أثينا تبيع مقتنياتها وتراثها للإفلات من الإفلاس

الشروط تطالب اليونان بخفض الرواتب وتقليص العمالة وبيع أصول رئيسية لجمع 72 مليار دولار

بابندريو يواجه أكبر تحد في تاريخ اليونان الحديث
TT

ميناءا بيريوس وتيسالونيكي، وهيئة اليانصيب، وشركة «غريك تيليكوم»، وعقارات «ميديترينيان»، وهيئة الادخار البريدي، والنظام الوطني للسكك الحديدية.. تعد من بين درر التاج بالنسبة للدولة الاشتراكية في اليونان، لكن هذه المقتنيات الثمينة تبدو الآن على وشك الذهاب من ملكية الحكومة اليونانية إلى الوقوع في يد من يدفع السعر الأعلى في المزاد المقبل للعديد من ممتلكات القطاع العام اليوناني.

بعد ذلك، ستأتي الموجة الأقسى من إجراءات التقشف التي ستقر تخفيضا كبيرا في رواتب ضباط الشرطة ورجال الإطفاء وغيرهم من العاملين لدى الدولة الذين يتظاهرون الآن بالفعل في شوارع العاصمة أثينا. وستتضمن الإجراءات أيضا زيادة الضرائب على المواطنين، في وقت يعاني فيه الاقتصاد بالفعل من ركود وتفاقم حاد في معدلات البطالة.

وفي أعقاب فوزه، الثلاثاء، بتصويت على الثقة في الحكومة الجديدة الذي كان يمثل أهمية محورية لمستقبله، أصبح رئيس الوزراء جورج باباندريو الآن أمام مهمة أكثر صعوبة تتمثل في إقرار علاج راديكالي في صورة مزادات إجبارية وتقشف مالي لاقتصاد معتل يمر بفترة انحسار عميقة بالفعل.

وأعلن الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، المعروفون باسم «الثلاثي»، أن تلك الإجراءات هي المخرج الوحيد أمام اليونان المثقلة بالديون، بينما أعرب بعض الخبراء الاقتصاديين عن اعتقادهم بأن البرنامج أشبه بأعمال إراقة الدماء في العصور الوسطى أو جرعة من الألم من غير المحتمل إطلاقا على أمل أن تحيي المريض.

المهمة الأولى أمام باباندريو هي إقناع الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه بتمرير مشروع قانون من شأنه جمع 40 مليار دولار بحلول عام 2015، بما يعادل 12% من إجمالي الناتج الداخلي لليونان، عبر خفض الرواتب وزيادة الضرائب في وقت يعاني فيه الاقتصاد من الانكماش. وتجدر الإشارة إلى أن فرض تخفيضات في الرواتب وزيادات في الضرائب بالمستوى نفسه داخل الولايات المتحدة سيتمخض عن 1.75 تريليون دولار، وهو رقم يفوق بكثير أكبر المقترحات طموحا الرامية لتقليص عجز الموازنة الفيدرالية الأميركية. من ناحيتها، وعدت اليونان بجمع 72 مليار دولار أخرى عبر بيع الأصول الأساسية للدولة، مما اعتبره كثير من اليونانيين بيعا للتراث الوطني بسعر بخس.

وفي حين ستسمح إجراءات التقشف لليونان بالحصول على مساعدات مالية دولية جديدة، تصر أعداد متزايدة من الخبراء الاقتصاديين على أن البرنامج الاقتصادي الحكومي الجديد سيتسبب، على أفضل تقدير، في عجز الدولة عن سداد ديونها وإعادة هيكلة هذه الديون، التي تمثل بالفعل أكثر من 150% من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد. ويرى هذا الفريق أن إقرار تخفيضات أكبر في الميزانية وزيادة الضرائب سيضر بالنمو الاقتصادي، الذي تحتاجه اليونان بشدة للتخفيف من عبء الديون على عاتقها.

عن ذلك، قال كونستانتينوس ميهالوس، رئيس غرفة التجارة اليونانية في أثينا: «لا يمكنك الاستمرار في حلب البقرة من دون أن تطعمها». في الواقع، يخشى كثير من الاقتصاديين من أن اليونان وقعت بالفعل في «فخ ديون»، حيث يتطلب سداد الفائدة على تلال الديون المتراكمة على عاتقها اقتراض مزيد من المال. وأعرب سيمون تلفورد، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مركز الإصلاح الأوروبي في لندن، عن اعتقاده بأن «اليونانيين يجري نصحهم بضرورة قبول مزيد من الدواء الذي فشل بالفعل في القضاء على المرض.» يذكر أن اليونانيين نجحوا بالفعل في تخفيض عجز الموازنة بنسبة 5% من إجمالي الناتج الداخلي. ووصف تلفورد ذلك بأنه «خفض غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الحديث، لكنه ترك أثرا سلبيا أقوى بكثير على الاقتصاد عما توقعه الثلاثي، ودفع التقشف المالي الاقتصاد نحو حالة عميقة من الركود. لا يمكن سداد الدين سوى من الدخل، ويعني ذلك النمو.» الملاحظ أن اليونان تفتقد القدرة على استخدام كثير من الأدوات المرتبطة بمحاربة الركود، مثل تخفيض قيمة عملتها أو تقليص أسعار الفائدة، على الأقل ما دامت عضوا بمنطقة اليورو، حيث تخضع سياستها النقدية لسيطرة المصرف المركزي الأوروبي. ويعترف بعض الخبراء الاقتصاديين المستقلين بأن اليونان ليس أمامها خيار سوى محاولة فرض نوبة جديدة من إجراءات التخفيض. مثلا، أشار إدوين إم. ترومان، من معهد «بيترسون للاقتصادات الدولية» في واشنطن، إلى أن اليونان عليها التعرض لمزيد من الألم نظرا لأنها عانت عجزا في الموازنة حتى من قبل أن تشرع في سداد ديونها، مما يعني أنها ستحتاج إلى مزيد من القروض لتسدد قروضها الراهنة. فقط بعدما تعيد اليونان تنظيم ميزانيتها وجمعها للضرائب وسوق العمل لديها وتحقق فائضا - بخلاف مدفوعات الفوائد على الديون - سيصبح بمقدور الخبراء الاقتصاديين تقدير حجم الديون التي يمكن لليونان سدادها، وحجم إجراءات هيكلة الديون التي تحتاجها.

من جهته، قال ترومان: «ما دام أنهم يعانون عجزا أساسيا، سيحتاجون دوما لشد الحزام. إعادة الهيكلة الآن لا تزيح من على كاهل اليونان عبء إصلاح الاقتصاد لتحقيق فائض». إلا أن الأوضاع لا تسير بيسر. خلال السنة التي مرت منذ حصولها على أول مساعدة مالية، خفضت اليونان نفقاتها عبر خفض الأجور وتسريح عمالة وخفض أعداد العاملين في القطاع الحكومي المتضخم، الذي يوظف 800.000 شخص، ما يعادل ربع القوة العاملة باليونان، بمقدار 17 مليار دولار. إلا أنه بسبب الركود الذي تعانيه، انكمش الاقتصاد وتراجعت العائدات الضريبية، مما يعني أن اليونان أخفقت في الوصول لهدفها الرئيسي المتمثل في الوصول بالعجز الحكومي إلى 9.1% من إجمالي الناتج الداخلي، حسب ما اتفقت مع المقرضين الأجانب، الأمر الذي دفعهم لمطالبتها بإقرار مزيد من إجراءات الخفض.

* خدمة «نيويورك تايمز»