مشكلة التعثر تعيد البنوك المصرية إلى طاولة التحكيم الدولي

إلغاء أكبر تسويتين في أسبوع يربك حسابات رجال الأعمال

TT

أدت حالة التعثر التي يشهدها قطاع الأعمال في مصر إلى ارتباك في بعض البنوك، خاصة تلك التي فشلت في تسوية مديونياتها مع بعض رجال الأعمال المتعثرين، مما أثر بالسلب على أداء القطاع المصرفي الذي خسر في الأسبوع الأخير من العام المالي 2010-2011، والذي انتهى بالفعل في يونيو (حزيران) الماضي، ما يزيد على 5 مليارات جنيه (ما يساوي 840 مليون دولار)، نتيجة للفشل في تسوية العديد من الاتفاقيات بين رجال أعمال مصريين والبنوك، وسط مخاوف من زيادة تلك الخسائر نتيجة مراجعة جميع العقود التي وقعت في السنوات الخمس الأخيرة.

فقد أعلن «بنك مصر» صاحب أكبر محفظة للديون المتعثرة خلال الأيام القليلة الماضية عن إلغاء اتفاقه مع رجل الأعمال المصري رامي لكح الذي تم من خلاله تسوية مديونيات متعثرة مستحقة على لكح تجاوزت قيمتها المليار جنيه على خلفية عدم التزام لكح ببنود التسوية التي وقعها معه البنك في السفارة المصرية بلندن قبل نحو عامين بعد عشر سنوات من النزاع ومماطلته في سداد المديونيات المستحقة عليه، وأقساط الدين.

وفى سياق متصل، انتهت الأسبوع الماضي مهلة الـ90 يوما التي كانت مقررة بين «البنك الأهلي المصري» ورجل الأعمال أحمد بهجت رئيس مجموعة «دريم» (Dream) التجارية لسداد مديونياته له ولـ«بنك مصر»، التي أبرم عقدها قبل ست سنوات، وزاد من مشكلات البنوك المصرية ما تردد من أنباء عن وجود مشكلات أخرى تتعلق بتسوية إبراهيم كامل القيادي بالحزب الوطني المنحل، ورجل الأعمال مجدي يعقوب وآخرين، وهو ما يعيد مشكلات كبار المتعثرين للطفو مجددا على السطح، بعد ما كان الجهاز المصرفي قد انتهى من تسويات مع رجال أعمال تهربوا من دفع القروض قدرت بأكثر من 120 مليار جنيه.

رجال الأعمال المتعثرون ومنهم لكح، أرجعوا عودة التعثر وإلغاء عقود سليمة لتسويات أبرمت معهم إلى أسباب سياسية أكثر منها اقتصادية، وقال لكح لـ«الشرق الأوسط»، إنه سوف يتخذ الإجراءات القضائية ضد «بنك مصر»، لأنه يصفي معه حسابات لصالح خصومه السياسيين، وأشار لكح إلى أنه وقع تسويات أخرى مع بنوك داخل السوق المصرية منها «البنك الأهلي» وملتزم في سدادها، وهو ما دفع «البنك الأهلي» و«بنك البركة مصر» و«العربي الأفريقي» إلى تأجيل بعض الأقساط المستحقة عليه نظرا للظرف الاقتصادي الذي يمر به الوطن، وهو ما لم يفعله «بنك مصر»، لكن مصدرا مسؤولا في «بنك مصر»، رفض الإفصاح عن هويته، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تعثر لكح في السداد يرجع إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وإنه لا صحة لمزاعم لكح بأن أسبابا سياسية وراء مشكلته مع البنك»، مؤكدا أن البنك حصل على قرار من النائب العام المصري لمنعه من السفر الأسبوع الماضي، بعد تقديم ما يثبت صحة موقف البنك القانوني.

من جانبه، قال أحمد سليم، المدير بـ«البنك العربي الأفريقي الدولي»، إن التسويات التي تبرم مع المتعثرين أمر طبيعي تقوم به كل البنوك في العالم، مشيرا إلى أن مشكلة التعثر حدثت في فترة كانت الرقابة المالية والإدارية فيها ضعيفة، بالإضافة إلى مظاهر الخلل التي كانت موجودة في البنوك وقت إبرام تلك العقود، وأوضح أن التعثر لا عيب فيه، أما الخروج من دائرة التعثر إلى التلاعب والاحتيال والنصب والرشوة فهو دائرة الخطر التي لا يحسم فيها إلا القانون وأن يؤخذ كل امرئ بجنايته، وأرجع سليم سبب تعثر بعض التسويات إلى إبرامها دون النظر إلى تاريخ بعض رجال الأعمال جيدا وشخصياتهم ومواقفهم السابقة، وهو ما يعيد الأمور في الجهاز المصرفي المصري إلى ما كانت عليه قبل عدة سنوات.

حيث يعتبرها البعض الأسوأ في تاريخه من حيث انتشار الرشوة والفساد وانعدام الرقابة.

وقد ترتب على مشكلة التعثر الحالية رفع أول طلب للتحكيم الدولي بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، حيث تقدم رجل الأعمال المصري الشهير أحمد بهجت بصفته الممثل القانوني لشركات مجموعة «دريم»، بطلب للتحكيم الدولي ضد كل من «البنك الأهلي المصري» و«بنك مصر» و«بنك الإسكندرية» بسبب إخلالها، على حد وصفه، بعدد من بنود التسوية الموقعة معه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004.

وقال مستشار بهجت القانوني يحيى قدري، لـ«الشرق الأوسط»: «إن من أهم الأسباب التي استندت لها الدعوى تحميل عدد من الشركات التابعة للمجموعة بآثار قروض منحت لأخرى، منبتة الصلة بها من حيث المساهمات والغرض التجاري»، قدري، الذي يتولى مكتبه مع مكتب محمد سليم العوا، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، الدفاع عن بهجت في قضية التحكيم، التي أخطرت بها البنوك، قال إنه تم إدخال بعض البنود على التسوية في وقت لاحق، وتمت الاستجابة لها من قبل بهجت تحت ضغط مرضه، ووضع اسمه في قوائم الممنوعين من السفر، واتهم بهجت في الدعوى التي تقدم بها إلى مركز القاهرة للتحكيم الدولي البنوك بعرقلة الشركات محل الاتفاق من تسويق الأراضي أو إتمام إقامة منشآت عليها والتصرف فيها، وهو ما عطل سداد المديونية المقدرة بـ4 مليارات جنيه على المجموعة، ووصلت في الوقت الحالي إلى ما يزيد على 3 مليارات جنيه.

وما بين لكح وبهجت هناك العديد من رجال الأعمال المصريين المتعثرين، مما لا يزيد فقط من أعباء الاقتصاد المصري في الفترة الراهنة، بل يؤثر أيضا على قدرة البنوك المحلية في ضخ دماء جديدة في شرايين السوق المصرية في محاولة لإنعاشها مرة أخرى.