هل قلبت دبي صفحة الأزمة المالية.. واستعادت جاذبيتها؟

أعلنت نجاح إصدار سندات أوروبية بقيمة 500 مليون دولار

صورة من الجو لدبي («الشرق الأوسط»)
TT

أعلنت حكومة دبي أمس نجاحها في تسعير سندات أوروبية بقيمة 500 مليون دولار. وقال المكتب الإعلامي لحكومة دبي إن «قيمة الاكتتاب في هذا الطرح فاقت القيمة المستهدفة بثلاثة أمثال».

وذكرت الدائرة المالية في الإمارة، في بيان تلقت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) صورة منه، إن الإصدار سجل عددا كبيرا من الطلبات جاوز 90 طلبا، بقيمة إجمالية زادت على 1.8 مليار دولار. واعتبرت الدائرة أن «هذا النجاح يعكس الجاذبية العالية التي تتمتع بها هذه السندات، والقبول الكبير الذي حظيت به بين أوساط المستثمرين الدوليين». وأوضحت أن السندات تم طرحها بسعر فائدة بلغ 5.59% مستحقة خلال عشر سنوات، بقيمة 500 مليون دولار، مع خيار البيع في نهاية مدة 5 سنوات. وأشارت إلى أن «السندات تعكس انخفاضا في تكلفة الفائدة بنسبة 1.1% مقارنة بالعام الماضي عندما تم تسعير سندات مماثلة مقومة بالدولار ولمدة 5 سنوات بسعر فائدة بلغ 6.7%». ويعتبر الإصدار جزءا من برنامج الحكومة لسندات أوروبية متوسطة الأجل تم إطلاقه في أبريل (نيسان) عام 2008. وتعتزم الحكومة توظيف عوائد الإصدار لأغراض تمويلية عامة.

وبحسب تحقيق لـ«رويترز»، فقد عادت دبي إلى العمل أو على الأقل هي في طريقها لتحسين صورتها التي تضررت بشدة بسبب أزمة الديون. فقبل أقل من ثلاث سنوات أدار المستثمرون الأجانب ظهورهم لدبي - الإمارة الصغيرة التي راودتها طموحات كبيرة وتراكمت عليها ديون ثقيلة - بعد أن أعلنت مجموعة «دبي العالمية» التابعة للإمارة أنها ستعيد هيكلة ديون بقيمة 25 مليار دولار. لكن شركة «طيران الإمارات» التابعة لحكومة دبي نجحت للتو في تسويق سندات بقيمة مليار دولار، واجتذبت الفنادق ألوفا إضافية من الزائرين، ودفعت الاضطرابات في الشرق الأوسط بعض الشركات إلى نقل مقراتها إلى الإمارة الأكثر استقرارا.

وقال مصرفي «في لحظة معينة كان المستثمرون يقولون لي إنهم لا يريدون ظهور دبي على الإطلاق في محافظهم الاستثمارية». لكن نجاح «طيران الإمارات» هذا الشهر في إصدار السندات التي اجتذبت طلبا يزيد على ستة مليارات دولار يعد من أقوى الإشارات حتى الآن على عودة الثقة، كما أنه أظهر أهمية شركة الطيران لاقتصاد دبي وصورتها على الساحة الدولية.

وقال دانيال بروبي، مسؤول الاستثمار في «سيلك انفيست» لإدارة الأصول ومقرها بريطانيا «التمكن من بيع سندات شركة طيران في عالم يتجاوز فيه سعر النفط - البند الرئيسي في تكاليف شركات الطيران - 100 دولار أمر مثير للإعجاب». وأضاف «وأن تكون شركة الطيران هذه في دبي أمر يبعث على مزيد من الإعجاب». وسعرت «طيران الإمارات» سنداتها في اليوم نفسه الذي بدأ فيه تداول سهم «موانئ دبي العالمية» في بورصة لندن.

وقال ساج أحمد، المحلل في إف بي اي ايروسبيس» في لندن «إدراج (موانئ دبي العالمية) وسندات (طيران الإمارات) من العلامات التي تظهر أن دبي عادت». وتزايد الإقبال على سندات دبي خلال الأشهر القليلة الماضية، وتراجعت تكلفة تأمين الديون إلى مستوياتها قبل أزمة 2009. وتعتزم حكومة دبي إصدار سندات جديدة هذا الأسبوع بعد جولة ترويج في لندن، وأعلنت في الفترة الأخيرة توسعة برنامج سنداتها إلى خمسة مليارات دولار. ويمثل هذا التحسن تناقضا كبيرا مع ما كان عليه الحال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، عندما دفعت خطة «دبي العالمية» لإعادة هيكلة ديون بنحو 25 مليار دولار المستثمرين للفرار سريعا، وأدت إلى انكماش اقتصادي. وهناك أيضا شعور أكيد بالتفاؤل.. ففي 2010 كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يقل قليلا عن 42 ألف دولار، وهو من أعلى المستويات على مستوى العالم. وانتعش اقتصاد دبي مدفوعا بالتجارة والخدمات المالية والسياحة في 2010 ليحقق نموا بمعدل 2.4 في المائة، ومن المتوقع أن ينمو بما بين ثلاثة و3.5 في المائة هذا العام. في حين يتوقع البنك الدولي نموا بمعدل 1.9 في المائة فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2011.

ودبت حركة الرافعات في الإمارة، وعاد السائحون للتدفق على مزارات دبي، مثل منحدر التزلج في الصحراء وأحد أكبر المراكز التجارية في العالم وأطول برج في العالم.

وأفادت بيانات مركز دبي للإحصاء بأن عدد نزلاء الفنادق في الربع الأول من العام بلغ أكثر من 1.8 مليون، بارتفاع بنسبة 14 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي. وقال جاي ويلكينسون، الشريك المدير في فيابيليتي مانجمنتس» للاستشارات الفندقية ومقرها دبي «بعدما عطل ما يطلق عليه الربيع العربي الأسواق السياحية في المنطقة، وبخاصة مصر والأردن والبحرين، تدفق السياح على دبي».

ويقول مديرو استثمارات ومسؤولون في بنوك إن إقبال الشركات وتدفقات رؤوس الأموال على دبي - وإن كان يصعب تحديد حجمه بدقة - زاد بدرجة كبيرة بسبب عدم التيقن السياسي في البحرين المركز المالي في المنطقة. فقد نقلت الكثير من الشركات مكاتبها أو موظفيها إلى المدينة، في حين ارتفعت ودائع البنوك في الإمارات إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عامين في أبريل الماضي.

وقال غانم نسيبة، مؤسس «كورنر ستون غلوبال اسوسيتس» وكبير المحللين في «بوليتيكال كابيتال»: «الشركات تنتقل فعليا إلى دبي. فبالنسبة للبعض تمثل الاضطرابات في المنطقة فرصة لتحقيق وجود كبير نسبيا في دبي».

وقال نسيبة إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت السيولة لدى البنوك وانتقال الناس إلى دبي سيكون له أثر على انتعاش القطاع العقاري أحد أكثر القطاعات تضررا من الأزمة. لكنه قال إن ما بين 30 و50 في المائة من الشركات التي انتقلت إلى دبي ستبقى بشكل دائم أو شبه دائم في الإمارة. غير أن دبي اتهمت بأنها من خلال تأجيل سداد مدفوعات الديون تؤجل مشكلاتها بدلا من حلها. فاتفاق إعادة هيكلة ديون «دبي العالمية» الذي تم التوصل إليه في 2010 يؤجل السداد إلى ما بعد خمس وثماني سنوات، ولم يتم الإعلان حتى الآن عن بيع أي أصول تخص دبي.

وتواجه الإمارة استحقاقات ديون بأكثر من 30 مليار دولار خلال العامين المقبلين، وما زالت مخاطر إعادة التمويل أحد أكبر مخاوف المستثمرين. أما مسألة حصول الدائنين على أصول مقابل ديونهم فإنها حساسة للغاية من الناحية السياسية.

وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في المجموعة المالية (هيرمس) «ديون كثيرة أعيدت هيكلتها ليصبح الأجل خمس سنوات أو سبع إلى ثماني سنوات. وفي حين أعطى ذلك فرصة لالتقاط الأنفاس في الأجل القصير، تظل هناك مسألة محاولة خفض هذه الديون في الأجل المتوسط».

ورغم انتعاش التجارة العالمية والمزيد من الاستقرار في القطاع المصرفي والقطاع العقاري، ما زال نمو دبي أقل منه خلال سنوات الازدهار التي غذتها أسعار النفط والعقارات قبل أزمة الائتمان العالمية في 2008. وانكمش حجم اقتصاد الإمارة بنسبة 14 في المائة في 2009، وأشارت التقديرات إلى أن الدين الإجمالي على دبي والشركات التابعة لها بلغ 115 مليار دولار، أي 140 في المائة من الناتج الاقتصادي، غير بعيد عن 143 في المائة في اليونان التي تواجه أزمة ديون.

وكان ائتمان القطاع الخاص ضعيفا في دبي، فبلغ اثنين في المائة في فبراير (شباط) الماضي، بالمقارنة مع معدل سنوي يزيد على 50 في المائة في 2008 عندما بلغت فورة البناء ذروتها. ولم تفلح زيادة الودائع حتى الآن في تنشيط الإقراض.

لكن، بحسب «رويترز»، ربما يتضح مجددا أن ما يحمي دبي حقيقة هو الاعتقاد السائد بأن أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة وأغنى الإمارات السبع ستكون مستعدة للتدخل لإنقاذ جارتها إذا اقتضى الأمر.