتظر أن يتم تطبيق العديد من تلك القواعد في شهر يوليو (تموز) الحالي الذي يوافق الذكرى السنوية لصدور قانون «دود فرانك».

وقد انهالت على المشرعين تعليقات الجماهير، كما طلب منهم تخصيص المزيد من الأموال والموظفين لتلبية الاحتياجات. وفي أبريل (نيسان) الماضي، قامت هيئة تداول السلع الآجلة بمد جميع فترات تلقي التعليقات على القواعد الخاصة بالمشتقات لمدة شهر.

وقالت مارغريت تاهيار، شريك في مكتب «ديفيس بولك»، الذي يمثل المؤسسات المالية: «الآن، ثمة هدنة ضمنية بشأن المواعيد النهائية المحددة. ففي حقيقة الأمر، الإجراء المناسب هو تخصيص قدر أكبر من الوقت لمثل هذا الأمر. ولم يتخذ مثل هذا الإجراء من قبل على الإطلاق في ما يتعلق بسن القواعد».

ربما تكون المخاطر أعلى بالنسبة للمصارف الكبرى منها في ما يتعلق بالمشتقات، التي توفر ضمانات ضد العديد من المخاطر المختلفة التي تكتنف الاقتصاد. وتركز بعض قواعد قانون «دود فرانك» على زيادة التأمين والشفافية في هذه السوق التي يقدر حجمها بقيمة 600 تريليون دولار. على سبيل المثال، يرتبط العديد منها بغرف مقاصة، التي توفر مستودعا ماليا مركزيا يدعم تلك المراهنات. وتهدد بعض التغييرات بتقليل هوامش الأرباح الضخمة للبنوك.

وفي اجتماع المائدة المستديرة الذي عقد لمناقشة موضوع المشتقات في مايو (أيار) الماضي، طلب المصرفيون وغيرهم من ممثلي الشركات المالية فترات طويلة لتنفيذ القواعد الخاصة بتداول المشتقات. فمثلا، قال أثاناسيوس ديبلاس من بنك «دويتش بنك» إن البنك سيحتاج فترة تتراوح ما بين 18 إلى 24 شهرا «فقط لبدء توقيع المستندات» في ما يتعلق بالقواعد الجديدة بسبب أمور ذات صلة بـ«اتساع النطاق»، وفقا لوثيقة من الاجتماع.

وقال: «حتى إذا كنت تفكر في الأمر على أساس معدلات إنتاجية الفرد في ساعة أو معدلات إنتاجية الفرد في أسبوع أو غير ذلك، فبإمكان محام أن يضع 100 قاعدة من هذه القواعد في أسبوع، الأمر الذي يمثل درجة عالية من النشاط؛ فنحن نتحدث عن إنتاجية 800 شخص في أسبوع».

أتى ستيفن أوكونور، مسؤول من بنك «مورغان ستانلي»، بتقدير أكثر تطويلا، مشيرا إلى أن عملاءه يقولون إن عملية إعادة التفاوض بشأن العقود ربما تتطلب يوما كاملا وربما يعادل هذا جهد 100 شخص في السنة.

وذكر مارتين شافيز، مصرفي من «غولدمان ساكس»، أن المستندات الخاصة بتقييم المشتقات مثلت «مشكلة محيرة يمكن أن تتناولها مؤلفات تملأ مكتبات كاملة، مع رسالة دكتوراه مملة جدا عن ذلك الموضوع».

قال أحد الأعضاء المشاركين سريعا في رده بأن المصرفيين كانوا يحاولون تأجيل تنفيذ القواعد الموضوعة. واندفع جيمس كولي، المدير التنفيذي الذي يدير عملية تداول إلكترونية تحمل اسم «جافيلين كابيتال ماركتس» قائلا: «نحن لا نعتقد أننا نفعل شيئا عجيبا في ما يتعلق بالتوثيق».

ولم تسمح بنوك «دويتش بنك» و«مورغان ستانلي» و«غولدمان ساكس» بإجراء مقابلات مع هؤلاء المصرفيين. وحضر اثنان من مفوضي هيئة السلع، وهما سكوت أوماليا، المفوض من الحزب الجمهوري، وغاري غينسلر، المفوض من الحزب ديمقراطي، اجتماع المائدة المستديرة، وكان غينسلر يسارع فجأة من حين لآخر بطرح تساؤلات. بعد ذلك، قال أوماليا إنه لا يتفق مع النقاد الذين يزعمون أن «هذه وسيلة لتأجيل تفعيل القواعد». وقال في خطاب بمؤسسة التراث: «لقد أوضح أعضاء اللجنة أنهم يحتاجون لأشهر وليس لسنوات من أجل وضع القواعد موضع التنفيذ».

وأشار أوماليا إلى فترة تلقي التعليقات التي مدتها الوكالة على أنها «توقف طبيعي». وذكر غينسلر في لقاء معه أن مد فترة تلقي التعليقات كان خطوة جيدة، لكن «الرأي العام الأميركي لن يكون محميا إلى أن يتبلور الشكل النهائي لهذه القواعد».

وتتمثل إحدى الوسائل التي تستطيع البنوك بواسطتها تأجيل التقدم في هذه العملية في مساومة الجمعيات الصناعية على إدخال تعديلات بسيطة في صيغة الاتفاقات القانونية. وقد بدأت البنوك مؤخرا تدخل في نزاع مع كبار العملاء، أمثال صناديق التحوط، خلال المناقشات حول الأوراق الجديدة المطلوبة للتعامل مع حالات رفض التداول؛ مواقف لا تنجح فيها عمليات تداول المشتقات بسبب مشكلات تمويل العملاء. وفي أواخر الشهر الماضي، كان من المفترض أن يستضيف بنك «جي بي مورغان تشيس» اجتماعا لمناقشة الأمر، غير أن محامي البنوك الكبرى قاموا بتأجيل هذا الاجتماع في آخر لحظة. ويقول كبار العملاء إن البنوك صاغت الوثائق بصور تنم عن تحيز لكبرى البنوك، نظرا لأن ذلك سيزيد من صعوبة استعانة العملاء بعدد كبير من البنوك في إجراء عمليات التداول.

وتعتبر قضية تحديد ما إذا كانت الوثائق أو القواعد الجديدة تمنح فوائد لمجموعة محدودة من البنوك، وثيقة الصلة على وجه الخصوص، نظرا لأن وزارة العدل والمفوضية الأوروبية كانتا تجريان تحقيقات في هذه السوق للوقوف على أية ممارسات تنتهك قانون مكافحة الاحتكار.

*خدمة « نيويورك تايمز»