«تسونامي ديون اليورو» يغرق اليونان والبرتغال.. وتداعياته تطال إيطاليا

العملة الأوروبية في أدنى مستوياتها.. وتراجع كبير لأسهم البنوك الإسبانية.. والمستثمرون يبتعدون عن البرتغال

جانب من بورصة فرانكفورت، وتعكس الشاشة الهبوط الحاد الذي أصاب الأسهم الأوروبية (رويترز)
TT

في مؤشر خطير على أن عدوى أزمة ديون اليونان بدأت تنتقل إلى باقي دول منطقة اليورو، تسابق المستثمرون أمس على بيع الأسهم الأوروبية والابتعاد عن سندات ديون دول منطقة اليورو الضعيفة. وقال مستثمرون إن الأسواق المالية تقترب من أزمة حقيقية بعد أسبوع من إجازة البرلمان اليوناني لخطة التقشف وصرف القسط الأخير من خطة الإنقاذ الأولى. فالأسواق تمر الآن بمرحلة خطرة تشبه إلى حد ما بالونا منتفخا في حجرة مليئة بأمواس الحلاقة. ومما فاقم أزمة الأسواق إعلان وكالة «ستاندرد أند بورز» بأنها ستعتبر أي خطة لتأجيل موعد استحقاق السندات اليونانية من قبل البنوك الدائنة، بمثابة تخلف عن السداد. وهو حل كانت تعول عليه ألمانيا وفرنسا في دعم خطة الإنقاذ الثانية لليونان. كما أعلنت وكالة التصنيف «موديز» كذلك أول من أمس عن خفض سندات البرتغال إلى Ba2، وهو ما يعني أنها باتت «سندات عالية المخاطر». وأدى ذلك إلى احتمال أن البرتغال قد تحتاج إلى حزمة إنقاذ جديدة وسط عزوف المستثمرين عن شراء سندات البرتغال وإيطاليا. ورفعت احتمالات عدم سداد البرتغال لخدمة الديون من نسبة الفائدة على السندات في أسواق المضاربة. ويأتي هذا التخفيض لسندات الديون البرتغالية بعد شهرين فقط من حزمة الإنقاذ البالغة 78 مليار يورو التي قدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذها من الإفلاس. علاوة على ذلك من المرجح أن تؤثر الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في التعامل مع عجز الميزانية والخلاف بشأن طريقة رفع سقف الدَّين على الدولار بشكل سلبي أمام هذه التداعيات سجل اليورو أكبر انخفاض له مقابل كل من الجنيه الإسترليني والدولار والفرنك السويسري. وتراجع اليورو في تعاملات أمس 0.4 في المائة إلى 1.4370 دولار، إذ باع المستثمرون العملة الأوروبية الموحدة بعد ارتفاع عوائد السندات الحكومية البرتغالية والإسبانية والإيطالية مقارنة بالسندات الألمانية. وبسبب تنامي القلق بشأن التمويل في البرتغال، مما رجح احتمال أن يقوم المستثمرون بالبيع والهروب إلى الدولار والفرنك السويسري والذهب. وهبط اليورو 0.3 في المائة أمام الفرنك السويسري إلى 1.2091 فرنك.

وسجلت أسواق السندات ارتفاعا قياسيا في كلفة التمويل الإيطالية، حيث ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاث سنوات إلى 5.1%، وانخفض المؤشر الرئيسي الذي يقيس الأسهم البرتغالية إلى 2.5%، بينما هبطت الأسهم الإيطالية والإسبانية بنسبة واحد في المائة لكل منهما في جلسات الافتتاح. وفي أكبر دليل على أن المستثمرين الكبار من بنوك وصناديق استثمارية باتت غير مقتنعة بالترتيبات التي وضعت لحل أزمة ديون منطقة اليورو، ارتفعت كلفة التأمين على سندات ديون اليونان أمس بمعدل كبير. حيث بلغت 2.3 مليون دولار لحزمة سندات قيمتها 10 ملايين يورو. وكانت كلفة التأمين على هذه الحزمة تبلغ 540 ألف دولار حتى في ذروة الأزمة الأولى في يونيو (حزيران) من العام الماضي 2010، بينما رفض المستثمرون شراء سندات الديون البرتغالية، وهو ما يعني عمليا أن البرتغال باتت قادرة على الحصول على تمويل من البنوك وصناديق الاستثمار للصرف على الانفاق. وأدى ذلك بالتالي إلى رفع كلفة تأمين الديون البرتغالية إلى أعلى مستويات قياسية.

ومن جهة الأسواق تفاعلت تداعيات الديون البرتغالية أمس لتضرب أسهم البنوك الأوروبية بقوة في أسواق المال، حيث فقدت أسهمها 2.0% من قيمتها في التداولات التي جرت وسط النهار. وكانت البنوك الإسبانية التي أقرضت البرتغال نحو 82 مليار دولار أكثر البنوك الأوروبية تعرضا للخسائر. وفي المقابل فإن البنوك البريطانية كانت الأقل تعرضا للخسائر، حيث أقرضت البرتغال نحو 25 مليار دولار، وذلك حسب الإحصائيات التي أوردها بنك التسويات الدولية.

وتداعيات الأزمة المالية الأوروبية لم تقف عند البرتغال، فقد وجه المستثمرون أنظارهم إلى إيطاليا كدولة عالية المخاطر ومحتمل أن تواجه أزمة ديون في المستقبل. وذلك في أعقاب إحصائيات اقتصادية أظهرت أن قطاع الخدمات ينكمش في إيطاليا لأول مرة منذ خمسة أشهر، إضافة إلى فشل حكومة سيلفيو برلسكوني في توفير مبلغ 43 مليار يورو ضمن خطة التقشف. وكانت كل من وكالتي «موديز» و«ستاندرد أند بورز» للتصنيف قد خفضت التصنيف المستقبلي للديون السيادية لإيطاليا إلى سلبي بسبب تزايد العجز في الميزانية. وباتت الأسواق الآن لا تستبعد أن تمتد عدوى الديون إلى إيطاليا بعد إسبانيا.

وحسب بحث كتبه الدكتور مارتن ويس الباحث والمستثمر الأميركي ونشرته نشرة «موني آند ماركتس» فإن تداعيات أزمة الديون لن تقف عند اليونان والبرتغال وإيطاليا وإنما ستسمم النظام المصرفي والأسواق المالية بأكملها. وقال: «ربما تكون ديون اليونان البالغة 330 مليار يورو (وتساوي 150% من الناتج المحلي لليونان) ليست بالضخامة التي تتسبب في كارثة مالية عالمية مثل تلك التي أحدثها مصرف ليمان براذرز في عام 2008، ولكن تداعيات إفلاس اليونان أو تخلفها عن تسديد خدمة سندات الديون ستجر الأسواق المالية نحو الهاوية». وأضاف: «سيحدث ذلك ببساطة لأنه بمجرد ما تعرف الأسواق أن اليونان تخلفت عن سداد الفوائد أو خدمة الديون، سيهرب المستثمرون من (سوق سندات منطقة اليورو)، خصوصا سندات الدول الضعيفة مثل البرتغال وإسبانيا». وقال إن هذا جزء فقط من الكارثة التي ستواجهها الحكومات الغربية، فالجزء الأكثر خطورة من التداعيات سيأتي من البنوك الغربية وعلى رأسها البنوك الأوروبية، بما في ذلك بنوك «وول ستريت» العملاقة التي تاجرت بكثافة في تأمين سندات الديون الأوروبية في الأسواق الأوروبية في ما يعرف بالرهونات المستقبلية في سوق تبادل سندات الديون.

إلى ذلك قالت مصادر مطلعة في لندن إن البنوك الدولية التي اجتمعت في باريس مساء لمناقشة خطة اقترحتها فرنسا لمشاركة القطاع الخاص في جهود إنقاذ اليونان لم تتوصل إلى اتفاق نهائي. وأضافت المصادر أن معهد التمويل الدولي الذي أشرف على اجتماع البنوك قال إن بنوكا أيدت مقترحات مساعدة اليونان وتدرس عددا من الخيارات، وإن المصرفيين يعملون على وضع تفاصيل تلك الخيارات.

واقترحت البنوك الفرنسية، وهي من أكبر المتملكين للسندات السيادية اليونانية، تمديد أجل استحقاق السندات طواعية عندما يحين أجلها لكن بشروط مختلفة. وقالت المصادر إن الحصول على إيضاحات بشأن المعاملة المحاسبية لخطة فرنسا يظل عاملا هاما للحصول على تأييد للخطة. وأعرب سياسيون ومصرفيون في الأسبوع الماضي عن ثقتهم في أن المقترح الفرنسي لن يؤدي إلى التخلف عن السداد، لكن وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني قالت يوم الاثنين إن الخطة ستحمل حائزي السندات خسائر، ومن المرجح أن تمنح اليونان تصنيف «تخلف اختياري مؤقت عن السداد». وبمقتضى الخطة الفرنسية فإن حائزي السندات سيعيدون استثمار 70 في المائة على الأقل من عائدات السندات التي يستحق أجلها في الفترة من الآن وحتى نهاية 2014 في سندات يونانية جديدة لأجل 30 عاما. ويلعب معهد التمويل الدولي الذي يمثل شركات تأمين ومؤسسات مالية أخرى وبنوكا، بينها: بي ان بي باريبا ودويتشه بنك واتش اس بي سي وسوسيتيه جنرال، دورا غير رسمي في التنسيق بين البنوك العالمية للتوصل إلى توافق حول مشاركة القطاع الخاص في خطة إنقاذ اليونان المثقلة بالديون.

وتسعى دول الاتحاد الأوروبي بجد شديد لأن تجد مخرجا من ورطة الديون. وفي باريس قال وزير المال الفرنسي فرنسوا باروان أمس إن الخطة الجديدة لإنقاذ اليونان ينبغي أن تكون جاهزة في سبتمبر (أيلول)، حيث بقيت أمام منطقة اليورو «عدة أسابيع» لتحديد آليات مشاركة المصارف في المجهود المشترك. وقال باروان عبر إذاعة «أوروبا 1»: «في الأسابيع المقبلة سنبدأ مناقشة الخطة الجديدة لدعم اليونان، وينبغي الاستعداد لسبتمبر».

وفي سبيل بلورة الخطة التي تقوم على مساعدات بقيمة نحو مائة مليار يورو إلى اليونان مع نهاية 2014 تحدث الوزير عن ضرورة اتخاذ «اليونان إجراءات حازمة لتقليص العجز» وبذل «مجهود مشترك مع القطاع الخاص على أساس تطوعي». وتابع باروان: «إننا نعمل على ذلك النموذج «المقترح الفرنسي»، وهو في الواقع نظام هيكلة، أي عندما يحين أجل دين ما يعاد تحديده في موعد خاضع للنقاش» بين الدائنين الخاصين (مصارف وشركات ضمان وصناديق استثمار). وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية: «نريد أن نعمل في هذا الاتجاه وسنناقش الأمر مع الألمان، لدينا عدة أسابيع».