المدير العام لصندوق «أوبك» للتنمية الدولية: ننفذ أهداف القضاء على الفقر بصمت.. ومليار دولار جديد سيضاف إلى مواردنا

سليمان الحربش لـ«الشرق الأوسط»: الملك عبد الله أول زعيم عالمي يضع مشكلة «فقر الطاقة» على مائدة المفاوضات الدولية

سليمان جاسر الحربش
TT

بدا سليمان جاسر الحربش المدير العام لصندوق أوبك للتنمية الدولية الذي يطلق عليه اختصارا «أوفيد» مرتاحا لأداء الصندوق في سنواته الـ35 التي مضت على تأسيسه، وهو يجيب على أسئلة «الشرق الأوسط» التي حاورته في لندن حول دور الصندوق والخدمات الإنسانية التي يضطلع بها وعلى رأسها تنفيذ مبادرة خادم الحرمين بالقضاء على «فقر الطاقة» في الدول الأقل حظا في التنمية. ووصف الدكتور الحربش مبادرة القضاء على «فقر الطاقة» بأنها لمسة بارعة من خادم الحرمين. وحينما سألت «الشرق الأوسط» سليمان الحربش الذي قضى نصف عمره في وزارة البترول و«أوبك» متنقلا في مناصب رئيسية، في ختام اللقاء عن جدوى قرار وكالة الطاقة الدولية الأخير بضخ 60 مليون برميل من المخزونات الاستراتيجية للدول الأعضاء في الأسواق، تبسم الدكتور الحربش قائلا: «هذه الكمية لا تفي بأكثر من استهلاك 16 ساعة على مستوى العالم وإذا أردت أن تحدث استقرارا حقيقيا في السوق النفطية، فأبعدها عن السياسة وطموحات السياسيين ولا شيء غير ذلك». وقال إن الذي يضمن استقرار السوق النفطية هو استعداد دول «أوبك» أو بعضها على الأصح في بناء طاقات إنتاجية يعول عليها عند الحاجة.

* ما هي المهام التي يضطلع بها صندوق أوبك للتنمية الدولية «أوفيد»؟

- صندوق أوبك للتنمية الدولية أسس في 28 يناير (كانون الثاني) عام 1976 لتقديم قروض ميسرة لتمويل مشاريع وبرامج تنموية ودعم موازين المدفوعات والمشاركة في تمويل شركات القطاع الخاص قي الدول النامية وتقديم المنح، وقد وسع الصندوق نشاطاته مؤخرا. ويلاحظ أن «أوفيد» يخدم دول العالم النامي دون استثناء للدين والعرق والجنس. ونفذنا حتى الآن مشاريع في 130 دولة نامية في مجالات الصحة والتعليم والبنى الأساسية. نحن الآن نحتفل بمرور 35 سنة على تأسيس «أوفيد». واحتفاء بهذه المناسبة قرر أعضاء المجلس الوزاري، وزراء مالية الدول الأعضاء في أوبك، في اجتماعهم المنعقد في 16 يونيو (حزيران) زيادة موارد الصندوق بمقدار مليار دولار. هذه الزيادة أتت في موعدها نظرا لازدياد الطلب على موارد الصندوق. وهذا الطلب مبعثه زيادة الفقر في الدول النامية وعلى وجه الخصوص الدول المنخفضة الدخل. والجدير بالذكر أن هذه الدول تحظى بالنصيب الأوفر من نشاط «أوفيد».

هنالك أيضا باعث آخر على قرار أعضاء المجلس الوزاري وهو التزام «أوفيد» بتنفيذ قرار قمة «أوبك» الثالثة التي عقدت في مدينة الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007. وقررت القمة على وجه التحديد المساهمة في اجتثاث فقر الطاقة. هذا القرار ازداد أهمية عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مدينة جدة في 23 يوليو (تموز) عام 2008 مبادرته «توفير الطاقة للفقراء». هذه المبادرة لقيت قبولا وتأييدا من كافة المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الدولية ومنتدى الطاقة العالمي الذي يوجد مقره في الرياض، ثم أصبحت جزءا لا يتجزأ من مقررات مجموعة العشرين.

لقد دعا الملك عبد الله إلى النظر في تخصيص مليار دولار مساهمة من «أوفيد» في توفير الطاقة للفقراء. ونحن في «أوفيد» اعتبرنا أن هذا توجيه وما سبقه في بيان «قمة أوبك» في الرياض يعد جزءا لا يتجزأ من التفويض الذي ننفذه نيابة عن دولنا. ولقد شرعنا في تنفيذ مشروع «الطاقة للفقراء» بوتيرة أسرع مما درجنا عليه خلال الأعوام السابقة في قمة «أوبك». ولتوضيح ذلك فإن نسبة ما التزمنا به لمشاريع الطاقة للفقراء ازداد خلال السنوات الثلاث الماضية إلى 26% من نشاطنا مقارنة بنسبة 19% قبل صدور قرار «قمة أوبك» ومبادرة خادم الحرمين.

* ما هي المشاريع التي نفذها «أوفيد»؟

- نحن في «أوفيد» لا نتغنى بالشعارات التي أثقلت كاهل الفقراء وإنما نقوم بالتعاون مع كافة المنظمات التنموية والمؤسسات الدولية وشركات الطاقة بتنفيذ مشاريع الطاقة وبالذات توفير الإمدادات الكهربائية في الدول التي نتعامل معها. أكثر من ذلك فقد أسسنا مؤخرا بموافقة المجلس الوزاري حسابا خاصا في برنامج المنح لمكافحة «فقر الطاقة» في المناطق النائية التي لا توجد بها وسائل الربط الكهربائي وذلك بالتعاون مع شركة «شل»، وشمل هذا المشروع نيجيريا وكينيا وتنزانيا.

* وماذا عن التعليم والصحة؟

- أعطى «أوفيد» اهتماما أوسع لقضية «فقر الطاقة» لأنه نابع من حقيقة أن الطاقة لم تدخل في أهداف الألفية الثمانية، بينما من المستحيل تنفيذ تلك الأهداف من دون توفير الطاقة. أما التعليم والصحة فإنهما استأثرا على 15% من نشاط «أوفيد» خلال السنوات الـ35 الماضية. وتتعدد أساليب المساعدة في حقل التعليم، فهي تشمل على سبيل المثال تمويل بناء المدارس في اليمن وبناء سكن للطالبات في جامعة أفريقيا في الخرطوم وتخصيص منحتين دراسيتين في برنامج الماجستير لدراسة أي موضوع يدخل تحت برنامج التنمية المستدامة. ولقد قدمنا منذ بدء البرنامج 6 منح حاز عليها طلبة من الفلبين وباكستان وغانا وأوغندا وساحل العاج. كما قدمنا أيضا الجائزة السنوية هذا العام ومقدارها 100 ألف دولار للجراح الدكتور مازن الهاجري من دولة الإمارات العربية المتحدة الذي تبرع بخبرته وماله ووقته في إجراء عمليات زرع القوقعة لاستعادة السمع عند الأطفال حديثي الولادة في قطاع غزة ومنهم من فقد حاسة السمع أثناء القصف الإسرائيلي للقطاع.

* هل تنعكس خلافات «أوبك» على أداء الصندوق؟

- لا، أبدا، لأن الصندوق يدار من قبل وزراء المالية في الدول الأعضاء في «أوبك»، ولدينا مجلس المحافظين يجتمع في العام 4 مرات ومهمته الأساسية المصادقة على المشاريع.

* هل تقترحون المشاريع التي تقومون بتمويلها؟

- لا، نحن في «أوفيد» نحترم إرادة الدول المستفيدة، بمعنى أنها هي التي تتقدم إلينا بمشاريعها الواردة في خططها الاقتصادية. ولذلك عندما تلاحظ أن مشاريع الطرق أخذت أكبر نسبة في التزاماتنا التمويلية في السنوات الماضية فإن ذلك يعود إلى أن هذه الدول أعطت أولوية خاصة لهذا النوع من المشاريع.

* ما هي الكيفية التي تنفذون بها المشاريع؟

- حينما نتسلم المشروع من الدولة المعنية يدخل هذا المشروع فيما يسمى لدينا بدورة المشروع. والحقيقة أن ما نتسلمه من الدولة هو دراسة جدوى، تخضع للدراسة والمراجعة والتحليل من قبل إدارات «أوفيد» المختصة إلى أن تنتهي في مجلس المحافظين للمصادقة عليها. وعندما يتم المصادقة عليها نقوم فورا بالاتصال بالدولة المعنية لدعوتهم لترتيب موعد لتوقيع الاتفاقية.

* هل أنت راض عن وتيرة العمل مع الدول المستفيدة من مشروعات «أوفيد»؟

- نعم، ويكفي أن تعرف أن نسبة التسديد لقروضنا الميسرة لا تقل عن 97%.

* هل تمولون المشروع المقدم إليكم كاملا؟

- لا، في معظم الأحوال يتم تمويل المشروعات من قبل الكثير من مؤسسات التنمية الأخرى، ولهذا الغرض وقعنا مذكرات تفاهم مع عدد من المؤسسات التنموية مثل البنك الدولي والصندوق العالمي للتنمية الزراعية (إيفاد) وصندوق باندأيدز في فنزويلا والصندوق الآسيوي للتنمية والصندوق الأميركي. وفي الأسبوع المقبل سأوقع في فيينا اتفاقية مع الصندوق العربي الأفريقي (باديا).

* وماذا عن السياسة الإعلامية في «أوفيد»؟

- كلما سئلت هذا السؤال قفز إلى ذهني البرقية التي وافق فيها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (رحمه الله) على ترشيحي لمنصب مدير عام «أوفيد»، إذ ورد فيها عبارة يبدو أن الملك أملاها بنفسه ويقول فيها «غير أننا لم نسمع عن نشاط الصندوق ولا عن الدول التي يساعدها»، وربما يعود ذلك إلى النقص في الجانب الإعلامي، بل إن الملك وجه هذا الكلام إلى وزير البترول وليس إلى وزير المالية. وبناء على ذلك بدأنا تنظيم حملات إعلامية اعتبارا من 2004، بعد 3 أشهر من تعييني للتعريف بصندوق أوبك للتنمية الدولية «أوفيد» والبرامج التي ينفذها، كما أدخلنا برامج المنح الدراسية والجائزة السنوية والكثير من المعارض الفنية وتكثيف المشاركة في المؤتمرات الدولية وتعزيز إدارة المعلومات لدينا. كما شمل البرنامج التعريفي كذلك تنظيم الكثير من الورش والندوات التي استضفناها على مدى الأعوام السابقة. وطرحنا الشعار الجديد لـ«أوفيد».

* دعنا ننتقل للنفط، قررت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية ضخ 60 مليون برميل في الأسواق طوال الشهر الحالي لخفض أسعار النفط. ما تعليقكم على ذلك؟

- ابتسم الدكتور الحربش الذي قضى نصف عمره في وزارة البترول و«أوبك» متنقلا بين مناصب رفيعة في صناعة النفط السعودية، وقال: هذه الكمية لا تفي بأكثر من 16 ساعة من استهلاك العالم النفطي في اليوم، إذا أردت أن تحدث استقرارا حقيقيا في السوق النفطية العالمية، فأبعد النفط عن السياسة وطموحات السياسيين ولا شيء غير ذلك.

* ما هي في نظرك العوامل الرئيسية التي تحدث الاستقرار في السوق النفطية؟

- نحن في عالم متداخل ومتشابك المصالح، كنا في البداية نتبادل الاتهامات، ثم انتهى بنا المطاف إلى أن الحوار وتبادل المعلومات والشفافية هي الوسائل الكفيلة بتحقيق استقرار أسواق الطاقة، ولذلك كان من المنطقي أن يدعو الملك عبد الله إلى إنشاء سكرتارية دائمة لمنتدى الطاقة العالمي في الرياض، هذا المنتدى هو الساحة المثلى لتبادل الرأي ومنع حدوث أزمات. دعني أذكرك أن «أوبك» منذ 50 عاما تعهدت بتوفير الإمدادات النفطية للسوق، لكننا في الوقت الحاضر نعرف تماما أنه لا بد لسياسة تأمين الإمدادات من قبل الدول المنتجة أن يقابلها أمن الطلب من الدول المستهلكة لكي تتمكن الدول المنتجة من بناء خططها الإنتاجية في ضوء ما تستطيع أن تسوقه في المستقبل. كلنا على يقين أن بدائل الطاقة في طريقها للاستئثار بنصيب أكبر مما هو عليه الآن في سوق الطاقة، لكن ما يشوه الصورة هو عندما تختلط الشعارات بالهدف الحقيقي.

دعني أقول لك إن الذي يضمن استقرار السوق هو استعداد الدول الأعضاء في أوبك أو بعضها على الأصح الاستثمار في بناء طاقات إنتاجية يعول عليها عند الحاجة. ومعروف أن معظم الطاقات الإنتاجية التي يمكن التعويل عليها في السعودية.

* ولكن أليس بناء طاقة إنتاجية مكلفا، خاصة إذا كانت بعض هذه الطاقات لا تستخدم إلا في أوقات زيادة الطلب؟

- معروف أن بناء الطاقة الإنتاجية مكلف كثيرا، وعلى سبيل المثال، فإن تكلفة استكشاف وتطوير برميل من النفط في طاقة إنتاجية مقدارها 500 ألف برميل يوميا تبلغ ما بين 15 إلى 20 ألف دولار.

* ولكن هل تقدر الدول المستهلكة ذلك؟

- بالتأكيد كل العاملين في صناعة البترول لا يشككون في تضافر الجهود لاستقرار السوق النفطية ومن ذلك وجود طاقة إنتاجية يلجأ إليها عند اللزوم، ولكن الأهم من ذلك أن تقدر الدول المستهلكة ما تتكبده الدول المنتجة من مبالغ طائلة لبناء الطاقات الإنتاجية، بدلا من استخدام تلك المبالغ في برامج التنمية الاقتصادية.