أميركا: شكوك حول مستقبل الغاز الطبيعي

شركات الطاقة بذلت جهودا لترويج أنه وقود الغد

TT

بذلت شركات الطاقة جهودا كبيرة من أجل الترويج لفكرة أن الغاز الطبيعي هو وقود الغد الأحفوري، وقد وجدوا بالفعل حلفاء يمكن الاعتماد عليهم بين صناع السياسات داخل الولايات المتحدة. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمة له خلال العام الجاري: «إمكانات الغاز الطبيعي هائلة»، واعتبر الغاز الطبيعي قضية يمكن أن يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون.

وأعربت وزارة الطاقة في بيانات صحافية عن شعورها بالفخر للمساعدة على تدشين الطفرة في التنقيب من خلال تمويل أبحاث جعلت من الممكن الاستفادة من الغاز الموجود في طبقات صخرية زيتية في أعماق الأرض.

وفي تقاريرها السنوية المتضمنة حول توقعات المستقبل، قامت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهي شعبة تابعة لوزارة الطاقة، بزيادة تقديراتها للإمدادات المحلية من الغاز الطبيعي بصورة مطردة، ورددها مستثمرون وقطاع النفط والغاز على نطاق واسع للترويج لمستقبل يسوده الرخاء.

ولكن لا يوافق على هذا الرأي كل من يعملون في إدارة معلومات الطاقة. وفي العشرات من الوثائق والرسائل عبر البريد الإلكتروني داخل الإدارة، أعرب مسؤولون بإدارة معلومات الطاقة عن شكوكهم بشأن قطاع الغاز الصخري.

ويقول مسؤول إن القطاع الصخري ربما يكون «مصيره الفشل». وقال مستشار بارز لمدير إدارة معلومات الطاقة: «من المحتمل بدرجة كبيرة أن تتجه الكثير من هذه الشركات إلى الإفلاس». وردد العديد من المسؤولين مخاوف أثيرت خلال فقاعات سابقة انتهت بالانفجار، داخل الإسكان وأسهم التقنية، على سبيل المثال.

وأوضح موظفو إدارة معلومات الطاقة في رسائل عبر البريد الإلكتروني وفي وثائق، حصلت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخ منها، أن تقديرات القطاع ربما تبالغ في كمية الغاز التي يمكن أن تستخرجها الشركات من الأرض.

وناقشوا أوجه الغموض بشأن مدة استمرار الآبار في الإنتاج، إلى جانب الأسعار المرتفعة التي دفعتها بعض الشركات خلال فترة التدافع على الأراضي لتأجير حقوق معدنية. كما أثاروا مخاوف أيضا بشأن عدم القدرة على التنبؤ بما سيحدث في مجال التنقيب عن الغاز الصخري. ويتحدث مسؤول بارز في إدارة معلومات الطاقة عن «مبالغ غير منطقية» حول الغاز الصخري. وتقول إحدى الوثائق بإدارة معلومات الطاقة إن هناك شركات بالغت في «ظاهرة ربحية آبار الغاز الصخري»، وتسلط الضوء على أداء أفضل آبارها، وربما تستخدم نماذج مفرطة في التفاؤل عند الحديث عن إنتاجية الآبار على مدار عدة عقود مقبلة.

وعلى الرغم من أن هناك مكاسب اقتصادية وبيئية للغاز الطبيعي في مقابل أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، فإن شعبيته الكبيرة كمصدر للطاقة تعد شيئا جديدا نسبيا. ونتيجة لذلك فإنه لم يحظ بنفس القدر من الدراسة، بحسب ما يراه بعض المهتمين بالبيئة واقتصاديون متخصصون في الطاقة. وتظهر رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بإدارة معلومات الطاقة أنه يجري حاليا طرح بعض من هذه التساؤلات الصعبة. وكتب محلل طاقة بإدارة معلومات الطاقة في رسالة بالبريد الإلكتروني لزملائه في 27 أبريل (نيسان) الماضي: «إما أنني مجنون أو أن كل شخص يقر الغاز الصخري من دون فهم جيد حقيقي لاقتصادات العمل؟».

وتضمنت رسالة أخرى مخاوف مماثلة. وكتب مسؤول بارز في شعبة التوقعات بإدارة معلومات الطاقة في رسالة عبر البريد الإلكتروني في 13 أبريل (نيسان) لزميل في الإدارة: «أتفق معك في المخاوف بشأن الشعور بالإثارة على نحو مبالغ فيه تجاه الغاز الصخري والنفط». وأضاف: «ربما نكون في فترة (بحث عن الثراء) قام فيها عدد قليل ببناء آبار (ضخمة). ويفترض الجميع أن كافة الآبار ستكون (ضخمة)».

وتحظى التقارير السنوية لإدارة معلومات الطاقة بمتابعة واسعة النطاق من جانب مستثمرين وشركات وصناع سياسات لأنها تعتبر دقيقة من الناحية العملية ومستقلة عن القطاع. كما تتحدث أيضا عن مبادرات مشرعين. وعلى سبيل المثال، كان الكونغرس يدرس تقديم دعم كبير لترويج سيارات تعمل بالغاز الطبيعي وتقديم خصومات ضريبية داخل القطاع.

وداخل أي منظمة كبيرة مثل إدارة معلومات الطاقة، التي يعمل فيها قرابة 370 موظفا، من المؤكد أن يظهر اختلاف في وجهات النظر، لا سيما في رسائل خاصة عبر البريد الإلكتروني يتبادلها الأصدقاء. وقال متحدث باسم الإدارة إن الإدارة تؤكد على ما جاء في تقاريرها، وأنها كانت واضحة بشأن الغموض الذي يكتنف إنتاج الغاز الصخري.

وقال مايكل شال، مدير مكتب النفط والغاز الطبيعي وتحليل الوقود الحيوي داخل إدارة الطاقة: «يعتمد مبدؤنا على (النظر إلى البيانات)». وأضاف: «كما واضح تظهر البيانات أن الغاز الصخري أصبح مصدرا هاما لإمداد الغاز الطبيعي محليا».

ولكن المخاوف والشكوك المتضمنة في رسائل عبر البريد الإلكتروني ومراسلات حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز» لها أهمية لأنه يتبادلها الكثير من الموظفين، والبعض منهم يشغل أدوارا بارزة. وتظهر الوثائق ورسائل البريد الإليتروني، التي قدمها باحثون بالكونغرس ومسؤولون فيدراليون بقطاع الطاقة ومستشارون داخل القطاع لصحيفة «نيويورك تايمز»، شكوكا بشأن اقتصادات الغاز الصخري، وفي بعض الأحيان تأتي هذه الشكوك من جانب مسؤولين بارزين داخل الإدارة. وقدم أشخاص كثر رسائل البريد الإلكتروني لصحيفة «نيويورك تايمز» شريطة عدم ذكر أسماء الأشخاص الذين أرسلوا واستلموا الرسائل. وتشير بعض رسائل البريد الإلكتروني إلى شعور بالإحباط بين أفراد الطاقم في سعيهم للضغط من أجل مناقشة أكثر دقة للغاز الصخري. واشتكى محلل فيدرالي، كان يتحدث عن إعلان لإدارة معلومات الطاقة حول الغاز الطبيعي، من أن الإدارة لديها نفس تفاؤل القطاع. وكتب المحلل حول التنقيب عن الغاز الصخري في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «يبدو أن العلم يشير في اتجاه، وتشير العلاقات العامة بالقطاع إلى اتجاه آخر». وأضاف: «لا يزال علينا أن نقدم شيئا وسطا، حتى لو كان ذلك يتجاهل نقاط قوة في أدلة علمية». وقد أنشئت إدارة معلومات الطاقة، ومهمتها تقديم «معلومات مستقلة وغير متحيزة حول الطاقة لدعم عملية وضع السياسات بصورة سليمة» و«فعالية الأسواق»، استجابة لأزمة الطاقة في السبعينات من القرن الماضي لأن المشرعين رأوا أن البيانات السليمة قد تساعد البلاد على تجنب أزمات مماثلة في المستقبل. ولحمايتها من الضغوط السياسية أو الضغوط من جانب القطاع، من المفترض قانونا أن تكون تقارير إدارة معلومات الطاقة مستقلة ولا تحتاج إلى موافقة أي جناح حكومي آخر.

وقد أثنى مدير الإدارة ريتشارك نيويل، الذي أعلن هذا الشهر عن خطط للتقاعد من منصبه ليتولى عملا في جامعة ديوك، على احتمالات الغاز الصخري، ووصفه بأنه «مغير اللعب» في مزيج الطاقة داخل الولايات المتحدة. وقال نيويل لـ«مائدة الغاز الطبيعي المستديرة»، وهي مجموعة غير ربحية لها علاقة بـ«جمعية الغاز الأميركية»: «لقد تغيرت رؤية الطاقة المرتبطة الغاز الطبيعي بشكل جذري على مدار الأعوام العديدة الماضية». وأضاف: «يرتبط الشيء الأكثر أهمية بالدور الهام للغاز الصخري».

وقد ساعدت عدة عوامل على إثارة قدر أكبر من الاهتمام بالغاز الصخري، حيث إن الكارثة النووية داخل اليابان في مارس (آذار) الماضي جعلت الاهتمام يتركز على مستقبل الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة يتمتع بقدر أكبر من الأمن.

وفي العام الماضي، ومع تحذير محللي أسواق الطاقة بشأن لوائح تنظيمية فيدرالية أشد صرامة بخصوص النفط والفحم، لا سيما عقب تسرب النفط من شركة «بي بي» البريطانية وحادثة «ماسي» المرتبطة بتعدين الفحم، أشاروا أيضا إلى الغاز الطبيعي كاستثمار أكثر جاذبية. ولكن النظر إلى وسائل إدارة معلومات الطاقة تطرح تساؤلات حول استقلالها عن شركات الطاقة، حيث إن القطاع يساعد الحكومة في إعداد هذه التقارير المتفائلة. وتعتمد إدارة معلومات الطاقة، على سبيل المثال، على أبحاث من مستشارين من خارجها لهم علاقات بالقطاع. ويأخذ بعض هؤلاء المستشارين البيانات التي يقدمونها إلى الحكومة من بيانات صحافية لشركات طاقة، بحسب ما ورد في رسائل بريد إلكتروني خاصة بإدارة معلومات الطاقة. وتعتمد التوقعات بشأن إمدادات الغاز الطبيعي في المستقبل ليس على العلوم فقط، بل على بعض التخمينات.

* ساهم في التقرير روبي براون من أتلانتا، وساهمت في البحث كيتي بنيت.

* خدمة « نيويورك تايمز»