البحرين تودع آثار الاضطرابات السياسية وتقبل على الانتعاش

تكلفة تأمين الديون السيادية انخفضت والصفقات عادت والفنادق ممتلئة بالزوار

TT

بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البحرين، يتدفق السياح من أنحاء الخليج على فنادقها المطلة على الخليج، ويتوافد المصرفيون إليها لإبرام الصفقات. وساعد البحرين في ذلك ارتفاع أسعار النفط ومليارات الدولارات من الاستثمارات السعودية والهدوء النسبي في الشوارع، وسط استعادة الثقة في المركز التجاري والمالي الإقليمي، لكن لا يستطيع المرء حتى الآن أن يصف ما يحدث بأنه انتعاش اقتصادي.

ونسبت «رويترز» إلى جارمو كوتيلين، كبير الاقتصاديين لدى «الأهلي كابيتال» القول: «بات بالإمكان السيطرة نسبيا على الاضطرابات التي يمكن أن تؤثر على أسواق المال. والمشهد بعيدا عن الأبراج الزجاجية المتلألئة في العاصمة ليس براقا.. ففي القرى التي تغطى جدران أبنيتها الإسمنتية كتابات مناوئة للحكومة، يتكدس المواطنون الذين شكلوا المكون الرئيسي في الاحتجاجات، بعد طرد عدد كبير من العمال أو سجنهم أو تقديمهم للمحاكمة، لكن المسؤولين في البحرين يحاولون أن يستعيدوا وجه البحرين الصديقة لأنشطة الأعمال، بعد إلغاء سباق جائزة البحرين الكبرى، الذي ينظم ضمن بطولة العالم (فورميولا 1)، وهو أهم حدث عالمي تشهده، بسبب العنف الذي حدث. وهناك دلائل على أن المسؤولين ينجحون في ذلك؛ حيث انخفضت تكلفة تأمين الديون السيادية البحرينية بعد أن شهدت ارتفاعا كبيرا في مارس (آذار). وكانت تكلفة تأمين ديون البحرين قفزت إلى 350 نقطة أساس عندما أخلت الحكومة الشوارع من المحتجين بمساعدة سعودية. وتقترب التكلفة الآن من 235 نقطة أساس، لكنها لا تزال مرتفعة عن مستويات أقل من 200 قبل الاضطرابات.

ويستشهد المصرفيون المحليون أيضا بالارتفاع في أصول التجزئة المصرفية خلال الشهور الثلاثة الماضية كعلامة طيبة، لكن أسعار السلع والخدمات انكمشت في مارس وأبريل (نيسان) ومايو (أيار)، بينما انخفض المؤشر الرئيسي للبورصة 7.4 في المائة منذ فبراير (شباط) مقابل ارتفاع قدره 2.7 في المائة في بورصة دبي. وتحتاج البحرين، التي تنتج كميات صغيرة من النفط، إلى سعر عند 100 دولار للبرميل للمساعدة في تحقيق التوازن في ميزانية اقتصادها الذي يقدر حجمه بـ22 مليار دولار، وربما يساعدها ارتفاع أسعار النفط التي تزيد عن 108 دولارات حاليا.

ويقول مصرفي محلي طلب عدم نشر اسمه: «عوّض ارتفاع أسعار النفط تأثير الأضرار السياسية، وبالتالي الشؤون المالية الحكومية متماسكة.. أنا متفائل تماما».

وفي وقت سابق من الشهر، وافق الملك حمد بن عيسى آل خليفة على ميزانية قيمة 16.44 مليار دولار للعامين المقبلين بزيادة قدرها 44 في المائة في الإنفاق على الدعم وغيره من أوجه الإنفاق العام في بلد يبلغ عدد سكانه 1.2 مليون نسمة. وقال فاروق سوسة كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في «سيتي غروب بدبي» إن الانتعاش الاقتصادي سيحدث في شكل استثمارات سعودية في القطاع العام البحريني.

ويبدو أن مصدرا آخر مهما للدخل يتعافى ببطء مع عودة السياح عبر الجسر الذي يربط البحرين بالسعودية. والأسبوع الماضي عبر 150 ألف زائر إلى البحرين، وهو ما يقل عن نصف العدد المعتاد لكنه أخذ في الزيادة منذ مارس الماضي. وتشهد الفنادق ومراكز التسوق التي تبدو مهجورة تقريبا طوال أيام العمل إقبالا متوسطا من الزائرين من دول الخليج العربية خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولطالما جعلت السواحل والبيئة الاجتماعية المنفتحة من الجزيرة مقصدا للسياح من بلدان خليجية أخرى. وتقول الجمعية البحرينية للفنادق والمطاعم إن نسبة الإشغال 70 في المائة، على الرغم من أن بعض المراقبين يشككون في ذلك، كما تحاول البحرين طمأنة الزائرين والولايات المتحدة التي يتمركز أسطولها الخامس فيها بأنها تعالج مظالم غالبية السكان. وأمر العاهل البحريني ببدء حوار وطني اعتبارا من الأول من يوليو (تموز).

ويسعى المستثمرون إلى أن يواكب أي انتعاش اقتصادي مؤشرات على تحسن الاستقرار السياسي. وتساءل كوتيلين من «الأهلي كابيتال»: «السؤال هو كيف تتأكد من أن البلد بدأ ينمو ثانية، وأن المزايا توزع بالعدل..؟!». وتبدو الإجابة محبطة عند النظر إلى القرى التي تحيط بالمركز المالي في المنامة.

تمسح أم أحمد (40 عاما) جبينها من العرق، وتتساءل وهي تملأ حقائب بشطائر لأقارب فقدوا وظائفهم؛ كيف يمكن أن تتعافى قريتها، وتقول بينما يتجول أطفال حول منزل متداع من ثلاثة طوابق يضم عائلات ثلاثة أشقاء أو نحو 24 شخصا: «كل شخص لديه قريب إما مفصول من العمل أو مسجون أو مفقود. إنه وقت صعب يجب أن تتكاتف العائلات وتتشارك فيما تملك كي تمر الأزمة».

وفي الوقت الحالي، يتوخى الاقتصاديون الحذر، ويظهر استطلاع لـ«رويترز» هذا الأسبوع تراجع تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2011 إلى 2.7 في المائة في المتوسط من 3.4 في المائة التي كانت متوقعة في مارس، وبالنسبة لعام 2012، تم تخفيض توقعات النمو إلى 3.3 في المائة من 3.6 في المائة.