قطع غيار لقطع الغيار

سعود الأحمد

TT

لو نظرنا إلى تكاليف أعمال الصيانة المنزلية (سباكة وكهرباء) في الدول الخليجية (خاصة) وفي معظم دول العالم، لوجدناها في تزايد مستمر.. بفعل عوامل تصاعد النمو السكاني وتزايد وتباين مستويات نوعيات وجودة السلع المعروضة في الأسواق العالمية، في ظل غياب المعايير والمقاييس التي ترشد المستهلك وتضمن له التفريق بين السلع ذات الجودة العالية والأخرى المتدنية. واللافت للنظر أن هناك خلطا في ثقافة مجتمعاتنا المستهلكة، بين إصلاح قطع الغيار التي تتلف أو تتعطل في الأجهزة والمستلزمات (الكهربائية ومستلزمات السباكة وغيرها)، وبين استبدال قطع أخرى جديدة بهذه القطع!.. وهذا المفهوم يختلف لدى المجتمعات الحرفية مثل دول شرق آسيا كالهند وباكستان والفلبين وبنغلاديش، حيث يتم تفكيك القطع المتعطلة إلى أجزاء والبحث بداخلها عن الجزء التالف منها، ويتم إصلاحه (إذا أمكن) أو استبدال جزء جديد به.. وبطبيعية الحال تتم هذه العملية بتكلفة لا تقارن بتكلفة استبدال قطعة كاملة. والحالة تنطبق بمبالغة أضخم على قطع غيار السيارات والمعدات الزراعية وجميع المعدات الثقيلة والخفيفة التي نستخدمها في قطاع الأعمال وفي حياتنا اليومية الخاصة. ولا نغفل قطع غيار لعب الأطفال.. فنحن نشتري بعض الأجهزة لغرض تسلية أبنائنا بمبالغ تكون (أحيانا) كبيرة، وعندما تتعطل فإننا لا نلتفت لصيانتها (خصوصا) إذا علمنا أن الصيانة تكلف مبالغ تقارب قيمة هذه الأجهزة جديدة!.. والسبب وراء ذلك أننا لا نصلح الأجزاء التالفة بل نستبدل الأجهزة كاملة. والحال نفسه ينطبق على المعدات الطبية والأجهزة الرياضية وأجهزة الحاسبات الآلية.. وغيرها من المستلزمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية. وقد يقول قائل إن مبالغ هذه المواد تكون في العادة بسيطة.. لكن الحقيقة أن هذا الرأي هو أحد أهم أسباب عدم معالجتنا لهذه المشكلة. لأن القيمة المباشرة على الفرد قد لا تكون ذات جدوى، لكن القيم الإجمالية الحقيقية لهذه المواد في مجموعها وتكررها وتكلفتها على الاقتصاد الوطني على المدى الطويل تكون ذات قيمة ضخمة جدا، وكما يقال «القليل من الكثير كثير». والميزة الثانية في عملية تفكيك الأجهزة والمستلزمات، أن تفكيكها يعطي للفنيين فكرة وخبرة لمعرفة ما بداخلها من أجزاء وطبيعة كل جزء ومعرفة مستوى جودة صناعته نقاط الضعف والقوة في كل جهاز وكيفية عمل هذه الأجهزة.. وهو الطريق لتطوير كفاءة أداء هذه الصناعات والخطوة الصحيحة للسير على طريق استيراد وتوطين الصناعة ومحاربة شبح البطالة.

ولذلك فإنني أقترح على وزارة التجارة والصناعة أن تتبنى مشروع إنشاء شركة مساهمة (مغلقة)، كمصنع لصناعة مواد «قطع غيار لقطع الغيار»، بحيث يكون هدفها في البداية استيراد الأجزاء المتكرر استبدالها.. والخطوة التالية صناعة هذه الأجزاء محليا أو خارجيا.. لينحصر دور المصنع في الفك والتركيب، ومن ثم العمل على تطوير صناعة الأجزاء التي يتكرر تلفها.

وحتى ينجح هذا المشروع ويعمل بشكل فاعل، فإنني أقترح أن يكون جميع العاملين فيه من طلبة المدارس الثانوية والجامعية، على أن يكون ذلك بنظام العمل بالساعات. وفي تقديري أننا مهما دفعنا لأبنائنا الطلبة من مكافآت وحوافز مرتفعة لقاء دخولهم في هذا المجال وترغيبهم للدخول فيه، فإن مردوده عليهم وعلى الاقتصاد سيكون كبيرا جدا في الحاضر والمستقبل.

* كاتب ومحلل مالي