في التباين

علي المزيد

TT

يوظف عدد من البشر التباين أو الاختلاف لزيادة الشقة أو الاقتتال لرغبة كل طرف أن يكون الآخر مثله، ونحن العرب كالعادة نطور التوظيف فنقول إن لم تكن معي فأنت ضدي!.. والمهم أن تكون معي ولو كان ذلك تقية تخفي بها ما تبطن وتسعى لتحقيقه بطرق مختلفة أقلها السلبية. ومن المعلوم أن الإنسان لو ترك حرا في ما يعتقد لكان لبنة بناء في مجتمعه، لأن البناء حاجة إنسانية وليست معتقدية، لكن الكبت يحول الإنسان عدوا لمجتمعه بدلا من صديق.

لن أطيل عليكم لأنني أكتب لكم من سنغافورة، الجزيرة الوادعة، ولن أكتب لكم عن تطورها الاقتصادي أو كيف كانت وكيف أصبحت، لأن ذلك أمر أشبعه الكتاب بحثا وكتابة، لكني سأكتب لكم عن توظيف التباين اقتصاديا الذي رأيته في سنغافورة.. فالجزيرة تسكنها أعراق مختلفة، وبالطبع فإن معتقداتهم مختلفة تبعا لاختلاف الأعراق، فهناك المسلمون والعرب والهنود والصينيون والماليزيون والسكان الأصليون.

وأجمل ما في الأمر أنهم لم يقتتلوا، بل وظفوا الاختلاف توظيفا اقتصاديا مميزا، فأنت حينما تقول لمكتب خدمات الفندق «ماذا ترشح لي كي أزوره؟»، يستعرض لك عددا من المناشط، مثل السفاري الليلية، ومنطقة سنتوسا التي تضم يونيفرسال استوديو، والمدينة المائية، وغيرها من الألعاب التي تهم الطفل والشاب بل قل التي تهم العائلة، ستفاجأ به يقول لك زر الحي العربي (أو الشارع العربي كما يسمونه)، والحي الهندي، والحي الصيني، ومن الطبيعي وكنتيجة حتمية لعرقي زرت الشارع العربي، ورأيت كيف وظفوا الاختلاف العرقي إيجابيا من دون المساس به.. أيضا أهل الشارع متنوعون فهم ليسوا كلهم عربا، بل مسلمون في الغالب، وبدأت بالصراف وهو هندي اسمه وهاب واسمه يدل على أنه مسلم. انطلقت بعد تبديل العملة لمسجد سلطان، ويبدو أنه تحريف لمسجد السلطان، ورأيت غير المسلمين يزورون المسجد الذي أصبح معلما سياحيا.. ألم أقل لكم إنهم وظفوا الاختلاف توظيفا اقتصاديا ناجحا؟! بعد ذلك تجولت في الحي لأقرأ اسم الشارع، فإذا به شارع قندهار، وهذا الاسم له دلالة إسلامية وعربية، ثم شارع بغداد وشارع بشارة ومحلات ذات دلالات عربية مثل محلات بشرى ومحل باجنيد إخوان، وهم حضارم لا يزالون يتكلمون العربية. المهم أنهم نجحوا في الاستفادة من توظيف التباين اقتصاديا، فالسائح لكي يصل لأحد هذه الأحياء لا بد أن يمتطي وسيلة نقل ويصرف في هذه الأحياء مبلغا ماليا قل أو كثر، المهم أنه سينفق.

نحن في عالمنا العربي لدينا تباين أهم، ففينا العرب والكرد والتركمان والنوبيون وغيرهم من الأعراق والأديان، ولم ننجح في توظيف ذلك اقتصاديا لنحقق من اختلافنا قوة.. آسف نجحنا في التوظيف، فلا نزال نعتبر حزب البعث العربي حزبا قائدا، ونطمس كل هوية ولهجة، حتى لهجة البربر لم نعترف بها، ولم نعد نعرف هل هي الأمازيغية أم غيرها!

* كاتب اقتصادي