هل المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي مبررة؟

«داو جونز» أغلق على أقل من 12 ألف نقطة لأول مرة منذ مارس بسببها

TT

دفع المستثمرون القلقون حيال مستقبل النمو الاقتصادي العالمي أسعار الأسهم نحو انخفاض شديد، أول من أمس (الجمعة)، مع إغلاق مؤشر «داو جونز» على مستوى أدنى من 12000 نقطة للمرة الأولى منذ مارس (آذار).

وتثير الضغوط التي تتعرض لها الأسهم قلقا خاصا، نظرا لأنها تنذر بأن واحدة من النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد الأميركي على وشك الأفول. منذ ستة أسابيع فقط، بدأ المعدل الصناعي لـ«داو جونز» مهيأ لتجاوز حاجز 13000 نقطة، حيث أغلق عند مستوى 12810 في 29 أبريل (نيسان)، لكن المؤشر تراجع بمقدار 172.45 نقطة، أو 1.42 في المائة، الجمعة، ليغلق عند مستوى 1195191.

جدير بالذكر أن المؤشر لم ينخفض عن مستوى 12000 منذ 18 مارس، ويتعرض الآن لخسارة للأسبوع السادس على التوالي، وهي أطول فترة انحسار أسبوعية منذ خريف 2002.

من جانبها، قالت كيثي جونز، مسؤولة استراتيجيات الدخل الثابت لدى شركة «تشارلز شواب»: «بوجه عام، واجهنا سلسلة طويلة من البيانات الاقتصادية المثيرة للإحباط، ليس محليا فحسب، وإنما أيضا عالميا إلى حد ما، الأمر الذي ربما بدأ يدفع الناس لتغيير توقعاتهم المستقبلية».

من بين الضغوط التي تسببت في تراجع مؤشر «داو جونز» المخاوف من إمكانية تباطؤ الاقتصاد الصيني القوي المعتمد على التصدير، وتنامي الشعور بأن أوروبا ستعجز عن التوصل لإجماع حول كيفية إنهاء أزمة الديون اليونانية التي أحدثت اضطرابا في الأسواق لأكثر من عام.

داخل الولايات المتحدة، أثارت موجة من المؤشرات الاقتصادية السلبية، خاصة تلك المتعلقة بسوق الوظائف والتصنيع وثقة المستهلكين ومبيعات المنازل، قلق الخبراء الاقتصاديين إزاء إمكانية توقف حركة الاقتصاد نحو استعادة عافيته. وتأججت المخاوف هذا الأسبوع عندما أعلن رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، بن إس برنانكي، أن خطوات الاقتصاد نحو استعادة نشاطه لا تزال متخبطة، لكنه لم يصرح بأن المصرف سيستمر في التدخل في الاقتصاد. كما فتر حماس المستثمرين جراء ظهور مؤشرات توحي بأن مصرف الاحتياطي الفيدرالي سينهي شراءه سندات خزانة أميركية بقيمة 600 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران).

وتسببت المشاحنات السياسية حول رفع سقف الدين الوطني في تفاقم المخاوف. من جهتها، أعلنت شركة «موديز إنفسترز سيرفيس»، الأسبوع الماضي، أنها ربما تقلل من مستوى التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إذا لم يرفع أعضاء الكونغرس الحد الأقصى للدين الوطني «في غضون الأسابيع المقبلة».

وعلق سياران أوكيلي، رئيس شؤون الأسهم لدى شركة «نومورا» داخل الولايات المتحدة، بقوله: «السوق تسيطر عليها حالة من الفزع» بسبب الأنباء الاقتصادية السيئة في الفترة الأخيرة.

ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت الشكوك والمخاوف التي تنتاب المستثمرين والأسواق ستنتهي، أم ستواصل الأسهم هبوطها، وذلك بسبب ضبابية المؤشرات الاقتصادية. إلا أن بيرنارد بومول، الخبير الاقتصادي الأول لدى «إكونوميك غروب أوتلوك»، قال إن الأسواق بدأت تدرك أخيرا حجم السوء الذي وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية.

واستطرد موضحا أن «هذا ليس بأمر يستعصى على الفهم، فمنذ شهر أو شهرين ماضيين، ظن المستثمرون أن الرياح التي تقف في وجه استعادة الاقتصاد عافيته مؤقتة، لكن اتضح الآن أنها ربما تستمر طويلا».

بجانب تراجع «داو جونز»، انخفض مؤشر أسهم «ستاندرد آند بورز» بمقدار 1802 نقطة، ما يعادل 1.4 في المائة، ليصل إلى 127098. وانخفض مؤشر «ناسداك» بمقدار 4114 نقطة، ما يعادل 1.5 في المائة، إلى 264373.

وعلق جيسون دي برايد، مدير شؤون استراتيجيات الاستثمار لدى مؤسسة «غلينميد»، بقوله: «الأسواق بصورة عامة تستجيب لما نعتقد أنه فترة تباطؤ في عجلة الاقتصاد الأميركي والعالمي».

وأضاف: «وما زاد الطين بلة القلق المحيط بما ستسفر عنه أزمة الديون اليونانية».

وأعرب برايد عن اعتقاده بأن الأسواق المالية تمر بفترة يسودها القلق والخوف.

واستطرد موضحا أنه «نمر بفترة من المحتمل أن يأتي التوسع الاقتصادي خلالها بصورة أخف مما كان عليه الحال بالماضي. وفي أي عصر تواجه خلاله فترة تباطؤ كتلك، تبدأ المخاوف من تعرضنا لانتكاسة في التنامي لدى المستثمرين».

وفي الوقت الذي تراجع مؤشر فيه «داو جونز» الآن للجلسة السابعة من بين آخر ثماني جلسات تداول، فإنه لا يزال مرتفعا بقرابة 3 في المائة عن أدنى مستوى إغلاق له هذا العام، الذي بلغ 1161330 في 16 مارس.

وداخل الولايات المتحدة، ارتفعت الأسهم، الخميس، بعد أن أظهرت البيانات التجارية الوطنية تحقيق البلاد أعلى قيمة صادرات، بلغت 175.6 مليار دولار في أبريل. وجاءت هذه المكاسب لتنهي تراجعا للأسهم استمر ستة أيام، وكانت تلك المرة الأولى التي ترتفع الأسهم خلالها في يونيو.

من ناحية أخرى، صرح فيل أورلاندو، كبير واضعي استراتيجيات أسواق الأسهم لدى «فيديرايتد إنسفترز»، بأن التراجع الذي حدث الجمعة ربما يمثل تراجعا عن السباق الذي شهده الخميس لاقتراب نهاية الأسبوع.

وقال: «ربما يكون لمسألة (الجمعة) أهمية، ذلك أن المستثمرين يميلون لتهدئة النشاط قرب عطلة نهاية الأسبوع، بجانب أن قضية منطقة اليورو والديون السيادية لا تزال مشتعلة».

مع تراجع الأسهم، ارتفعت أسعار سندات الخزانة، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى ركوب أمواج المبيعات القوية مؤخرا للسندات قصيرة وطويلة الأمد. يذكر أن سندات الخزانة لعشرة أعوام ارتفعت 32/7، بينما تراجع العائد إلى 2.97 في المائة، من 3 في المائة في نهاية الخميس.

ويرى كيفين إتش غيديز، المدير الإداري التنفيذي ورئيس أسواق رأس المال ثابتة الدخل لدى «مورغان كيغان آند كمباني»، أنه «لا تبدو سوق السندات في وضع صحي، على الرغم من وجود زخم على جانبها بعد صفقة بيع سندات الخزانة الناجحة» هذا الأسبوع.

يذكر أن أسهم الطاقة قادت حركة الانحسار في سوق الأسهم الأوسع، حيث انخفضت بمقدار 1.88 في المائة، بعد ظهور تقارير عن زيادة السعودية إنتاجها النفطي.

وانخفض سعر النفط الخام في نيويورك إلى 2.64 دولار ليغلق عند مستوى 99.29 دولار للبرميل. وتراجع سهم «إكسون موبيل» بنسبة 1.72 في المائة إلى 79.78 دولار. أما سهم «شيفرون»، فانخفض بنسبة 1.54 في المائة إلى 99.67 دولار. وانخفض سهم «شولمبرغر» بنسبة 2.54 في المائة، إلى 83.66 دولار، وكذلك «هاليبرتون» بنسبة 2 في المائة إلى 48 دولارا.

وكانت المواد الاستهلاكية الترفيهية والصناعية من القطاعات التي تراجعت أكثر من 1 في المائة. وانخفضت الأسهم المالية بأكثر من 1 في المائة خلال اليوم، لكنها أغلقت بتراجع بنسبة 0.7 في المائة.

أما أورلاندو فيرى أن الوضع لن يتحسن قريبا، وقال: «لدينا تدفق مستمر من الأنباء الاقتصادية السلبية، وليس هناك في الأفق ما يوحي بأن الحال سيتبدل في المستقبل القريب».

* غراهام باولي أسهم في التقرير خدمة «نيويورك تايمز»