عندما ترفض المصارف منح قروض.. صناديق التحوط تملأ الفراغ

الأزمة المالية تعيد تشكيل خارطة الإقراض

TT

تم إطلاق عدة أسماء على مديري صناديق التحوط، وأضيف إليها حاليا اسم جديد هو مصرف محلي. عندما تم رفض طلب القرض الذي قدمته العام الماضي شركة «رينتيك»، التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة في لوس أنجليس، للمصرف الذي تتعامل معه منذ فترة طويلة، اتجهت إلى صندوق تحوط لتحصل منه على قرض. وقال هانت رامسبوتوم، الرئيس التنفيذي لشركة «رينتيك»، التي اقترضت حتى الآن 100 مليون دولار بهذه الطريقة غير الاعتيادية: «عليك أن تأخذ ما هو متاح أمامك». ومع تجنب جهات الإقراض التقليدية منح قروض تتضمن مخاطرة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، بدأت صناديق التحوط والمستثمرون الانتهازيون الآخرون يملأون هذا الفراغ. ويسعى هؤلاء إلى منح قروض لمؤسسات متوسطة الحجم لا تستطيع تحقيق أرباح بسهولة في أسواق السندات مثل المؤسسات الكبرى. ويمثل هذا الدعم أهمية كبيرة في فترة التعافي التي تتسم بارتفاع معدلات البطالة والنمو الضعيف. وتقترض هذه الشركات متوسطة الحجم، التي تحقق أرباحا سنوية قدرها 6 تريليونات دولار ويعمل لديها 32 مليونا في الولايات المتحدة، ملايين الدولارات من صناديق التحوط لتطوير إنتاجها وتمويل عمليات استحواذها الاستراتيجية وحتى العمليات اليومية، مثل دفع الأجور ورسوم المرافق. لكن تمثل قوة الإقراض خطورة كبيرة على الشركات والاقتصاد في إطاره الأشمل بسبب افتقار نظام الظل المصرفي للتنظيم. ويحدد هؤلاء المقرضون، الذين يمثلون الملجأ الأخير للمقترضين أسعار فائدة أعلى بكثير من التي تحددها المصارف؛ لذا يجد المقترضون أنفسهم محملين بعبء الديون بسبب القروض ذات أسعار الفائدة الربوية، وربما يصل الأمر إلى حد الإفلاس. واقترضت شركة «رينتيك»، خلال العام الماضي، من مجموعة من صناديق التحوط التي تديرها مؤسسة «هاي بريدج كابيتال مانجمنت» ومصرف «غولدمان ساكس» بسعر فائدة 12.5%.

وأوضح رامسبوتوم قائلا: «من جانب، تعتبر تكلفة الاقتراض أعلى من التي اعتادت عليها تلك الشركات. أما على الجانب الآخر، في حالة عدم توافر المال، فستكون التكاليف بلا حدود».

يثير نشاط الإقراض مخاوف من انتقال أعمال المضاربة، مثل التي كانت من أسباب الأزمة المالية، من نطاق المصارف إلى نطاق المؤسسات التي لا توجد لوائح كافية منظمة لها، والتي تدير الأمور بحسب قواعدها. وبينما يتجه صناع القرار نحو زيادة رأس المال والمعايير الأخرى في المصارف للحيلولة دون وقوع كارثة أخرى، لن تخضع صناديق التحوط، وما شابهها من مؤسسات، إلى مثل هذه الرقابة. وإذا تراكمت الديون على الشركات وانهارت السوق مرة أخرى، قد ينهار نظام الظل المصرفي ويهدد الاقتصاد ككل.

وقال ديبارشي ناندي، الأستاذ في كلية الأعمال بجامعة يورك، في تورونتو: «تقدم هذه المؤسسات خدمة لجزء من السوق لا يستطيع الحصول على قروض من المصارف. السؤال الأهم هو: هل نستفيد من هذا؟».

وتعتبر صناديق التحوط شريان الحياة لشركة «رينتيك»؛ حيث تأمل الشركة تشييد مصنع على بعد 60 ميلا شرق لوس أنجليس لتحويل الحشائش التي يتم جزها من حدائق المنازل إلى وقود يكفي 75 ألف سيارة. إذا نجح هذا المشروع، سوف يكون أول نجاح تجاري تحققه الشركة منذ تأسيسها منذ 30 عاما. ويمثل منح الشركة التي لم تحقق أرباحا كبيرة منذ عقود قروضا مخاطرة بالنسبة لجهات الإقراض التقليدية. بينما من السهل على الشركات الكبرى ذات الموازنات الجيدة والوضع المالي الجيد الدخول إلى أسواق السندات بسهولة أو الاقتراض من المصارف، ليس أمام الشركات الأصغر الكثير من الخيارات. لا تستطيع الشركات متوسطة الحجم التي تتراوح أرباحها بين 25 مليونا ومليار دولار بيع سندات. ولم تتعافَ بعدُ مصادر التمويل الرئيسية لهذه الشركات، وهي جهات الإقراض المتخصصة مثل «سي آي تي غروب» والمصارف المحلية. انخفضت العام الماضي سندات الدين في هذا القطاع من 35 مليار دولار عام 2005 إلى 12 مليار دولار بحسب وحدة «ليفيريدج كومينتري أند داتا» التابعة لـ«ستاندر أند بورز».

على الجانب الآخر، لدى صناديق التحوط والمستثمرين الآخرين رأسمال ضخم. وأنشأت مؤسسة «هاي بريدج» التابعة لمصرف «جي بي مورغان تشيس»، العام الماضي، صندوق تحوط برأسمال 1.6 مليار دولار لإقراض الشركات متوسطة الحجم. وأنشأت شركة «بلاك ستون غروب» للاستثمار المباشر صندوق تحوط رأسماله 3 مليارات دولار. وحتى شركة «فرانت بوينت»، التي أعاقها تحقيق داخلي، أنشأت صندوق تحوط بقيمة مليار دولار، وتعتزم مضاعفة هذا المبلغ، بحسب أحد المصادر المطلعة.

لكن ما يثير القلق هو بحث صناديق التحوط عن أرباح سريعة، لا فرص على المدى الطويل، وبالتالي سوف تهرب في وقت الخطر. لقد رأى عدد من مديري المحافظ المالية الذين اقتحموا مجال الإقراض بعد انهيار مصرف «ليمان براذرز» عام 2008، قروضهم تتبخر. ومنذ ذلك الحين اختفى اللاعبون المغامرون في الشركات، خاصة الصغيرة منها.

وقال ماكس هولمز، مؤسس صندوق التحوط «بلين فيلد أسيت مانجمنت»، الذي كان يركز على الإقراض ويبلغ رأسماله 5 مليارات دولار ويتجه حاليا نحو الإغلاق: «ستتعلم صناديق التحوط الجديدة التي تندفع نحو الإقراض المباشر بالطريقة الصعبة أنه من السهل منح قروض تبدو آمنة ولا مخاطرة فيها مع تحسن الوضع الاقتصادي، لكن تكمن الصعوبة إما في تحصيل هذه الأموال وإما الحجز على الممتلكات عندما يحدث انكماش اقتصادي».

ويقول اللاعبون الحاليون، على عكس اللاعبين السابقين، إنهم يعملون مثل المصارف؛ حيث يركزون على عمليات إقراض تتم على عدة سنوات مدعومة بضمانات ورأسمال كبيرة. وأوضحوا كذلك أنهم يعلقون أموال المستثمرين بشكل سنوي بدلا من ربع سنوي. ويمكن لهذا أن يخفف الضغوط على المدى القصير. وقال روب لاد، من مؤسسة «دي إي شو»، التي تدير استراتيجيات إقراض حجمها 1.7 مليار دولار: قضى ستيفن تشيك أسابيع من «فرانت بوينت» في فحص وضع شركة «إيميرالد بيرفورمانس ماتيريالز» والوضع المالي لشركة الكيماويات، وزار الكثير من المصانع وقابل مسؤولين تنفيذيين منحه كل منهم الثقة في منح الشركة القرض.

استخدمت شركة «إيميرالد» القرض في شراء إحدى الشركات الأوروبية المنافسة. وقال كانديس واغنر، رئيس الشركة: «تم التفكير في كل مصادر التمويل الممكنة». لكن الشركة «فضلت صندوق (فرانت بوينت) لمرونته والثقة فيه».

لم يشعر بعض الذين اقترضوا من صناديق تحوط بالرضا عن التجربة؛ حيث تمتلئ تلك الصناديق بمانحي القروض قصيرة الأجل، الذين يفرضون أسعار فائدة ربوية. وواجه صندوق «بلين فيلد» اتهامات بممارسة عمليات إقراض عدوانية في دعاوى قضائية مدنية وفحصت السلطات المحلية والفيدرالية ممارسات الصندوق. وصرح الصندوق بأنه ربح كل تلك الدعاوى القضائية أو توصل إلى تسوية فيها وتم إغلاق التحقيقات دون اتخاذ أي إجراء ضده.

وزعم مقرضو شركة «رادنور هولدينغز»، التي تعمل في مجال إنتاج الأكواب التي يمكن التخلص منها بعد الاستخدام، والتي تخلفت عن سداد قرض تقترب قيمته من 100 مليون دولار، أن صندوق «تينينبوم كابيتال بارتنرز» حدد أسعار فائدة مرتفعة بشكل مبالغ فيه في إطار خطة للاستحواذ عليها واستراتيجية يطلق عليها اسم «منح قرض من أجل الاستحواذ». وبعد معركة قانونية طويلة، استحوذ الصندوق على الشركة عام 2006 وغير اسمها لتصبح «وين كاب».

ورفض الصندوق التعليق على الأمر.

من بواعث القلق الأخرى احتمال متاجرة صناديق التحوط بالمعلومات الخاصة التي يحصلون عليها بصفتهم جهات مانحة للقروض. وقد اكتشفت دراسة نشرت في مجلة «جورنال أوف فاينانشيال إيكونوميكس» في مارس (آذار) الماضي زيادة عدد المستثمرين الذين يراهنون على أسهم الشركات التي تحصل على قروض من صناديق التحوط. ولا تواجه الشركات التي تحصل على قروض من مصارف مثل هذه الممارسات، بحسب مؤلفي الدراسة ومنهم الأستاذ ناندي.

مع ذلك تفوق مزايا صناديق التحوط مخاطرها بالنسبة إلى هانت رامسبوتوم، رئيس شركة «رينتيك». ففي الوقت الذي يمكن للشركة أن تخسر مصنع الأسمدة الذي يدر أرباحا كثيرة، والذي حصلت على القرض بضمانه، يمكن للشركة الاستمرار في مشروع الطاقة النظيفة. وقال: «سوف يضحي أي صاحب مشروع رائد بأي شيء من أجل الاستمرار في العمل».

* خدمة «نيويورك تايمز»