تقلبات النفط تثير شهية المضاربين ولكن هل هنالك تلاعب في الأسعار؟

مخاوف من تأثير الوقود على نمو الاقتصاد العالمي

TT

بالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أن هناك تلاعبا وتقلبا في أسواق النفط، كان الأسبوع الأول من شهر مايو (أيار) الماضي دليلا قويا على إثبات موقفهم، حيث انخفضت أسعار النفط الخام خلال هذا الأسبوع بأكثر من 16 دولارا للبرميل، وهو ما خفض القيمة السوقية لشركة «اكسون موبيل» بنحو 32 مليار دولار ويبشر بانخفاض الأسعار في محطات البنزين التي وصلت بها تكلفة غالون الغاز إلى مستويات قياسية. وفي نهاية الشهر الماضي، وصل سعر النفط إلى الهاوية، حيث هبط بأكثر من 10 دولارات للبرميل.

ومع ذلك، لم تتغير الكمية المادية للنفط في السوق خلال هذا الأسبوع، حيث كانت صادرات النفط الليبية متوقفة منذ أكثر من شهرين. وكان يبدو أن سوق النفط العالمية هادئة نسبيا، غير أن بضعة مؤشرات على الضعف الاقتصادي قد أفزعت المتعاملين الذين انتابهم فجأة قلق من أن يكون الطلب أقل مما كان متوقعا. وتوقع مصرف «غولدمان ساكس»، الذي عادة ما يعتقد أن أسعار النفط الخام سترتفع مؤقتا. وفجأة، انخفضت قيمة برميل النفط بمقدار 10 في المائة. وبالنسبة للمستهلكين، تشبه أسعار النفط مرض الملاريا - حيث تكون حالة المريض سيئة في شهر وجيدة نوعا ما في شهر آخر. إن هذا التذبذب الرهيب يجعل من شبه المستحيل أن نعرف ما هو السعر المناسب للنفط؟

ومن الجدير بالذكر أن أسعار النفط الخام حاليا تبلغ 10 أضعاف أسعار النفط في عام 1998، وضعف الأسعار في عام 2005. وكانت الأسعار قد ارتفعت إلى مستوى قياسي، 147 دولارا للبرميل، في يوليو (تموز) 2008، لتتهاوى إلى أقل من 40 دولارا للبرميل بنهاية ذلك العام. وفي مارس (آذار) الماضي، وفي خضم القتال العنيف في ليبيا، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه لا يوجد نقص خطير في الإمدادات وإن ارتفاع أسعار النفط لا يمثل سببا كافيا للجوء إلى الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للبلاد. وفي الثالث والعشرين من شهر يونيو (حزيران) الماضي، خرج أوباما فجأة ليقول إن الاضطرابات في ليبيا تبرر استخدام أكبر كمية من الاحتياطي الأميركي على الإطلاق. وقد كانت هذه الخطوة تهدف إلى تنشيط الاقتصاد أكثر منها للحفاظ على الأمن القومي.

ولما كانت أسعار النفط تتقلب كثيرا، سيكون من المستحيل قياس نجاح أو فشل الخطوة التي اتخذها أوباما. فهل سيستحق الإشادة في حال استمرت الأسعار في الانخفاض، مثلما كان عليه الحال قبل هذه الخطوة؟ وهل سيستحق اللوم في حال ارتفعت الأسعار؟ وهل سنرغب في أن يقوم بذلك مرة أخرى في حال نجحت هذه الخطوة؟

وسوف يأخذنا ذلك إلى قضية الأسعار، ففي أي سوق تنافسية يرتبط سعر النفط بالتكلفة الهامشية للبرميل التالي. وبعبارة أخرى، يتأثر سعر أول 88 برميلا بتكلفة إنتاج البرميل رقم 89، وهي تكلفة استبدال كل برميل تم استخدامه. ولكن يصعب معرفة تكلفة الاستبدال في عالم النفط، وذلك لأن إنتاج النفط ليس مثل إنتاج رقائق الحاسوب حيث تكون الأسعار متشابهة في كل مكان.

في كندا على سبيل المثال، تبلغ تكلفة استخراج برميل واحد من النفط وإذابة المواد اللزجة المعروفة باسم «رمال القار»، التي يفضل نشطاء البيئة تركها في باطن الأرض، ما بين 40 و60 دولارا للبرميل، ولكن في خليج المكسيك، حيث تقوم منصات الحفر العملاقة باستخراج النفط من المياه العميقة، يمكن أن تكون تكلفة استكشاف وتطوير حقول النفط متواضعة نسبيا. وتملك شركة «شيفرون» على سبيل المثال منصة بقيمة 7.5 مليار دولار ستقوم باستغلال حقل يضم نحو نصف مليار برميل نفط بتكلفة تصل إلى نحو 15 دولارا للبرميل. وتقل هذه التكلفة في العراق الذي يوجد به حقول ضحلة عملاقة تتميز بنفس جودة الحقول الموجودة في المملكة العربية السعودية تقريبا، حيث يمكن للمرء أن يدق الرمح في الأرض ويخرجه مغطى بالنفط. ويتم حاليا إعادة تأهيل تلك الحقول المهملة - إذا ما توقف القتال لفترة كافية من الوقت.

وخلاصة القول هي أنه لا يوجد هناك سوق حرة، ولكن ثمة عراقيل في كل مكان: خطوط الأنابيب والسياسة والتسريبات النفطية والحروب، تجعل من الصعب تحديد سعر هامشي للبرميل التالي من النفط. ثم هناك جانب الطلب، حيث تكون الاحتياجات والعادات متأصلة لدرجة أننا لا نستجيب بسرعة لارتفاع الأسعار. في الواقع، تختلف عملية شراء النفط عن شراء الفاكهة: إذا كان ثمن التفاح مرتفعا، يمكنك شراء البرتقال، ولكن إذا كان ثمن الوقود مرتفعا، فلا يوجد خيارات كثيرة بالنسبة لمعظم الأميركيين الذين يتعين عليهم الذهاب إلى عملهم. ونتيجة لذلك، فإن تغيير نسبة صغيرة في إمدادات العالم يمكن أن يقلب التوازن برمته - بما في ذلك السعر.

وكان الرئيس أوباما، الذي كثيرا ما كان يعاب عليه عدم امتلاكه لسياسة خاصة بالطاقة، قد اهتم بأهم عنصر في تلك السياسة، وتحديدا في أوائل عام 2009، عندما قام برفع معايير كفاءة الوقود بالنسبة للسيارات الأميركية التي تستهلك واحدا من كل تسعة براميل نفط تُنتج على صعيد العالم. وقام أوباما، في الآونة الأخيرة فقط، بالترويج للسيارات الكهربائية، التي يقول إن عددها ينبغي أن يصل إلى مليون سيارة بحلول عام 2016. ومما لا شك فيه أن توفير برميل من النفط يعد أفضل من استخراجه، غير أنه بالنظر إلى حقيقة أن شركة «جنرال موتورز» تبيع نحو 450 سيارة كهربائية فقط كل شهر، فلا أعتقد أنه يوجد ما يدفع منظمة «أوبك» للخوف. وتمر منظمة «أوبك» بأفضل أعوامها فيما يخص أسعار النفط. حتى هذه اللحظة يبلغ متوسط سعر سلة «أوبك» من النفط الخام نحو 110 دولارات للبرميل، أي إنه أكثر من سعر العام الماضي بنسبة 38 في المائة وكذلك أعلى من السعر القياسي الذي تم تسجيله عام 2008. وبينما يريد صقور منظمة «أوبك» بقيادة إيران وفنزويلا رفع الأسعار، يريد حمائم المنظمة بقيادة المملكة العربية السعودية خفض الأسعار بقدر محدود للاحتفاظ بالمستهلكين.

على الجانب الآخر، تتبعثر الأموال حول العالم. ففي الوقت الذي يعمل فيه مستهلكو النفط على التعافي من عامين من الركود، سيفاجأون بدفع 2,5 مليار دولار يوميا زيادة عن العام الماضي مقابل المنتجات النفطية. ويتدفق يوميا نحو 1,8 مليار دولار إلى خزائن ثلاثة من أكبر الدول المصدرة للنفط وهم المملكة العربية السعودية وروسيا وإيران، بينما تدفع الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار يوميا لتسديد واردات النفط. وفي محطات الوقود الأميركية ارتفع سعر البنزين بمقدار 1.5 دولار عن سعره العام الماضي، مما يعيق تعافي الاقتصاد الأميركي ويجعله ينمو على نحو بطيء وافتعال قضية سياسية ساخنة ومثيرة. وقد عزز هذا لعبة التهرب من المسؤولية التي تلعبها واشنطن. تقول شركات النفط الكبرى التي حددت الأسعار العالمية في يوم من الأيام إنها باتت ضحية تحت رحمة السوق مثلها مثل الآخرين. لكن هذه الشركات تجني الفوائد في النهاية حينما ترتفع الأسعار مثل منظمة «أوبك». ويلاحظ أنه لا تنتج سوى عدد قليل من الدول نفط خام أكثر مما تنتجه شركة «إكسون موبيل».

وهذه الشركات ارتفع هامش ربحها عن العام الماضي بمقدار يتراوح من 17 إلى 23 في المائة للغالون، بسبب زيادة أسعار النفط الخام خلال العام الحالي بحسب الإحصاءات الرسمية. وتحقق لجنة التجارة الفيدرالية في تركز ملكية محطات الوقود. فعلى سبيل المثال، تمتلك شركة واحدة نحو نصف محطات الوقود في واشنطن العاصمة. يبدو الأمر كسؤال في اختبار نهائي من دورة تدريبية عن مناهضة الاحتكار.

أدان الجمهوريون وكبار رجال الأعمال ومجموعات المصالح أوباما بسبب منع إصدار تصاريح التنقيب لمدة عام بعد تسرب بقعة الزيت في خليج المكسيك. ويقول المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط مستشهدين بدراسة مولها معهد البترول الأميركي، إن إنتاج النفط الخام قد انخفض بمقدار يزيد على 100 ألف برميل يوميا. لكن يلاحظ سيفيرين بورنستين، المدير المشارك بمعهد الطاقة بجامعة كاليفورنيا أن «أفعال أوباما لم تؤثر على الإنتاج الحالي وأن هامش تغيير إنتاج الولايات المتحدة من النفط محدود الحجم بالنظر إلى سوق النفط العالمية ولن يكون له تأثير يذكر على الأسعار».

وعادة ما يحمّل الديمقراطيون «المضاربين» مسؤولية ارتفاع أسعار الوقود. وكثيرا ما يتصدر مصرف «غولدمان ساكس» القائمة، حيث يدير المصرف الاستثماري بعض الصناديق الاستثمارية الكبرى ولديه مؤشر شهير وشائع للسلع أكثرها نفطية. ويحرك محللو المصرف المؤثرون السوق. من المؤكد أن التلاعب يحدث في التأثير على الأسعار. نرى أكثر الأمثلة وضوحا في مجال الوقود، حيث انخفضت الأسعار بنسبة 8 في المائة خلال 14 ثانية خلال ساعات التداول الإضافية يوم الثامن من يونيو (حزيران) الماضي. وتحقق لجنة التجارة في العقود الآجلة للسلع في هذا الأمر.

ويحدث هذا التلاعب في مجال مبيعات خامات النفط أيضا، ففي بداية العام الحالي، اتهمت اللجنة متداولين في النفط بتسجيل 50 مليون دولار في خانة الأرباح من خلال التلاعب في أسواق النفط عام 2008. فقد اشتريا شحنات سلع ملموسة لم يكونا بحاجة إليها لافتعال تضخم غير حقيقي في الأسعار، في الوقت الذي اشتريا به مشتقات حتى يحققا أرباحا من ارتفاع الأسعار. وقد اشتريا مشتقات أخرى بالآجل عندما انخفضت الأسعار كما فعلا بعد بيع البراميل للانقضاض على المتداولين الآخرين على حين غُرة. لكن بوجه عام «المضاربة» مصطلح يحمل عدة معانٍ بالنظر إلى ما يقوم به المستثمرون يوميًا. ويمكن للسيطرة على جزء من السوق دون أن يؤدي ذلك إلى التلاعب في الأسعار، لكنه عادة ما يستمر ذلك لفترة محدودة.

* ستيفن مافسون مسؤول الطاقة بصحيفة « واشنطن بوست»

* خدمة «واشنطن بوست»