تقرير يوثق تحولا دراماتيكيا في مستوى مهارة العمالة المهاجرة في أميركا

يحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة بالنسبة للجدل الدائر فيها حول الهجرة

TT

تجاوزت أعداد المهاجرين المؤقتين والدائمين أصحاب المهارات المرتفعة داخل الولايات المتحدة حاليا أعداد نظرائهم من أصحاب المهارات المنخفضة، مما يشكل تحولا دراماتيكيا في العمالة المولودة خارج البلاد، ربما يحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة بالنسبة للجدال الوطني الدائر حول الهجرة.

وقد أوجز هذا التحول في العمالة المهاجرة داخل الولايات المتحدة، بناء على بيانات الإحصاء السكاني، تقرير صدر الخميس من «معهد بروكنغز». وخلص التقرير إلى أن 30% من المهاجرين في سن العمل، بغض النظر عن وضعهم القانوني، يحملون، على الأقل، درجة البكالوريوس، بينما يفتقد 28% شهادة الثانوية العامة.

وقد حدث هذا التحول على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وهي فترة شهدت زيادة دراماتيكية في أعداد السكان المولودين خارج الولايات المتحدة. إلا أنه في عام 2007 تجاوزت نسبة العمال مرتفعي المهارة نسبة نظرائهم منخفضي المهارة.

ويعكس هذا التوجه تغيرا جوهريا في هيكل ومطالب الاقتصاد الأميركي، الذي تحول، خلال العقود الماضية، من اقتصاد يقوده قطاع التصنيع إلى اقتصاد يقوده قطاع المعلومات والتكنولوجيا. كما يعرض التقرير منظورا جديدا للخطاب الوطني حول الهجرة، الذي يميل إلى التركيز على العمال منخفضي المهارات الذين يفدون في الغالب على نحو غير شرعي.

عن ذلك، قال بنجامين جونسون، المدير التنفيذي لـ«المجلس الأميركي للهجرة»، وهو منظمة معنية بالهجرة: «كثيرا ما يتحرك النقاش الدائر حول الهجرة بدافع من الصور التلفزيونية لأفراد يقفزون الأسوار. وقد انحصر النقاش حول العمال غير الشرعيين منخفضي المهارات».

من ناحيته، أشار ستيفن كاماروتا، مدير الأبحاث بمركز دراسات الهجرة، وهي منظمة تنادي بفرض قيود أكثر صرامة على الهجرة، إلى أن التقرير يثير مخاوف أخرى. وأضاف: «يبدو، بناء على هذه الدراسة وغيرها، أن لدينا عرضا زائدا في العمال المهرة يتدفق إلى داخل البلاد»، مؤكدا أن نتائج الدراسة لا تثير الدهشة. وأوضح أن «حديثي التخرج في الجامعات يتسمون بأداء ضعيف للغاية داخل سوق العمل، وما يخبرنا به هذا التقرير أننا نجلب إلى البلاد أعدادا كبيرة من العمال لمنافستهم».

تعتمد الدراسة على نتائج مسح للمجتمع الأميركي أُجري عام 2009 من قبل مكتب الإحصاء السكاني، إضافة إلى بيانات من تقارير المسح السكاني التي أجراها المكتب يعود تاريخها لعام 1980.

مع ارتفاع أعداد المهاجرين في سن العمل داخل الولايات المتحدة، من 14.6 مليون عام 1994 إلى 29.7 مليون عام 2010، ارتفعت أعداد العاملين المهرة وغير المهرة، لكن الملاحظ أن أعداد المهرة منهم ارتفعت بمعدل أسرع، طبقا لما كشف عنه التقرير. ومن بين الأسباب وراء ذلك: ارتفاع أعداد الطلاب الدوليين وحاملي فيزات «H - 1B» المؤقتة مؤخرا، التي عادة ما تكون درجة البكالوريوس شرطا للحصول عليها، حسبما أفاد التقرير.

وقد تزايدت وتيرة التحول في العقد الماضي؛ حيث شكل حاملو الشهادات الجامعية قرابة ثلث الوافدين حديثا إلى البلاد خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حسبما ذكر التقرير.

وخلص التقرير إلى أن مستويات مهارات المهاجرين تنوعت في المناطق الجغرافية المختلفة، مع اجتذاب المدن الساحلية والمناطق الحضرية العريقة أعدادا أكبر من العمال المهرة، بينما تجتذب المناطق الواقعة قرب الحدود مع المكسيك أعدادا أكبر من العاملين المهاجرين غير المهرة.

ويميل العاملون الوافدون من المكسيك وأميركا الوسطى لأن يكونوا أقل مهارة، بينما تضخ الهند والصين والفلبين أعدادا أكبر من العاملين مرتفعي المهارات عن الآخرين منخفضي المهارات، تبعا لما ذكرته أودري سينغر، زميلة «معهد بروكنغز» التي شاركت في كتابة التقرير.

بجامعاتها ووكالاتها الدولية ومستشفياتها وشركاتها التقنية، تعتبر منطقة واشنطن الحضرية واحدة من كبريات مناطق الجذب للمهاجرين المتعلمين؛ حيث تضم 189 عاملا مهاجرا مرتفع المهارة مقابل كل 100 عامل مهاجر منخفض المهارة، طبقا لما توضحه الدراسة.

وقالت سينغر: «واشنطن العاصمة شديدة التنوع من حيث مستوى المهارات الذي تجتذبه والمناطق التي يفدون منها».

من بين مناطق التركيز الأخرى للمهاجرين الجامعيين: سان جوز وسياتل. وتوصلت الدراسة، أيضا، إلى أن نصف المهاجرين المهرة داخل الولايات المتحدة يعملون بوظائف يملكون مهارات أعلى منها.

وقال ماثيو هول، بروفسور علم الاجتماع بجامعة إلينوي، الذي شارك في وضع التقرير: «شهادات التعليم واللغة من كبريات العقبات أمامهم».

يُذكر أن كثيرا من المهاجرين يكتشفون أن شهاداتهم ودرجاتهم العلمية غير معترف بها داخل الولايات المتحدة.

مثلا، تدربت لوما غالب، 42 عاما، بمجال الطب في بلدها الأصلي، العراق، ثم سافرت إلى نيوزيلندا لتلقي مزيد من التدريب. وعندما انتقلت إلى الولايات المتحدة منذ عقد مضى، اضطرت لبدء مشوار التعليم الطبي من الصفر. وعن ذلك قالت: «عندما تفد إلى هنا تعلم أن الطريق لن يكون يسيرا»، مضيفة أنها قضت سنوات عدَّة في إعادة سنوات تعليمها الطبي وإعادة خوض امتحانات داخل الولايات المتحدة قبل أن تتخصص بمجال الغدد الصماء، إلا أنها أكدت أنها لم تندم على سنوات الدراسة الخمس الإضافية التي خاضتها والتي سمحت لها بالعيش والعمل هنا كطبيبة. وقالت: «هذه بلاد عادلة، على خلاف الحال مع كثير من الدول. إذا كنت شخصا مجدا، تحصل على ما تبغيه».

وربما يقول بعض أصحاب الأعمال إنهم يفضلون العمال المهاجرين على أبناء البلاد. عندما احتاج سمير كومار، 39 عاما، للاستعانة بموظفين لشركته في نورثرن فيرجينيا، غالبا ما تركزت جهوده في البحث خارج البلاد، ووجد أن العمال القادمين من الهند وأوكرانيا يملكون التدريب اللازم، ويحملون سقفا أقل للتوقعات. وقال: «إنهم لا يطالبون برواتب مرتفعة، فتوقعاتهم بسيطة ولا يثيرون كثيرا من الجلبة حولهم»، مضيفا أن المحللين بالمجالين التقني والمالي من الأميركيين من الصعب الوصول إليهم ومن الصعب الاحتفاظ بهم في العمل، بينما يملك المهاجرون المهارات نفسها ومن الأسهل إدارتهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»