الأسواق غير مقتنعة بحلول أزمة اليونان وسط مخاوف من التداعيات

ارتفاع كبير في تأمين الديون من 540 ألفا إلى 2.3 مليون دولار لكل 10 ملايين يورو

أثار البحث مخاوف كثيرة من تداعيات أزمة ديون اليونان (إ.ب.أ)
TT

في تطور مثير ومؤشر خطير على أن المستثمرين الكبار من بنوك وصناديق استثمارية ليست مقتنعة بالترتيبات التي وضعت لحل أزمة ديون اليونان، ارتفعت كلفة التأمين على سندات ديون اليونان أمس بمعدل كبير، حيث بلغ 2.3 مليون دولار لحزمة سندات قيمتها 10 ملايين يورو. وكانت كلفة التأمين على هذه الحزمة تبلغ 540 ألف دولار حتى في ذروة الأزمة الأولى في يونيو (حزيران) من العام الماضي 2010. وذلك حسب بحث كتبه الدكتور مارتن ويس ونشرته نشرة «موني آند ماركتس». وعادة ما تؤمن البنوك والشركات الاستثمارية قروضها ضد التخلف عن السداد، وهو ما يطلق عليه كلفة التأمين.

وأثار البحث مخاوف كثيرة من تداعيات أزمة ديون اليونان، وقال: «ربما تكون ديون اليونان البالغة 330 مليار يورو (تساوي 150% من الناتج المحلي لليونان) ليست بالضخامة التي تتسبب في كارثة مالية عالمية مثل تلك التي أحدثها مصرف ليمان براذرز في عام 2008، ولكن تداعيات إفلاس اليونان أو تخلفها عن تسديد خدمة سندات الديون ستجر الأسواق المالية نحو الهاوية». وأضاف: «سيحدث ذلك ببساطة لأنه بمجرد ما تعرف الأسواق أن اليونان تخلفت عن سداد الفوائد أو خدمة الديون، سيهرب المستثمرون من سوق سندات منطقة اليورو، خصوصا سندات الدول الضعيفة مثل البرتغال وإسبانيا». وقال إن هذا جزء فقط من الكارثة التي ستواجهها الحكومات الغربية، فالجزء الأكثر خطورة من التداعيات سيأتي من البنوك الغربية وعلى رأسها البنوك الأوروبية، بما في ذلك بنوك «وول ستريت» العملاقة التي تاجرت بكثافة في تأمين سندات الديون الأوروبية في الأسواق الأوروبية، في ما يعرف بالرهونات المستقبلية في سوق تبادل سندات الديون.

إلى ذلك قالت مصادر مطلعة في لندن لـ«رويترز» إن بنوكا دولية سوف تجتمع في باريس لمناقشة خطة اقترحتها فرنسا لمشاركة القطاع الخاص في جهود إنقاذ اليونان. وأضافت المصادر أن معهد التمويل الدولي سيشرف على اجتماع البنوك. وقال المعهد يوم الجمعة إن بنوكا أيدت مقترحات مساعدة اليونان وتدرس عددا من الخيارات وإن المصرفيين يعملون على وضع تفاصيل تلك الخيارات. ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من المعهد.

واقترحت البنوك الفرنسية، وهي من أكبر المتملكين للسندات السيادية اليونانية، تمديد أجل استحقاق السندات طواعية عندما يحين أجلها لكن بشروط مختلفة. وقالت المصادر إن الحصول على إيضاحات بشأن المعاملة المحاسبية لخطة فرنسا يظل عاملا هاما للحصول على زخم. وأعرب سياسيون ومصرفيون في الأسبوع الماضي عن ثقتهم في أن المقترح الفرنسي لن يؤدي إلى التخلف عن السداد، لكن وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني قالت يوم الاثنين إن الخطة ستحمل حائزي السندات خسائر، ومن المرجح أن تمنح اليونان تصنيف «تخلف اختياري مؤقت عن السداد». وبمقتضى الخطة الفرنسية فإن حائزي السندات سيعيدون استثمار 70 في المائة على الأقل من عائدات السندات التي يستحق أجلها في الفترة من الآن وحتى نهاية 2014 في سندات يونانية جديدة لأجل 30 عاما. ويلعب معهد التمويل الدولي الذي يمثل شركات تأمين ومؤسسات مالية أخرى وبنوكا بينها «بي إن بي باريبا» و«دويتشه بنك» و«إتش إس بي سي» و«سوسيتيه جنرال»، دورا غير رسمي في التنسيق بين البنوك العالمية للتوصل إلى توافق حول مشاركة القطاع الخاص في خطة إنقاذ اليونان المثقلة بالديون.

وفي فرانكفورت قال مصرفيون إن وكالات التصنيف الائتماني ستلعب أيضا دورا حاسما في أزمة اليونان، وذلك لأن الحزمة الثانية المنتظرة لمساعدة اليونان ضد الإفلاس تقوم بشكل أساسي على إشراك القطاع الخاص والبنوك وشركات التأمين في توفير مبلغ الـ120 مليار يورو الذي تمثله هذه الحزمة الهائلة من المساعدات. ويخشى صناع القرار السياسي وأسواق المال من أن تقيم أشهر وكالات للتصنيف الائتماني في العالم وهي «ستاندرد أند بورز» و«إس أند بي» و«موديز» و«فيتش» هذا الإشراك على أنه عجز عن الدفع سواء بالنسبة لجميع السندات المالية اليونانية أو على الأقل لبعضها، وهو ما من شأنه أن يثير سلسلة من التفاعلات يشبهها بعض الخبراء بما حدث من تطورات كارثية في أعقاب إفلاس مصرف ليمان براذرز الاستثماري الأميركي في خريف عام 2008. ومن الممكن أن يؤدي «العجز عن الدفع» إلى تداعيات لأنه سيستوجب دفع تأمينات طائلة على القروض التي لم تسدد، ومن الصعب حساب عواقب مثل هذا الخطر. وربما لم تستطع البنوك عندئذ اعتبار السندات اليونانية رأسمال خاصا بها، وهو ما من شأنه أن يدفع بالنظام المصرفي في اليونان للانهيار وربما أدى أيضا إلى مخاطر انتقال هذه العدوى إلى دول أخرى مثل البرتغال وآيرلندا وإسبانيا أو حتى إيطاليا. إن حجم نفوذ وكالات التصنيف الائتماني هائل.

وتتخذ جميع هذه الوكالات من الولايات المتحدة مقرا لها، ولا تمثل مرجعا لصغار المستثمرين وحدهم، بل تعتمد على تقديراتها أيضا هيئات حكومية معنية بالرقابة المالية، وكذلك بنوك الإصدار مثل البنك المركزي الأوروبي.