تباطؤ أداء صناديق الاستثمار في الصين كدراجة نارية تتحرك وسط زحام بكين

النمو الاقتصادي السريع في البلد لا يضمن ارتفاعا في أرباح الأسهم

جانب من تداولات الأسهم الصينية («الشرق الأوسط»)
TT

كثيرة هي أوجه التفوق الاقتصادي في الصين، فهي أكبر سوق للسيارات في العالم، وهي أكبر منتج للصلب وبطبيعة الحال أكبر مصدر في العالم، بيد أنه لم يكن هناك ما يميز أداء الصناديق الاستثمارية العاملة في الصين. فمع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المباني السكنية في الصين تباطأ أداء هذه الصناديق المتخصصة في الاستثمار في الصين، كدراجة نارية تتحرك وسط زحام بكين، حيث فقدت هذه الصناديق 2.2 في المائة خلال الربع الثاني من العام، بحسب تقرير مؤسسة «مورننغستر»، التي تتبع أداء صناديق الاستثمار. في الوقت الذي استفاد فيه المستثمرون بصورة أكبر عبر شراء أسهم صناديق الاستثمار التي استثمرت في أوروبا المثقلة بالدهون، فقد حققت هذه الصناديق أرباحا بلغت 1.3 في المائة عن ربع العام نفسه.

وباستعراض الاثني عشر شهرا الماضية وعقد مقارنات مماثلة سنجد أن الصناديق الصينية حققت عائدات بقيمة 23.5 في المائة، في الوقت الذي حققت فيه الصناديق التي استثمرت في أوروبا البطيئة النمو أرباحا أكثر بعائدات بلغت 36.5 في المائة.

هذا التباين بين الأداء الاقتصادي للصين - الناتج المحلي الإجمالي الذي حقق نموا مضطردا وصل إلى 10 في المائة سنويا خلال العقدين الماضيين - وأسهمها الأقل من الممتازة تشير إلى مخاطر شراء الصناديق الاستثمارية التي تستثمر في دولة بعينها من الدول النامية. في تأكيد على أن النمو السريع لا يعتبر ضمانة على إمكانية تحقيق أرباح استثمارية، فالصين تنقل الملايين من مواطنيها سنويا من العمل في الريف إلى وظائف في المدن التي تتوسع. وهو ما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الصيني، لكن ليس بالضرورة على مستثمري الصناديق.

وأشارت الدراسة التي نشرتها في أبريل (نيسان) مجموعة «فانغارد» إلى أنه لا توجد صلة بين النمو الاقتصادي طويل الأمد، وزيادة حصة الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، والعائدات على الأسهم على المدى الطويل في الأسواق النامية. ويقول فرانسيس إم كينيري، مدير مؤسسة «فانغارد» وأحد مؤلفي الدراسة: «لا يتم تعويض مستثمرين على الاستثمار على أساس النمو الاقتصادي المتوقع، ومن ثم توقعات الأسواق المالية. وكانت عائدات أسواق الأسهم الصينية ضعيفة على نحو خاص، إذا لم تحقق أرباحا تذكر في الفترة من عام 1993 إلى عام 2010».

وتميل أسواق الأسهم في الأسواق الناشئة إلى أن تكون أكثر تقلبا عنها في الدول المتقدمة، فمن الممكن أن تتسبب التراجعات الكبيرة في تآكل المكاسب الضخمة. فعندما تتحسن الأخبار تنتعش الأسواق، تماما كما فعلت الصين في عام 2007، عندما حقق مؤشر «إم إس سي اي تشينا برود» عائدات بلغت 90 في المائة. لكن عندما تكون الأخبار سيئة تتراجع المكاسب، تماما كما فعلت السوق الصينية العام الماضي عندما انخفض المؤشر بأكثر من 50 في المائة (أي أنك إذا ما استثمرت 1000 دولار في هذا المؤشر في تلك الفترة لكانت تضاعفت إلى 1900 دولار قبل خصم النفقات، بنهاية السنة الأولى، لكنها كانت لتعود إلى التقلص في ما بعد إلى 950 دولارا قبل خصم النفقات بنهاية العام الثاني).

السبب الآخر في أن مكاسب الأسهم لا تتبع بالضرورة النمو الاقتصادي هو أن أهداف الشركات المحلية يمكن أن تختلف لفترات ممتدة من مستثمري الصناديق، ففي الصين كما هو الحال في الأسواق الناشئة تضخ الشركات الأموال في المشروعات التي تهدف إلى توسيع سوق الأسهم بغض النظر عن تأثير ذلك على أسعار أسهمها. ويرى آرثر كرويبر، المدير الإداري لشركة «جي كيه دراغونوميكس» في بكين أن «الشركات غير مهتمة بمكافأة المستثمرين الصغار، لكنها تبدي اهتماما أكبر بتوسعة السوق».

ويأتي على رأس تلك الأسباب ما يمكن أن يوصف بتراخي إدارات الشركات الصينية وغموض المحاسبة، ففي البحث عن شركات الجودة ذات نماذج العمل الجيدة يقول نيكولاس يو، مدير صندوق «أبردين تشينا أوبورتيونيتيز»: «نقوم بالكثير من الزيارات الميدانية للتأكد من توافق مصالح صاحب المشروع مع الشركة المدرجة».

من ناحية أخرى يواجه المستثمرون في الصين مخاطر تتعدى نطاق العائدات الضعيفة، وربما يواجهون صعوبة حتى في فهم ما يشترونه، نظرا لأن الصناديق المختلفة تعرف الصين بصورة مختلفة. فهناك البعض مثل صندوق «ياو» وصندوق «جونيس أتكينسون تشينا آند هونغ كونغ»، الذي يحتفظ بالكثير من أموال حملة أسهمه في شركات مدرجة في هونغ كونغ، بينما تعمد بعض الصناديق الأخرى إلى شراء شركات تايوانية أو دولية تمارس عمليات كبيرة في الصين. ويقول ويليام روكو، المحلل المالي في شركة «مورننغستر»: «ليست كل الصناديق الاستثمارية في الصين متشابهة».

وإلى جانب فهم ما يمكن أن تحصل عليه لدى الاستثمار في صندوق صيني، ينبغي عليك أيضا دراسة ما إذا كنت حقا بحاجة إلى صندوق استثماري. فيضيف روكو: «لن تفوت النمو الصيني إذا ما كنت تمتلك محفظة استثمارية متوازنة بشكل جيد. فالكثير من صناديق الأسواق الناشئة والدولية تشمل الأسهم الصينية، والشركات متعددة الجنسيات الأميركية والأوروبية تحقق أرباحا على نحو متزايد في الصين. ويوصي جاسبر ماديسن، مدير صندوق «ماثيو تشينا ديفيدند» بضرورة الحذر. فيقول: «كل من يتطلع إلى العمل في الصين ينبغي عليه أن يسأل نفسه، لماذا يرغب في التوجه إلى هناك؟ فعادة ما يتدافع صغار المستثمرين إلى الدول النامية في أعقاب ارتفاع أسواق الأسهم دون النظر إلى ما إذا كانت هناك سوق معينة تبدو رخيصة أو مرتفعة السعر بناء على متوسط نسبة السعر إلى الربح. فإذا ما تجاوزت في الدفع فلن تتمكن من تحقيق أرباح جيدة».

الاستثمار بالنسبة للبعض ليس مجرد وسيلة لزيادة الثروة لكنه هواية أيضا. وحتى وإن امتلكوا محافظ مالية جيدة فإنهم يرغبون في الحصول على أجزاء بسيطة من الأسواق أو القطاعات التي يعتقدون أنها ستزدهر.

وإذا كنت واحدا من هؤلاء فهل الأنباء الأخيرة عن التضخم الصيني الذي وصل إلى 5.5 في المائة في مايو (أيار) الماضي وإمكانية حدوث فقاعة عقارات في بكين ستثنيك عن ذلك؟

يرى الكثير من مديري الصناديق الصينية أن المخاطر صحيحة لكنها لا تشكل خطرا داهما. ويقول إريك بروك، المدير المشارك في صندوق «آلبس كلوغ تشينا»: «خلال الفترة بين عامي 2000 و2010 عندما بدأت الصين في عملية التصنيع كان الفائض في العمالة وعجلة الاستثمار في البنية التحتية التي دفعت الكثير من زيادة الإنتاجية. كان التضخم خلال تلك الفترة منخفضا إلى حد صادم. لكن الأوضاع تسير اليوم على خلاف ذلك المنوال، فلا يزال هناك خرافة الإنتاجية، لكن إمدادات العمالة ضعيفة للغاية. وهو ما قد لا يشكل دهشة إذا ما تزايد العجز الذي يتراوح ما بين 3 إلى 5 في المائة سنويا، لكن تلك ليست مشكلة في سياق نمو يتراوح ما بين 8 إلى 10 في المائة سنويا».

ويرى بروك أنه إذا ما بدأ التضخم في التسارع فسوف يبدأ بالقلق، لكن حتى الآن لا تزال الحكومة تحافظ على الأسعار تحت السيطرة عبر رفع متطلبات الاحتياطي المصرفي وأسعار الفائدة، فقد شهد الأسبوع الماضي رفع البنك المركزي الصيني أسعار الفائدة قصيرة الأجل للمرة الثالثة على التوالي هذا العام. ويراهن بروك والمدير المشارك معه فرانسوا فابرو على أن رفع الأجور سيعمل على نمو قطاع الخدمات الاستهلاكية في الصين، ومع ارتفاع الدخل لدى الفرد الصيني ستتوافر الفرص لشركات مثل «مان واه هولدينغ» لصناعة الأثاث، التي وصفها بأنها شركة «La - Z - Boy» الصينية، حيث يحقق الأفراد مستوى من الدخل سيعمل على زيادة الطلب على منتجات «مان واه».

على صعيد متصل يرى فريدريك جيانغ، مدير صندوق «إيفي باسيفيك أوبرتيونيتيز»، أنه على الرغم من ارتفاع قيمه العقارات السكنية في بكين وهونغ كونغ، فقد شعر بقلق بالغ حيال التضخم أكثر منه بشأن فقاعات هذه الأسواق. وقال: «إذا قارنت الأسعار في شنغهاي وبكين بالنسبة لمتوسط لدخل هنا، ستعلم أن هناك فقاعة. لكنها لا تزال رخيصة مقارنة بمومباي وموسكو». وتقوم الحكومة الصينية بدفعة كبيرة لبناء مساكن رخيصة، والالتزام بالبدء في 10 ملايين وحدة سكنية في عام 2011 وحدها. ونتيجة لذلك يمتلك جيانغ الذي قام باستثمار ما يقرب من ثلث أموال مستثمريه في شركات الإسمنت مثل مواد البناء الوطنية الصينية والقابضة لموارد الإسمنت الصينية.

*خدمة «نيويورك تايمز»