تونس تتجه إلى إعادة صياغة الشراكة الاقتصادية مع أوروبا

تسعى للوفاء بالتزاماتها من الديون وأجلت إصدار سندات

احد مصانع الالبسة في تونس («الشرق الأوسط»)
TT

يناقش التونسيون نوع العلاقة التي يريدونها مع أوروبا والولايات المتحدة بعد انتفاضة هذا العام التي كشفت أن الدولة البوليسية كانت وراء ما وصفه الغرب ذات يوم بأنه «معجزة اقتصادية». واتفق الإسلاميون واليساريون والقوميون من الأحزاب السياسية الكبيرة في البلاد على أن تونس يجب أن تدفع بالعلاقات باتجاه درجة أكبر من الندية مع الغرب من أجل التوصل إلى ترتيبات تجارية أفضل وتجنب الاستدانة.

ومن علامات إحراز التقدم في هذا الصدد تلقت تونس عرضا من الاتحاد الأوروبي بأن يكون لها وضع متقدم في الشراكة وهو ما لم تحصل عليه حتى الآن سوى المغرب من بين الدول العربية. ويناقش الاتحاد هذا الأمر داخليا في الوقت الراهن.

ويظهر إحجام الاتحاد الأوروبي عن خفض الجمارك على المنتجات الزراعية المغربية وإثارته لقضايا سياسية وقضايا تتعلق بحقوق الإنسان في المغرب الصعوبات التي تنطوي عليها هذه العملية. ويقول المعلق البارز رشيد خشانة إن التحول الديمقراطي في تونس من شأنه أن يعزز مكانتها.ويضيف «العامل الرئيسي في علاقاتنا الجديدة بالخارج هو أن نتعامل بندية مع الاتحاد الأوروبي. يمكننا المساومة وهو ما لم تكن حكومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تفعله».

وانتهى حكم بن علي الذي استمر 23 عاما بشكل مفاجئ عندما فر من البلاد يوم 24 يناير (كانون الثاني) في مواجهة احتجاجات واسعة النطاق على البطالة والفساد والقمع. وقال خشانة «ربما سنكون أكثر تكاملا مع الدول العربية وبخاصة في شمال أفريقيا مما كنا عليه في عهد بن علي لكنني لا أعتقد أن هذا يتعارض مع إقامة علاقات طيبة مع الغرب». وقال دبلوماسي غربي إن الاتحاد الأوروبي يمضي قدما في خطط لتحديث علاقاته التجارية مع تونس. وأضاف «أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يسعده أن يمضي بها في هذا الاتجاه. تجري صياغة الكثير منها بالفعل داخل الاتحاد الأوروبي». مؤكدا أن أغلب حكومات الغرب لم تكن تدرك إلى أي مدى كانت تونس في عهد بن علي بيتا من ورق. وأضاف «كنا نعلم أن هناك حالة من الفوضى لكننا لم نكن نتوقع أن يسقط عندما حدث ذلك. وما يخفف عنا وطأة ذلك هو أن رجال أمن بن علي الذين أنفقوا أموالا كثيرة لتوقع هذه الأمور لم يمكنهم التنبؤ بها هم أيضا».

وللوهلة الأولى كانت تونس التي يقطنها عشرة ملايين نسمة تبدو ملاذا للاستقرار والتقدم إذ تزدان عاصمتها بمزيج من المعمار الإسلامي والفرنسي ويصور رئيسها إلى جانب زوجته ذات الحضور القوي نفسه بطلا للعلمانية العربية ومحررا للمرأة. وكان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ذات يوم منبهرا بهذا البلد الذي اتبع بدقة وصفة خصخصة شركات القطاع العام وسهل الاستثمار الأجنبي حتى إنه اعتبر تونس قصة نجاح لليبرالية الجديدة ومعجزة اقتصادية.

وقال خليفته نيكولا ساركوزي ذات يوم إن حكم بن علي يمنع ظهور دولة تقودها حركة طالبان الإسلامية. وأشاد البنك الدولي العام الماضي بالتقدم الملحوظ الذي أحرزته تونس في «النمو المتوازن ومكافحة الفقر وتحقيق مؤشرات اجتماعية جيدة». غير أن المحللين السياسيين التونسيين كانوا يقولون إن هناك شعورا متناميا بأن بن علي ومسانديه يخدعون البلد.

وقال الاقتصادي مروان عباسي «أنا واثق من أن الركائز الأساسية لن تتغير. يتعين علينا العمل مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وغيرها». وأضاف أنه لا يعتقد أن حركة النهضة إذا ما شكلت الحكومة ستغير هذه الروابط.

وقال «كان يمكن أن تحقق تونس معجزة اقتصادية لولا سوء الإدارة على مدى عشر سنوات.. تركت البلاد عام 2006 بسبب شعوري بالإحباط من الحكومة.. نحتاج لوقت الآن ليكون لدينا حكم رشيد ونغير أسلوب التفكير ونطور الإدارة». وأضاف عباسي أن الفريق الذي يدير السياسة الاقتصادية لم يتغير رغم تغيير بعض الوجوه القيادية.

وقال محافظ البنك المركزي إن تونس ستفي بالتزامات ديونها في 2011، وكان وزير المالية جلول عياد قد استبعد إعادة جدولة الديون مع سعيه لطلب قروض أجنبية بأربعة مليارات دولار منها 500 مليون دولار لدعم الميزانية من البنك الدولي. وتحدث عياد عن خطط لإصلاحات في القطاعين العام والخاص في اجتماع مع زعماء دول مجموعة الثماني في فرنسا في مايو (أيار) الماضي والذي وافق على منح مصر وتونس قروضا بقيمة 40 مليار دولار ومساعدات مباشرة بعد الأحداث التي جرت هذا العام. وأرجأت الحكومة التونسية خطط طرح سندات بسبب خفض تصنيفها الائتماني أثناء الانتفاضة.

ودافع عباسي عن توصيات الدائنين المتعلقة تخفيف الإجراءات التنظيمية والخصخصة وخفض الدعم في قطاعات استراتيجية مثل الوقود والسلع الأساسية والمواصلات.

وقال إن بن علي اختار عدم إصلاح قطاع النقل لأنه كان مربحا جدا لأسرته.. نريد أن نفهم كيف ستعمل الحكومة التونسية على تحرير هذه القطاعات. وتابع عباسي أن تونس لا يمكنها أن تراهن على استعادة أصول أسرة بن علي رغم وعود العديد من الحكومات بالمساعدة في ذلك. وقال «فلننس المال.. إذا تمكنا من الحصول عليه سيكون أمرا طيبا. لكني لا أعرف حجمه واستعادته أمر في غاية الصعوبة. يمكن تكليف أمهر المحامين في العالم».

لكن خشانة قال إن الطبقة المتوسطة تشعر بالقلق من الوضع المالي للبلاد ومن فكرة المزيد من الديون والصراع قد يسفر عن نوع جديد من القيادة السياسية قد لا يعجب بالضرورة اللاعبين الدوليين الراغبين في استمرار الحال على ما هو عليه.