مع تباطؤ معدل النمو في الهند.. القادة يواجهون رياحا عكسية تتعلق بقضايا فساد

عليها التعامل مع تحديين متضاربين وهما ارتفاع معدل التضخم والنمو البطيء

تواجه الحكومة الهندية طريقا صعبا لإعادة الاقتصاد إلى طريقه الصحيح (أ.ف.ب)
TT

هناك ضغط متزايد يقع على عاتق الحكومة المركزية الهندية – التي تعصف بها سلسلة من فضائح الفساد العنيفة – والذي يفرض عليها التعامل مع تحديين ربما يبدوان متضاربين وهما ارتفاع معدل التضخم والنمو البطيء.

غير أن أي جهد يهدف للتعامل مع المشكلات الأساسية التي تلم بالاقتصاد الهندي يتجه مباشرة صوب مصالح سياسية قوية.

وصرحت الحكومة الهندية أول من أمس أن معدل التضخم زاد بنسبة 9.1% في 1 مايو (أيار)، مقارنة بالعام السابق، وهو معدل أعلى من المتوقع.

تصدر ذلك بيانات اقتصادية مزعجة تشير إلى أنه قد تباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي في الهند، مع تقليل الشركات نفقاتها وتضاؤل حجم الاستثمارات الأجنبية وتكوم القروض المتعثرة لدى بعض البنوك.

وفي الوقت الذي تظل فيه التوقعات المستقبلية طويلة الأجل للهند قوية، يرى الكثير من الاقتصاديين والمحللين أن الحكومة المركزية الهندية بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لضمان عدم تفاقم المشكلات قصيرة المدى. وفيما يحتمل أن يساعد تباطؤ النمو في كبح جماح التضخم، فليس النقاد على ثقة من أن الحكومة لديها سياسات بارعة تستطيع من خلالها مخاطبة أي مشكلة على النحو الملائم.

تواجه الهند «ثالوثا بغيضا وهو النمو المحدود وارتفاع معدل التضخم والتضييق النقدي»، هذا ما قاله راجيف مالك، اقتصادي رفيع المستوى ببنك الاستثمار «سي إل إس إيه» في سنغافورة. وقال: «من الأهمية بمكان أن تحشد الحكومة جهودها وتبدأ في اتخاذ إجراء ما على الفور».

في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، هبط معدل نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي في الهند إلى نسبة 7.8% – هبوطا عن نسبة 8.3% في الربع الرابع من العام الماضي، وعلى نحو يقل عن توقعات المحللين.

وقد هزت الحكومة المركزية، التي يرأسها رئيس الوزراء مانموهان سينغ، تهم الفساد والتحقيقات في صفقات بمليارات الدولارات أبرمت بين وزراء في الحكومة وشركات من أنواع مختلفة – وأبرزها صفقة شملت منح تراخيص اتصالات لا سلكية. وقد شلت هذه الفضائح عملية اتخاذ القرارات وعرقلت مشروعات التنمية.

وما زالت الهند، ثاني أسرع الاقتصاديات الرئيسية نموا في العالم بعد الصين، تمتلك قوى طويلة الأجل يجب أن تعمل لصالحها.

إن عدد سكان البلاد من الشباب وتنامي الطبقة الوسطى وزيادة الطلب – سواء على الثلاجات والسيارات أو المساكن والطرق السريعة – يعني أن الهند قد تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الصين والولايات المتحدة بحلول عام 2030، حسب ما تنبأ به بنك ستاندرد تشارترد خلال هذا الشهر. ويحتل الاقتصاد الهندي حاليا المرتبة العاشرة على مستوى العالم، وفقا لصندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، هناك موجة من المؤشرات الاقتصادية السلبية في الآونة الأخيرة التي أعدت المشهد لعام غير مستقر. ويمثل التضخم مصدر قلق في معظم الأسواق الناشئة، غير أن النقاد يقولون إن الهفوات والأخطاء السياسية من قبل الحكومة المركزية قد جعلت المشكلة أسوأ في الهند.

ويوم الثلاثاء الماضي، أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة من الديمقراطيات الرائدة في السوق الحرة، تقريرا متفائلا بشكل عام بشأن الآفاق الاقتصادية في الهند، غير أن التقرير قد حذر من أنه ما لم تحدث إصلاحات سياسية أكثر عمقا فسوف تجد البلاد صعوبة في الحفاظ على معدلات النمو المستهدفة.

وقال أنجيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: «إن الانتقال إلى مستوى جديد من النمو يتطلب تجديد زخم الإصلاحات»، ودعا إلى خفض الحواجز أمام التجارة والاستثمار الدوليين، فضلا عن إصلاح القطاع المالي وسوق العمل.

ومع ذلك، فقد تم تطويق كل هذه القضايا في غابة سياسية، وأظهرت الحكومة الحالية استعدادا قليلا حتى لمحاولة إحداث تغييرات. وقد أبرز تقرير منظمة التعاون الاقتصادي إنفاق الهند المنخفض على قطاع الصحة – 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد – وعلى النقيض من ذلك أظهر التقرير إنفاق البلاد الكبير على دعم الغذاء والوقود والأسمدة والكهرباء وهو ما يصل إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتباطأ نمو الاستثمار المحلي في النصف الثاني من السنة المالية التي انتهت في 31 مارس (آذار) إلى 4.1% مقابل 14.7% في بداية العام.

ومما يثير القلق لأي اقتصاد ناشئ، انخفضت الاستثمارات الأجنبية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011 بنسبة 32% بالمقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، حيث وصلت إلى 3.4 مليار دولار.

وفي هذه الأثناء، استشرت الديون السيئة داخل بعض المصارف الحكومية بالهند، ولا سيما داخل أكبرها، بنك الدولة الهندي. وخلال الربع المنتهي في 31 مارس، ضاعف المصرف من كمية الإمدادات للأصول المتعثرة، بالمقارنة مع نسبتها خلال نفس الربع من العام السابق، وذلك بحسب ما ذكرته «إنام للأوراق المالية داخل مومباي».

وتراجعت مبيعات السيارات، وهي من أسرع المؤشرات الاقتصادية نموا داخل الهند، خلال شهر مايو لتصل إلى أقل معدلات لها على مدار عامين، بحسب ما أفادت به جمعية مصنعي السيارات.

وأقر مونتك سينغ أهلواليا، نائب رئيس لجنة التخطيط الهندية، بأن معدل النمو الاقتصادي كان أبطأ من المعدل السنوي المستهدف والذي حدده مسؤولون بـ9 إلى 9.5%.

وقال إن وضع إصلاحات السياسات على الأجندة شيء صعب. وقال إن الوصول إلى معدلات النمو «لن يحدث بصورة تلقائية – حيث هناك حاجة إلى القيام ببعض الأشياء».

وفي هذه الأثناء، ثمة احتمالية بأن يصبح التضخم مشكلة أكبر إذا لم تتحسن الإنتاجية الزراعية، بحسب ما قاله سي رانغاراجان، رئيس مجلس الاستشارات الاقتصادية التابع لرئيس الوزراء.

ويوم الخميس، من المتوقع أن يرفع المصرف الاحتياطي الهندي من معدل الاقتراض للمرة العاشرة منذ 2010 – ليصل إلى 7.5% بالمقارنة مع 7.25% حاليا. وربما تؤدي هذه الخطوة إلى الحد من النمو بدرجة أكبر، ولكن مع أثر ضعيف على معدلات التضخم، بحسب ما يقوله محللون، وذلك بسبب قوة تضخم كبيرة تتضمن مشكلات هيكلية في البنية التحتية وتوزيع الدعم والطعام داخل الهند.

وبصورة عامة، ينظر إلى إعادة النظر في أسعار الفائدة على أنه إجراء قوي، حتى داخل الاقتصادات المنظمة. وداخل الهند، حيث يواجه الاقتصاد تعقيدات متنوعة مثل دعم الوقود ومشكلات البنية التحتية، نجد أن قدرة المصرف المركزي على توخي الدقة محدودة بدرجة أكبر.

ومع ارتفاع أسعار الغذاء بدرجة كبيرة، فشلت الحكومة في إصلاح نظام الدورة الذراعية وهو ما يعني أن 40% من الإنتاج الزراعي في الهند يتعفن قبل أن يصل إلى المستهلك، بحسب الخبراء.

ويشير روهيني مالكاني، الاقتصادي في مؤسسة «سيتي غروب» في مومباي، إلى الحاجة إلى ضرورة إدخال تحسينات على عمليات التخزين والنقل فيقول: «أنت لا تزال بحاجة إلى تطوير النموذج الخاص من المزرعة إلى المائدة». وأشار إلى أنه رغم إشارة الحكومة لهذه المشكلات ومناقشتها إياها فإن التقدم على هذا الصعيد كان محدودا للغاية.

أسهم تقاعس الحكومة المركزية في توزيع المواد الغذائية والبنية التحتية في رفع معدلات التضخم ـ حتى أن الحكومة تفاقم المشكلة عبر سياسات التوزيع الصديقة للفلاح مثل رفع الحد الأدنى لأسعار الطعام والحبوب.

ويقول مالك: «جزء من مشكلة التضخم من صنع الحكومة ذاتها، فالحكومة هي التي وضعت معايير التجارة للاقتصاد الريفي، وهو ما انعكس على الأسعار في المناطق الحضرية».

لكن كواشيكباسو، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى الحكومة، أشار في مقابلة معه يوم الاثنين إلى أن التضخم يمثل مشكلة لكل الدول النامية، وقال: «إذا ما نظرت إلى الاقتصادات الناشئة حول العالم ستجد الأداء الهندي يسير بشكل جيد». وأكد على أن الشكوك بشأن توقعات النمو الهندية تم المبالغة بشأنها.

وقال: «الأمر أشبه كأن لديك وفرة غير منطقية، وأحيانا ما يصيبك تشاؤم غير منطقي. وأعتقد أن النمو على مستوى العام ككل سيكون أقل قليلا مما توقعناه. لكن كل المؤشرات على المدى الطويل مثل الاستثمار والادخار تسير في الاتجاه الصحيح.

* خدمة «نيويورك تايمز»