هل تجر اليونان اليورو إلى هاوية السقوط؟

اليورو في أدنى مستوياته.. والخلافات على أشدها وسط توقعات عجز أثينا عن السداد

TT

هل تجر اليونان الاتحاد الأوروبي إلى هاوية التفكك وسط تصاعد الخلافات بين دول الاتحاد حول إنقاذ اليونان وتوقعات الأسواق أن تتخلف اليونان عن سداد اليونان ومظاهر الاحتجاج الواسعة في اليونان وإسبانيا؟ وفي أكبر مؤشر على تدني الثقة في قدرة دول الاتحاد على تجاوز أزمة الديون تراجع اليورو لأدنى مستوى على الإطلاق مقابل الفرنك السويسري وهبط أمام عملات رئيسية أخرى أمس الخميس مع تهافت المستثمرين على الأصول التي تعتبر ملاذا آمنا في ظل مخاوف من خروج مشكلات ديون اليونان عن السيطرة. وتسارعت عمليات بيع اليورو لتدفعه إلى أقل مستوى في ثلاثة أسابيع أمام الدولار.

وألقت الاحتجاجات العنيفة في أثينا ضد خطة تقشف حكومية الضوء على العقبات السياسية أمام ثاني خطة إنقاذ للبلاد، حيث اضطر رئيس الوزراء جورج باباندريو لإجراء تعديل وزاري لإنقاذ حكومته وسط استقالات من نواب الحزب الحاكم. وأثارت تصريحات نوت ويلينك المسؤول بالبنك المركزي الأوروبي مشاعر سلبية تجاه اليورو بعدما نقلت عنه صحيفة هولندية قوله إنه ينبغي مضاعفة صندوق الإنقاذ الأوروبي إلى مثليه مما أثار تكهنات بأن الأعباء التي تتحملها دول منطقة اليورو لمساعدة اليونان ربما تتزايد. وقال ليوتز كاربوويتز محلل العملات لدى «كومرتس بنك» في فرانكفورت: «هناك اضطراب سياسي في اليونان ولا تبدو الحكومة أكثر استقرارا. تتزايد احتمالات عدم حصول اليونان على حزمة الإنقاذ ويضع ذلك ضغوطا على اليورو». وتراجع اليورو أمام الفرنك السويسري إلى 1.1957 فرنك على منصة التعاملات الإلكترونية «اي بي اس»، مسجلا أدنى مستوى على الإطلاق مقابل العملة السويسرية. ومقابل الدولار هبط اليورو 0.6 في المائة مسجلا أدنى مستوى أثناء الجلسة عند 1.407 دولار، وأقل مستوى منذ أواخر مايو (أيار) الماضي. ودعم تراجع اليورو الدولار أمام سلة من العملات ليدفع مؤشر الدولار للصعود 0.3 في المائة.

وفي باريس دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الخميس الدول الأوروبية إلى «التحلي بالمسؤولية والقيام بالتسويات اللازمة» من أجل حماية اليورو الذي يواجه تهديد الأزمة المالية ودين اليونان. وقال ساركوزي في كلمة عند افتتاح أعمال مجموعة الـ120 (منتدى عالمي للمزارعين): «أدعو الجميع إلى التحلي بالمسؤولية وبالحس الضروري للقيام بالتسويات اللازمة التي بنيت أوروبا على أساسها. علينا حماية عملتنا الواحدة والدفاع عن المؤسسات الأوروبية». وأضاف: «في الأسابيع الماضية نشأ جدل عام حول شكل وليس مضمون الدعم لليونان. وهذا الجدل ليس غير شرعي وأتفهم أن كل واحدة من الدول ومؤسساتنا تريد أن تعبر عن وجهة نظرها». وشدد على أن «ما نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى هو الوحدة. علينا أن نتجاوز خلافاتنا القومية لاستعادة حس المصير المشترك (...). واجبنا جميعا أن نبذل كل الجهود للمحافظة على استقرار منطقة اليورو. لأن نمو كل منا لن يكون ممكننا من دون الاستقرار».

ولم يتوصل وزراء مالية منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مساء الثلاثاء حول خطة مساعدة مالية جديدة لليونان بسبب اختلافات حول المساعدة التي يجب طلبها من المصارف الدائنة لليونان. ومن المقرر أن يلتقي ساركوزي الجمعة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين لمحاولة التقريب بين وجهات النظر الفرنسية والألمانية حول الملف قبل انعقاد المجلس الأوروبي الأسبوع المقبل في بروكسل.

وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية أولي رين أمس الخميس إن الاتحاد الأوروبي سوف يتخذ قرارا بشأن حزمة إنقاذ ثانية لليونان في يوليو (تموز) وليس الأسبوع القادم. لكن لا يزال من المتوقع عقد اجتماع لوزراء مالية دول منطقة اليورو في لوكسمبورغ يومي الأحد والاثنين القادمين للموافقة على منح اليونان قرضا بقيمة 12 مليار يورو (17 مليار دولار)، كجزء من برنامج إنقاذها الحالي البالغ 110 مليارات يورو (159 مليار دولار).

وقال رين في بيان: «إنني واثق أنه بحلول الأحد القادم ستكون مجموعة اليورو قادرة على اتخاذ قرار بشأن دفع الشريحة الخامسة من القروض لليونان مطلع يوليو». وقال المفوض الأوروبي إنه «في السياق ذاته ستبحث مجموعة اليورو يومي الأحد والاثنين (حزمة إنقاذ جديدة لليونان) وطبيعة مشاركة القطاع الخاص في ذلك بهدف عرض المناقشات على الاجتماع القادم للمجموعة في الحادي عشر من يوليو».

وتحتاج اليونان إلى 12 مليار يورو بحلول منتصف يوليو لتجنب العجز عن السداد. ويعتقد بشكل مبدئي أن صندوق النقد الدولي الذي يشارك في حزمة إنقاذ اليونان يشدد على ضرورة وجود اتفاق بشأن حزمة إنقاذ ثانية لليونان قبل الإفراج عن القرض.

ويعتقد أن اليونان في حاجة إلى حزمة الإنقاذ الجديدة التي ستبلغ من 80 إلى 120 مليار يورو من أجل أن تستطيع البلاد الوفاء بالتزاماتها المالية بعد عام 2012، وهو العام الذي ستبدأ فيه حزمة الإنقاذ الحالية في الانتهاء.

وزاد الاضطراب السياسي المتصاعد في اليونان، التي توشك على الإفلاس، أول من أمس الأربعاء من حدة المخاوف من أن تعجز الدولة المتوسطية عن سداد مستحقات المستثمرين، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مرحلة جديدة في أزمة الدين التي تعصف بأوروبا. وأصابت الأسواق العالمية حالة من الذعر عندما حث رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو الواقع في ورطة البرلمان على تمرير مجموعة جديدة من الإجراءات التقشفية تنطوي على مخاطر. وربما يؤدي العجز عن تمرير هذه الإجراءات إلى سحب الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مساعدات الإنقاذ، تاركين اليونان تعاني من ويلات عجز نقدي يجعلها غير قادرة على السداد للدائنين بحلول الشهر المقبل، وهو حدث يحذر بعض الاقتصاديين من احتمالية أن يزعزع استقرار النظام المالي العالمي. وبعد حدوث اشتباكات بين آلاف المتظاهرين ورجال الشرطة على خلفية مناقشة البرلمان الإجراءات المطروحة في أثينا، حاول باباندريو تشكيل حكومة ائتلافية لضمان التصديق على حزمة الإجراءات المقترحة. وفي خطاب وجهه إلى الأمة في وقت متأخر من الليل، صرح بأنه سيجري تعديلات وزارية وطالب بالتصويت بالثقة نهاية هذا الأسبوع، مراهنا على منصبه في محاولة لاستمالة الساسة الأقوياء لتمرير حزمة الإجراءات التقشفية غير المرغوب فيها الأسبوع المقبل.

بث المشهد الرعب في نفوس المستثمرين، ففي الولايات المتحدة هبط مؤشر «داو جونز الصناعي» بنسبة 1.5 في المائة، أي بنحو 179 نقطة، ليسجل11.897.27 نقطة. وشهدت الأسواق بمختلف أنحاء أوروبا هبوطا بنسبة مماثلة يوم الأربعاء، واستمر الهبوط صبيحة الخميس. ومما لا شك فيه أن الوضع السياسي في اليونان يلعب دورا في تعميق المخاوف من أن تشكل الدولة المتوسطية خطرا أكبر يهدد التعافي الاقتصادي الذي بدأ يحدث في أوروبا والولايات المتحدة. وقد قارن بعض الخبراء خطر العجز عن سداد الديون الذي تواجهه اليونان بإفلاس بنك «ليمان براذرس» في سبتمبر (أيلول) 2008، مشيرين إلى أنه يمكن أن يؤدي إلى موجة من إفلاسات البنوك في أنحاء العالم. وربما تجبر هذه المخاطر الكبرى الأوروبيين على الاستمرار في مد يد العون لليونان وتشكل عامل ضغط على قادة الاتحاد الأوروبي لإنهاء أسابيع من الجدال حول كيفية الاستمرار في دعم أثينا وما إذا كان سيستمر هذا الدعم بالأساس أم لا.

وقال البنك المركزي الأوروبي يوم الأربعاء إن المخاطر المرتبطة بارتفاع مستويات الدين الحكومي باتت الآن «أكثر القضايا الملحة» بالنسبة لأوروبا، وإن الجهود التي استمرت لمدة عام من أجل التخفيف من حدة الأزمة «كانت تشوبها بعض نقاط الضعف الواضحة». وبينما حاول مسؤولون أوروبيون احتواء الأزمة بمنح مساعدات إنقاذ لثلاث دول صغيرة متعثرة ماليا - اليونان وآيرلندا والبرتغال - يخشى المستثمرون من احتمال أن يأتي الدور بعد ذلك على دول أكبر مثقلة بكم هائل من الديون مثل إسبانيا وإيطاليا. وربما تحول درجة انحدار اقتصادياتها دون أن يتمكن الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي من منحها مساعدات إنقاذ كافية.

وتقدر بعض وكالات التصنيف الآن احتمالية حدوث خطر عجز اليونان عن سداد ديونها بنسبة 50 في المائة. وربما تتدرج الجهود عبر النظام المالي العالمي، ولا سيما في أوروبا، حيث تمتلك البنوك البارزة محافظ سندات حكومية ضخمة من اليونان وغيرها من الدول الأخرى المتعثرة ماليا في المنطقة. وتأكيدا على تلك النقطة ذكرت وكالة «موديز» لخدمات المستثمرين يوم الثلاثاء أنها ربما تخفض التصنيف الائتماني للكثير من البنوك الفرنسية البارزة بسبب ما تملكه من سندات حكومية يونانية واستثمارات أخرى في الاقتصاد اليوناني.

ويحتمل أن يؤثر عجز اليونان عن سداد ديونها على حكومات أخرى بالمثل، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الثقة داخل دول منطقة اليورو السبع عشرة ويرفع تكاليف الاقتراض داخل دول المنطقة. وتنخفض بشكل عام احتمالات تأثر البنوك الأميركية بأزمة الدين في اليونان، ولكنها يمكن أن تتأثر بالمشكلات التي يعاني منها النظام المصرفي في أوروبا. واستعدادا لمواجهة هذا الخطر حال حدوثه، تجرى محادثات بين مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي منذ أسابيع حول تقديم حزمة مساعدات جديدة لليونان، وتجدر الإشارة إلى أنه قدمت معونة لليونان العام الماضي قيمتها 160 مليار دولار، والتي ثبت عدم كفايتها. وكان معدل النمو أقل من المتوقع، كما تأخر سداد الضرائب عن المواعيد المحددة، وكانت التغييرات التي وعدت بها الحكومة بطيئة بحيث لم تحقق النتائج المأمولة. وعلى الرغم من ذلك فإن تلك المحادثات أثارت خلافات بقدر ما أثمرت عن اتفاقات. فجنبا إلى جنب مع إجبار اليونان على تقديم المزيد من التنازلات - وإشعال فتيل الأزمة السياسية - كانت هناك مواجهة بين البنك المركزي الأوروبي ومجموعة من الدول الأوروبية، أبرزها ألمانيا، التي تقول إنها لن تقرض اليونان المزيد من الأموال ما لم يسهم مستثمرون مستقلون في إنقاذ اقتصاد الدولة. وقد اقترح وزير المالية الألماني أن يمد حاملو السندات اليونانيون فترة استثمارهم لمدة سبع سنوات، مانحين الدولة وقتا أطول لإنعاش اقتصادها، غير أن الاضطراب السياسي في أثينا قد زاد توقع أن تتصاعد الأزمة في اليونان بسرعة.

وقال إيوانيس سوكوس، محلل سوق بشركة «بي إن بي باريبا» في لندن: «موقف سياسي على هذا النحو آخر شيء تحتاج إليه عندما تكون بالفعل على حافة الهاوية».

وعلى الرغم من أن باباندريو - قائد المجهودات الرامية إلى إذكاء النمو الاقتصادي والذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة - يتمتع بأغلبية محدودة في البرلمان، فإن بعض أعضاء الحزب الاشتراكي الذي يرأسه قد أبدوا مؤخرا معارضتهم للاتجاه التقشفي الذي يتبناه. وإذا لم يتمكن من ضمهم إلى صفه لدعمه في تصويت الثقة نهاية هذا الأسبوع، فربما تسقط حكومته. «سيفوز في هذه المعركة»، هذا ما جاء على لسان مسؤول حكومي يوناني لم يكن مسموحا له بالتعليق على الملأ وتحدث مشترطا عدم ذكر اسمه. وأضاف: «بالطبع هناك خطر قائم دائما، لكنه يرغب في مساعدة بلده. إنه سيخرج بها من هذه الأزمة».

وخاطب باباندريو الشعب اليوناني يوم الأربعاء قائلا إنه يتخذ مثل تلك الخطوات القاسية نظرا لأن المعارضة من المحافظين قد رفضت دعوته لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، وهي الدعوة التي أوضح في متنها أنه سيستقيل من منصبه إذا وافق معارضوه على التصويت على الإجراءات التقشفية. وعلى الرغم من ذلك فإن المعارضة من المحافظين قد أشارت إلى أن الخطة المدعومة من جانب صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي - على وجه الخصوص تخفيض الضرائب - لم تسفر سوى عن دفع الدولة إلى مزيد من الركود الاقتصادي، وطالبت بإعادة التفاوض بشأن شروط مساعدات الإنقاذ.

وخاطب باباندريو الشعب اليوناني قائلا: «تعلمت في حياتي أن أحارب من أجل هذا البلد واقتصاده وشعبه».

وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن الدفعة التالية من مساعدات الإنقاذ - التي تربو قليلا عن 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي وتقترب من 9 مليارات دولار من دول أوروبية أخرى - مرهونة بتصديق البرلمان اليوناني على الإجراءات الجديدة المطروحة، غير أن المحللين ذكروا أن المسؤولين الأوروبيين، الذين يتوقع أن تتكبد دولهم خسائر جراء انهيار الاقتصاد اليوناني، ربما يبدون أكثر تسامحا وقد يحاولون إيجاد سبيل لتزويد اليونان بتمويل مرحلي للتعويم، إذا عجزت عن تمرير الإجراءات التقشفية المذكورة آنفا.

قال سوكوس: «القادة الأوروبيون يرغبون في الحيلولة دون اتساع نطاق الأزمة. وإسبانيا على وجه الخصوص ما زالت عرضة بدرجة كبيرة للتأثر بالوضع الاقتصادي في اليونان. وحتى في أسوأ الحالات، إذا لم يتم تمرير الإصلاحات المطروحة فربما يدفع هذا أوروبا على الأقل إلى منح اليونان مساعدات إنقاذ كافية لبقائها».