البنك الدولي يفتح كنزه الثمين من البيانات الاقتصادية

رئيسه أكد أن أثمن شيء في المؤسسة العالمية ليست الأموال.. بل المعلومات

مقر البنك الدولي (نيويورك تايمز)
TT

أقلعت طائرة «بايبر - بي إيه 31» في صباح يوم حار بميامي واتجهت صوب الجنوب إلى البحر الكاريبي، وأعلى هاييتي بدأت آلات التصوير التي تحملها تلتقط الصور. مؤسسة مالية هي التي كانت تقف وراء هذه المهمة الاستطلاعية، وهي البنك الدولي، رمز العولمة والذي يبدو لكثيرين رمزا لعجرفة الدول الغنية.

لكن المهمة لم تكن سرية، بل على العكس، فقد تم تحميل الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها في ذلك الصباح في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2010، عقب زلزال قوي ضرب أغلب أنحاء بورت أوبرنس على شبكة الإنترنت ليراه الجميع مصحوبا بدعوة لمساعدة المتخصصين في البنك الدولي في تقدير الخسائر والتوصل إلى كيفية تقديم العون لهاييتي. ومثلت هذه الدعوة نقلة كبيرة بالنسبة للبنك الدولي الذي كثيرا ما يكون منغلقا على ذاته والذي وُصف مثل صندوق النقد الدولي بالغرور والتكبر وعدم الكفاءة. كما نرى، يريد البنك الدولي من العالم أن يعرف أنه يتوجه بمشقة نحو انفتاح يبدو بطيئا في بعض الأحيان.

وقد تصدرت أخبار صندوق النقد الدولي العناوين الرئيسية في الصحف، خصوصا الصحف الصفراء بعد اتهام دومينيك ستروس - كان بالاعتداء الجنسي على عاملة نظافة في أحد فنادق منهاتن. بدأت تشابكات خيوط هذا الاتهام تنحل يوم الجمعة الماضي عندما تشكك ممثلو الادعاء العام في صدق الضحية. بالطبع لن يعود ستروس إلى منصبه كرئيس لصندوق النقد الدولي، فقد أعلن الصندوق الأسبوع الماضي تولي وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد للمنصب.

لكن في الوقت الذي ينشغل فيه الصندوق بتلك الفضيحة وبأزمة الديون التي تواجه أوروبا حاليا، يواجه مسؤولون في مقر البنك الدولي أسئلة وجودية، على رأسها: ما الذي نفعله هنا بالضبط؟

الدور التقليدي المنوط بالبنك الدولي هو تمويل مشروعات محددة تدعم التنمية الاقتصادية، بينما هدف صندوق النقد الدولي حماية النظام النقدي العالمي. لكن يتساءل كثيرون، خصوصا في الدول النامية، ما إذا كانت الإرشادات والنصائح الاقتصادية التي تقدمها هاتان المؤسستان الماليتان من واشنطن، التي تسير في اتجاه تحرير الاقتصاد والخصخصة ورفع القيود، قد أنجزت أي شيء سوى خدمة مصالح الدول الغنية مثل الولايات المتحدة. ويؤكد تشجيع صندوق النقد الدولي للإجراءات التقشفية، التي تتخذها اليونان والتي تثير سخط الشعب والتي أسفرت عن استمرار المظاهرات الأسبوع الماضي، هذه الفكرة. ربما يكون من المفاجئ أن يقول روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي وأحد مسؤولي السلك الدبلوماسي وأفراد النخبة من الجمهوريين في السياسة الخارجية، إن العملة الأعلى قيمة للبنك الدولي ليست الأموال، بل المعلومات.

الجدير بالذكر أن البنك الدولي ساعد منذ إنشائه عام 1944 وتولي شخصية أميركية رئاسته، وهو ما بات عرفا في ما بعد، في تمويل عملية إعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب. منذ ذلك الحين منح البنك الدولي قروضا تقدر بتريليونات لتمويل مجموعة متنوعة من المشروعات سواء لإقامة مؤسسات مثل المدارس والمستشفيات أو البنية التحتية مثل الطرق أو لتمويل مشروعات يثار جدل حول ما ينتج عنها من أضرار على البيئة مثل المصانع التي تعمل بالفحم والسدود التي تولد طاقة كهربائية من المياه. وحاول البنك الدولي، شأنه في ذلك شأن صندوق النقد الدولي، إصلاح اقتصاد الكثير من البلاد، وهو ما كان يؤدي إلى نتائج كارثية في بعض الأحيان.

لكن رحلات الطيران إلى هاييتي كانت مؤشرا لثورة هادئة تجتاح هذه المؤسسة غير الآبهة. وقد حلل أكثر من 600 مهندس في 21 دولة البيانات التي تم تجميعها من هاييتي والاستنتاجات التي توصل البنك إليها، خصوصا المناطق التي تحتاج إلى إعادة إعمار وتستعين بها حكومة هاييتي ومنظمات الإغاثة والشركات فضلا عن مؤسسات أخرى.

يقول ستيوارت جيل المتخصص في علوم الحاسب ومنسق المشروع لشؤون الحد من الكوارث واستعادة البيانات المفقودة: «كان الأمر أشبه برعاة البقر في الغرب الأميركي من حيث حدود المشروع وما كنا نستطيع القيام به».

أخيرا يتيح البنك الدولي الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه برج عاجي بلا نوافذ معلومات هائلة. صحيح أن البنك ما زال يمنح سنويا قروضا بقيمة 170 مليار دولار، لكنه يكرس منافسته لكل من «وول ستريت» وحكومات الدول ومصارف التنمية المحلية الأصغر التي لديها أموال أكثر لتقدمها على النفوذ والسلطة. لم يعد البنك الدولي هو المنفذ الوحيد.

ويمتلك زوليك البالغ من العمر 57 عاما الكثير من المعلومات. يصدر البنك الدولي البيانات منذ ما يزيد عن عام، لكنه يتيحها حاليا مجانا لأكثر من 7 آلاف، بينما كانت متاحة لـ140 ألف مشترك أكثرهم من الحكومات والباحثين الذين يدفعون مقابل الحصول عليها.

وتتضمن قاعدة البيانات كل أنواع المعلومات الخاصة بالدول النامية سواء كان ذلك إحصاءات اقتصادية عادية مثل إجمالي الناتج المحلي وتضخم سعر السلع للمستهلك وما شابه أو معلومات غريبة مثل عدد النساء اللاتي يرضعن أبناءهن في بيرو.

إنه كنز ليس له مثيل في العالم، واتضح أنه ذو قيمة عالية. أيا كانت دقة المعلومات أو مدى تحيزها فهي تحدد ملامح الواقع الاقتصادي لمليارات من البشر وتستخدم في وضع السياسات وصناعة قرارات لها تأثير كبير على حياتهم. يقول زوليك إن انفتاح البنك الدولي الجديد خطوة من أجل التنافس سواء داخليا أو خارجيا، بينما يعمل على الحد من الفقر ودعم التنمية الاقتصادية.

* خدمة «نيويورك تايمز»