«رعب» أوروبي من انتقال أزمة الديون السيادية إلى إسبانيا وبلجيكا وإيطاليا

بفعل «حساسية» الأسواق لتطورات الملف اليوناني

TT

في الوقت الذي انطلقت فيه اجتماعات وزراء المال الأوروبيين في لوكسمبورغ، أمس، التي تستغرق يومين لبحث سبل مساعدة اليونان على تجاوز أزمة العجز في الموازنة، حذر المسؤولون في الدول والمؤسسات الأوروبية من انتقال العدوى إلى دول أخرى، ومنها بلجيكا وإيطاليا.

وحذر رئيس مجموعة اليورو، رئيس وزراء لوكسمبورغ، جان كلود يونكر، من إجبار القطاع الخاص على المشاركة في تقديم مساعدات مالية لليونان، محذرا من أن إجبار البنوك وشركات التأمين على القيام بذلك قد يؤدي إلى انتقال عدوى المديونية إلى دول أوروبية أخرى، مثل بلجيكا وإيطاليا.

وقال يونكر إن إجبار البنوك على المشاركة في تقديم القروض لحكومة أثينا قد يدفع وكالات التصنيف إلى خفض تصنيف اليونان، مما يهدد، بحسب يونكر، بانتقال أزمة إفلاس الحكومة اليونانية إلى البرتغال وآيرلندا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا. يُذكر أن وكالة التصنيف (موديز) هددت في وقت سابق الحكومة الإيطالية بخفض تصنيفها المالي، بينما نجحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، المعروفة بتأييدها لإشراك القطاع الخاص في تقديم مساعدات لليونان، مع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في الاتفاق على إشراك طوعي للبنوك وشركات التأمين في تقديم القروض لليونان، كما أعربت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن تأييدها لتأسيس وكالة تصنيف أوروبية بديلة تستطيع الدول الأعضاء في منطقة اليورو من خلالها دخول هذا المجال الذي أصبح حكرا على وكالات التصنيف الأميركية.

وقالت ميركل في مؤتمر نظمه حزبها المسيحي الديمقراطي في برلين: «يجب على أوروبا أن تتمتع بثقة بالنفس في المطالبة بذلك»، مناشدة أن تكون وكالة التصنيف الأوروبية وكالة اقتصادية بحتة. في الوقت ذاته، أعربت المستشارة الألمانية عن شكوكها في وقت تعاني فيه أوروبا من أزمة المديونية من أن الوقت الحاضر هو الوقت المناسب لتأسيس هذه الوكالة، قائلة إن الأمر يتطلب في البداية خروج أوروبا من أزمة المديونية. يُذكر أن وكالات التصنيف تتعرض لوابل من الانتقادات، بسبب خفض التصنيف الائتماني لدول أوروبية، أولها اليونان، وذلك على الرغم من الضمانات والمساعدات الضخمة التي حصلت عليها من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي من أجل الخروج من أزمتها، وبسبب تهديد دول أوروبية أخرى، على رأسها إيطاليا، بخفض تصنيفها الائتماني.

من جانبه، أكد البنك المركزي السويسري أن تطورات الأوضاع في أسواق العملات الدولية والسندات والأسهم تتميز الآن بتقلبات عالية نسبيا، محذرا من استمرار أزمة الديون السيادية في بعض الدول الأوروبية.

وقال نائب رئيس البنك، جان بيير دانيتي، من خلال تقديمه التقرير الدوري للبنك: «إن الميزانيات العمومية لحكومات كثيرة، وزيادة مشكلات الديون، تعكس آثار أزمات تترك تأثيرا على الأسواق المالية»، محذرا من «انتقال عدوى أزمة الديون اليونانية إلى دول أوروبية أخرى».

وأضاف دانيتي أن الوضع الاقتصادي بشكل عام أسفر عن ظهور صورة غير متجانسة لأداء أسواق المال العالمية؛ حيث أدى إلى ظهور تحديات وشيكة وخطيرة طفت منذ بداية الأزمة المالية، وتركزت بشكل أساسي في ميزانيات الشركات، مما أدى إلى ظهور انتكاسات في أسواق المال.

وذكر أن الأسواق تركز على المخاطر المرتبطة بالديون السيادية، مما أدى إلى حدوث تغييرات جذرية في تقييم المستثمرين للمخاطر، لتترك تأثيرها على أسعار السندات المتضررة، وتؤثر أيضا على الشرائح الاستثمارية الأخرى في الأسواق المالية بصفة عامة.

في الوقت ذاته، قال دانيتي إن عدم اقتراب حلول لأزمة الديون السيادية الأوروبية يرفع من مخاطر الائتمان لدول منطقة اليورو، مع استمرار ارتفاع أعباء الديون الكبيرة مقارنة بقيمة متوسط السنة السابقة.

وأكد أن «مشكلة الديون في منطقة اليورو أثرت بشكل سلبي، ليس فقط على أسواق السندات، ولكن أيضا على سعر تحويل العملات، وتحديدا على العلاقة بين سعر صرف الفرنك السويسري مقابل اليورو، ليرتفع سعر الفرنك إلى مستويات غير عادية».

وبين أن ضعف سعر صرف الدولار له علاقة بالأزمة، مع وجود شكوك حول متانة الاقتصاد الأميركي في أعقاب تراجع محفزات السياسة المالية والنقدية، فضلا عن المخاوف بشأن الديون العامة في الولايات المتحدة. في الوقت ذاته شدد دانيتي على وجود عوامل مؤثرة في الأسواق، مثل الاضطرابات السياسية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وكارثة زلزال اليابان وما أعقبها من «تسونامي»، ودلائل على التباطؤ الاقتصادي العالمي.

وعشية الاجتماعات الوزارية في لوكسمبورغ قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إنها على يقين من أن مجموعة اليورو التي ستجتمع، الأحد المقبل، وتضم الدول التي تتعامل بالعملة الأوروبية الموحدة، ستكون قادرة على اتخاذ قرار بشأن صرف الدفعة الخامسة من القروض لليونان في مطلع يوليو (تموز) المقبل، وأن هناك ثقة في القدرة على إنهاء التقييم الحالي للأوضاع، بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وفي هذا الصدد ستقوم مجموعة اليورو، يوم الأحد، بالتشاور حول شروط برنامج المساعدات المقبل لليونان، وإيجاد أرضية لإمكانية مشاركة القطاع الخاص في هذا الملف، وذلك للتحضير لاتخاذ قرار حول هذا الصدد في اجتماعات مقررة لمجموعة اليورو في الحادي عشر من الشهر المقبل، وقال أولي ريهن، المفوض الأوروبي المكلف الشؤون النقدية: «من أجل تحقيق ذلك سنعمل على الحفاظ على السيناريو الأساسي، وإفساح الطريق أمام اتفاق حول استراتيجية متوسطة المدى في هذا الصدد»، واعترف المسؤول الأوروبي من خلال البيان بأن الظروف كانت صعبة للغاية، وقال: «إنني على ثقة بأننا نستطيع من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، تفادي أي سيناريوهات غير مرحب بها، وهذا يعني أن تقديم المساعدة المالية لليونان لمواجهة أزمة الديون السيادية مضمون حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، أما الفترة التي تعقب ذلك، التي ستخضع لاستراتيجية متوسطة المدى، فسيتم اتخاذ قرار بشأنها في الاجتماع الوزاري المقرر في يوليو (تموز) المقبل، وحسب ما جاء في البيان، دعا ريهن أصحاب القرار، وخاصة وزراء المال في دول منطقة اليورو، إلى تفادي الخلافات والتوصل إلى اتفاق «في هذه اللحظة الحرجة».

وأضاف المسؤول الأوروبي بالقول: «طبعا هناك مسؤولية ملقاة على عاتق السلطات اليونانية والقيادات السياسية، ونتوقع من البرلمان اليوناني أن يوافق على البرنامج الاقتصادي الذي قدمته الحكومة، والمقرر اعتماده نهاية الشهر الحالي»، وعبر البيان عن الأسف الأوروبي لفشل الجهود لتحقيق توافق وطني داخلي في اليونان حول ملف البرنامج الاقتصادي للحكومة، «ونأمل تفادي أي صعوبات، وهذه مسؤولية القوى السياسية»، واعترف البيان بأن الأيام المقبلة ستكون حاسمة من أجل تحقيق الاستقرار المالي والانتعاش الاقتصادي لليونان وأوروبا ككل، وجميع المسؤولين في أثينا وغيرها يدركون مسؤولياتهم، ويتصرفون وفقا لهذا الأمر.