وزير التجارة والصناعة السنغافوري: منصب مدير صندوق النقد يجب أن يقوم على الكفاءة

ليم كيانغ لـ«الشرق الأوسط»: نقول لأصدقائنا العرب يمكنكم استثمار ثرواتكم في سنغافورة كما تفعلون في لندن ونيويورك

ليم هونغ كيانغ
TT

دعا وزير التجارة والاقتصاد السنغافوري ليم هونغ كيانغ إلى ضرورة أن يبنى منصب مدير عام صندوق النقد الدولي على الكفاءة وليس على اعتبارات عرقية أو إقليمية لأنه منصب دولي. وقال في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» في لقاء في سنغافورة: «أعتقد مثل الكثير من الدول أن منصب مدير عام صندوق النقد الدولي يجب أن يعطى للشخص الكفؤ، بغض النظر عن الاعتبارات العرقية أو الدولة أو الإقليم، لأنه منصب في مؤسسة دولية ويجب أن يعطى للشخص الكفؤ». وأضاف أن المنصب تأخذه أوروبا دائما بسبب القوة التصويتية المبنية على حصص حقوق السحب الخاصة التي تملكها الدول الأوروبية في رأسمال الصندوق، حيث تملك أوروبا حصة تفوق 25% من رأسمال الصندوق، بينما تملك أميركا حصة 17%. وقال إن سنغافورة جزء من الحصة التصويتة لجنوب شرقي آسيا، وهي حصة ضئيلة في الصندوق قرابة 2% أو أقل من ذلك. وقال إن زيادة حصة الصين في رأسمال الصندوق لم تغير من هيكلة الحصص حيث لا تزال أوروبا وأميركا تملك حصصا مسيطرة في رأسمال الصندوق. وقال يجب أن تعكس المناصب في مثل هذه المؤسسات الدولية واقع الحقائق الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى تزايد نصيب آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي والدول الناشئة الأخرى في الاقتصاد العالمي. وقال إن الوقت الذي يعكس فيه منصب مدير عام صندوق النقد الدولي واقع الحقائق الاقتصادية العالمية سيأتي. ويذكر أن هنالك تفاهما بين الولايات المتحدة وأوروبا منذ تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أربعينات القرن الماضي يقوم على أن تحتفظ أوروبا بمنصب مدير عام صندوق النقد الدولي بينما تحتفظ أميركا بمنصب رئيس البنك الدولي. وبالتالي فليس من المحتمل أن يحظى المرشح المكسيكي بالمنصب في الانتخابات الجارية على منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي مقارنة بالمرشحة الفرنسية كريستين لاغارد.

وحول علاقات بلاده مع دول مجلس التعاون قال الوزير كيانغ إن العلاقات بين بلاده ودول مجلس التعاون الخليجي تتطور بشكل جيد، وهنالك تعاون تجاري ممتاز بين سنغافورة ودول مجلس التعاون. وقال: «لدينا في سنغافورة اقتصاد متنوع يتكون من أربعة عناصر، وهي التصنيع والخدمات المالية والتجارية والتجارة والخدمات الأخري، وتشكل الصناعة جزءا مهمّا من الاقتصاد ويمثل نسبة تتراوح بين 20 إلى 25%، والجزء الثاني يتكون من الخدمات المالية والتجارية، حيث تمثل الخدمات المالية نسبة 11% وتمثل الخدمات التجارية نسبة 12% والجزء الثالث يتكون من التجارة، تجارة الافشور وتجارة الجملة والقطاعي والمواصلات، وتمثل حصة 25%. والجزء الرابع يتكون من الخدمات الأخرى، حيث تمثل السياحة بين 4 و5% والإنشاءات 4% والمعلومات والاتصالات 3% والخدمات الحكومية، وتشكل هذه الخدمات في مجملها نسبة الـ25% المتبقية».

وقال الوزير كيانغ إن الشركات السنغافورية حصلت على الكثير من العطاءات في دول التعاون وتعمل جيدا في تنفيذ المشاريع الإماراتية ودعم صناعات النفط والغاز ومشاريع البنية الأساسية ومشاريع تحلية المياه والمجاري. وبالنسبة للسعودية قال إن المشروعات السعودية كبيرة جدا، وفي بعض الأحيان تجد شركاتنا صعوبة في تنفيذ هذه المشاريع وحدها، لأنها صغيرة مقارنة بحجم المشروعات في السعودية وبالتالي فإن الشركات السنغافورية تدخل في المشاريع السعودية مع شركات يابانية أو شركات أخرى. ولكنه قال: «أنا سعيد جدا بتطور العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي، حيث يشكل مجلس التعاون ثامن أكبر شريك تجاري لسنغافورة وبالتالي فهو شريك تجاري مهم بالنسبة لنا». وتعد السعودية أكبر شريك تجاري في دول مجلس التعاون لسنغافورة، بينما تحتل الإمارات المرتبة الثامنة عشرة من بين الشركاء التجاريين. ويبلغ حجم تجارة سنغافورة مع السعودية نحو 14.6 مليار دولار.

وقال الوزير: «إن علاقاتنا التجارية متوازنة مع الإمارات وتعكس هذا التنوع، ولكن الميزان التجاري يميل لصالح الإمارات، حيث يشكل النفط العنصر الرئيسي في الميزان التجاري». ويذكر أن سنغافورة تستورد كمية كبيرة من النفط، حيث تنشط شركاتها في تجارة المشتقات في جنوب شرقي آسيا، حيث تقوم هذه الشركات بتكرير الخام وتسويق المنتجات المكررة في الأسواق الآسيوية، كما تستضيف الكثير من المؤسسات المالية العربية التي تتاجر بصفقات النفط من مكاتبها في سنغافورة. وتسعى سنغافورة إلى تطوير العلاقات والروابط المالية مع دول الخليج عبر النشاط في تطوير الخدمات المالية الإسلامية، إضافة إلى جذب رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار في آسيا عبر المركز المالي لسنغافورة.

وفي رده على سؤال «الشرق الأوسط» حول الجاذبية التي توفرها سنغافورة كمركز مالي عالمي لثروات مجلس التعاون الخليجي في ظل المصاعب المالية التي يواجهها الاقتصاد الأميركي واقتصاد منطقة اليورو التي تعاني من تفاعلات أزمة الديون، قال الوزير كيانغ: «هذه هي القصة التي نرغب في سماعها، وهي أن تكون سنغافورة أحد البدائل المطروحة لتوظيفات ثروات مجلس التعاون». وأضاف أن «دول مجلس التعاون لا تزال تواصل توظيف ثرواتها في لندن ونيويورك وزيورخ بكفاءة وفعالية، ونأمل أن تحظى سنغافورة كمركز مالي عالمي بجزء من استثمارات مجلس التعاون». وقال: «نقول لأصدقائنا الأثرياء في دول مجلس التعاون يمكنكم استثمار ثرواتكم بكفاءة وفعالية في سنغافورة كما تفعلون ذلك في نيويورك ولندن وزيورخ». وقال: «هذا هو المقترح الذي أضعه أمام أصدقائنا الأثرياء في مجلس التعاون». قال إن هنالك الكثير من البنوك والشركات المالية من دول مجلس التعاون التي لديها مكاتب في سنغافورة، وتنشط المتاجرة مع آسيا من خلال المركز المالي في سنغافورة. ويذكر أن سنغافورة من المراكز المالية الغنية بالرساميل، وأن الكثير من المؤسسات الآسيوية والعالمية تلجأ إليها لجمع تمويلات دولارية سواء كان ذلك عبر إصدار سندات بالدولار السنغافوري أو إصدار الصكوك الإسلامية».

وبشأن صناعة التمويل الإسلامي قال وزير التجارة والصناعة السنغافوري الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس إدارة سلطة النقد السنغافورية، لـ«الشرق الأوسط» إن سلطات النقد السنغافورية ستقوم بإصدار تشريعات تخص الضرائب على الدخل تضمن أن عمليات التمويل الإسلامي لن تظلم مقارنة بنظيراتها عمليات التمويل التقليدية. وكان الوزير قد قال في خطابه للمؤتمر العالمي للبنوك الإسلامية بداية الشهر الحالي إنه سيعطي لاحقا توضيحات إضافية وشرحا تفصيليا بشأن المعاملة التي ستحظى بها عمليات التمويل الإسلامي في سنغافورة. وحينما سألته «الشرق الأوسط» عما إذا كانت سنغافورة ستصدر رمزا جديدا للضريبة، خصوصا في التمويل الإسلامي، قال الوزير: «لا، لن نصدر رمزا ضريبيا جديدا ولكننا سنقوم بمنح عمليات التمويل الإسلامي ميزة المساواة في ضريبة الدخل مع عمليات التمويل التقليدية». وزاد في شرحه قائلا: «إن بعض عمليات التمويل الإسلامي تتعرض للضرائب في بعض تعاملاتها الأولية، وحينما تعامل في الضرائب مثل العمليات التقليدية تكون قد ظلمت، لأن الضرائب عليها ستكون أعلى، ونحن سنضمن لها المساواة مع العمليات التقليدية في المستوى الضريبي». وقال: «مع تطور عمليات التمويل الإسلامي ستطور التشريعات الضريبية لتأخذ في الحسبان عمليات التمويل الإسلامي». وحول توقعاته لتطور التمويل الإسلامي قال: «يجب علينا أن نكون صبورين، ويجب علينا أن لا نتوقع تطورا سريعا. ومثل ما حدث بالنسبة لعملية تطور صناعة الخدمات المالية التقليدية فإننا سنعمل على تأهيل وتدريب الكوادر ومساعدة الشركات على عمليات التمويل الإسلامي حتى نكون مستعدين وجاهزين للاستفادة من الفرص حينما تأتي الرساميل الإسلامية إلى سنغافورة». وقال: «إن هنالك صندوقا أنشئ لدعم صناعة الخدمات المالية وتشرف عليه سلطة النقد السنغافورية، ويستخدم هذا الصندوق الأرباح فقط وليس رأس المال في تطوير الكفاءات وتأهيل الشركات في مجال الخدمات المالية التقليدية». وأضاف: «إننا سنستخدم هذا الصندوق في تجهيز الكفاءات البشرية من حيث التدريب والتعليم والتأهيل لخدمة الصناعة المالية الإسلامية، لأنها صناعة مكملة للخدمات المالية التقليدية. ونأمل على المدى الطويل أن تنجح سنغافورة في إنشاء مركز مالي متكامل للخدمات المالية الإسلامية كما نجحت في إنشاء مركز عالمي للخدمات المالية التقليدية».

وأشار إلى أن سنغافورة تمكنت من النمو والتعافي منذ الأزمة المالية العالمية، ولكن هنالك تحديات، من بينها ارتفاع معدل التضخم وتنافسية أسعارها مع المراكز المالية في آسيا مثل هونغ كونغ التي تستفيد من الانفتاح الصيني وتستفيد سوقها من اكتتابات الشركات الصينية. وعلى صعيد المواد المصنعة قال: «علينا أن نراقب كلفة منتجاتنا مع منتجات الدول المنافسة». وقال: «إننا متيغظون لارتفاع الأسعار في سنغافورة ونراقب عمليات تنافسية لأسعارنا»، وقال: «إن أسعار الكهرباء في سنغافورة هي الأعلى في العالم، ولكن الضرائب على الشركات البالغة 17% والضريبة على الدخل البالغة 10% ولا تفوق 20%، تعد الأقل بين المراكز المالية التي تنافسنا». وحول النمو القوي الذي حققته سنغافورة قال الوزير كيانغ لـ«الشرق الأوسط»: «إن سنغافورة استفادت من دفع عجلة النمو العالمي، حيث تمكنت من النمو بمعدل فوق 8% في الربع الأول، ولكنه توقع أن ينخفض معدل النمو في باقي السنة الحالية، وأن يختتم العام بمعدل يتراوح بين 5 و7% بسبب تباطؤ النمو العالمي». ولكنه قال إن ارتفاع معدل التضخم يشكل تحديا في الوقت الراهن، وأضاف أن «التضخم ارتفع في الربع الأول إلى نحو 5%، ولكننا نتوقع أن ينخفض بنهاية العام إلى معدل يتراوح بين 3 و4%».

وفي رده على سؤال «الشرق الأوسط» بشأن التحديات التي يطرحها صعود الصين الاقتصادي على سنغافورة قال الوزير: «يجب أن نأخذ بواقعية الصعود الاقتصادي للصين، فالصين الآن تشكل ثاني أكبر شريك تجاري بعد ماليزيا لسنغافورة، ولكن إذا أضفنا تجارة هونغ كونغ معنا إلى تجارة الصين فإن الصين تصبح الشريك التجاري الأكبر». ولاحظ الوزير أن أهمية الصين التجارية والاستثمارية تتزايد، حيث يتزايد عدد الشركات الصينية التي تفتح مكاتبها في سنغافورة، لكنه قال: «على الصعيد الاستثماري لا يزال المستثمرون الأوروبيون والأميركيون واليابانيون يشكلون الحجم الأكبر من الاستثمارات في سنغافورة». وقال: «يجب أن نأخذ في الاعتبار أن صعود الصين وتأثيره بات واضحا لدينا، حيث كان ميناء سنغافورة يتنافس مع هونغ كونغ، وكان أكثر المواني العالمية ازدحاما بالسفن والآن احتل ميناء شنغهاي المرتبة الأولى». وأشار إلى أن تدويل اليوان الصيني حينما يحدث سيطرح تحديات جديدة على بلاده، وقال: «يجب علينا أن نأخذ حقائق صعود الصين اقتصاديا في الاعتبار ونتعامل بواقعية معها». وبشأن العقارات أشار إلى أن بلاده تجتذب المزيد من الاستثمارات الصينية، وقال إن المستثمرين الرئيسيين الأفراد في العقارات السنغافورية هم من ماليزيا وإندونيسيا، وهنالك زيادة في أعداد المشترين من الصين، أما بالنسبة للاستثمار العقاري من قبل الشركات والصناديق فهم من أميركا، فهنالك مستثمرون كبار مثل «مورغان ستانلي»، وصناديق كبرى وآخرون، وهم يستثمرون في المكاتب والبنايات السكنية. وقال إن المستثمرين الأجانب مرتاحون للقوانين التي تحكم الاستثمار العقاري في سنغافورة.