برنانكي يلمح إلى احتمال حزمة «تيسير كمي ثالثة» لإنعاش الاقتصاد الأميركي

في إفادات أمام لجنة مالية بالكونغرس

بن برنانكي يدلي بإفاداته أمام لجنة الكونغرس للخدمات المالية مساء الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

طرح رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي، بن إس برنانكي، صورة باهتة لمستوى صحة الاقتصاد، مساء الأربعاء، وقال إن المصرف على استعداد لتوسيع نطاق حملة المساعدات الاقتصادية التي نفذها من قبل، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك، وإن كانت مثل هذه الخطوة غير وشيكة.

يذكر أن أقل من شهر مضى منذ أن أعلن برنانكي خلال مؤتمر صحافي عن أن المصرف المركزي ينوي البقاء بعيدا من دون تدخل ومراقبة تحرك الاقتصاد البطيء نحو استعادة عافيته. وترقى تعليقات الأربعاء لمستوى الاعتراف بأنه حتى الآن ظلت الأنباء الاقتصادية في معظمها سلبية.

وقال برنانكي خلال شهادة أدلى بها أمام لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب «أعتقد أن علينا إبقاء جميع الخيارات على الطاولة، فنحن لا ندري إلى أين سيتجه الاقتصاد». وعدّد الخيارات القائمة، التي تضمنت الالتزام العام بالإبقاء على برامج المساعدات القائمة لفترة أطول، وتنفيذ عمليات شراء جديدة للأصول لدفع معدلات الفائدة نحو الانخفاض، واتخاذ خطوات نحو تشجيع المصارف على سحب الأموال الموضوعة كاحتياطي لدى مصرف الاحتياط الفيدرالي واستغلالها في تقديم قروض.

من جانبهم، انتقد جمهوريون مصرف الاحتياط الفيدرالي لجهوده في تحفيز النمو، خوفا من أن يفقده ذلك السيطرة على التضخم. إلا أن النائب سبنسر بيكوس، عضو الحزب الجمهوري في ألاباما ورئيس لجنة الخدمات المالية، أعلن الأربعاء اتفاقه في الرأي مع برنانكي. وقال «إنني سعيد بأنكم ستحتفظون ببعض المرونة، التي ربما تكون ضرورية، لأننا لا ندري ماذا يحمل الغد».

من جهته، أوضح برنانكي أن استئناف حملة الإنعاش الاقتصادي التي ينظمها المصرف المركزي تواجه عقبة كبرى، مشيرا إلى أن مصرف الاحتياط الفيدرالي سيركز انتباهه على أمرين: وجود حالة من الوهن الاقتصادي تفوق التوقعات الراهنة، وتجدد التهديد بحدوث انكماش.

وبينما يبدو الشرط الأول واضحا، فإن الثاني ربما يكون الأهم. يذكر أن قرار مصرف الاحتياط الفيدرالي الصيف الماضي استئناف عمليات شراء أصول انطلق في معظمه من خوف المصرف المركزي من إمكانية تراجع الأسعار مجددا، وهي ظاهرة يمكنها تقويض النمو لأنها تدفع الأفراد لإرجاء عمليات الشراء، بما يؤجج دورة اقتصادية باتجاه التراجع. ومنذ ذلك الحين، استعادت وتيرة الزيادات في الأسعار مستويات يعدها الخبراء الاقتصاديون صحية. وفي وقت سابق من العام الحالي، تحولت المخاوف نحو احتمالية ارتفاع الأسعار بسرعة شديدة على نحو مفرط. وفي الوقت الذي أعرب فيه برنانكي ومسؤولون آخرون بمصرف الاحتياط الفيدرالي عن اعتقادهم أن هذه الزيادات ستنحسر، تبقى هناك مخاطر ضئيلة لحدوث انكماش - وبالتالي فرصة ضعيف أمام بذل جهود إضافية. عن ذلك، قال بول أشورث، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى «كابيتال إكونوميكس»، في مذكرة بعث بها لعملاء لديه «بمعنى آخر فإن هذه احتمالية قائمة للعام المقبل إذا ما تراجع التضخم، لكن ليس على المدى القصير».

وناقش أعضاء لجنة صنع السياسات داخل مصرف الاحتياط الفيدرالي القضية خلال آخر اجتماعاتهم، في نهاية يونيو (حزيران)، لكنهم لا يزالون منقسمين على أنفسهم حول التكاليف والفوائد، طبقا لمذكرات الاجتماع التي كشفها المصرف، الثلاثاء. بعد الاجتماع، أعلن المصرف أحدث توقعاته الاقتصادية، مشيرا فيها إلى نمو الاقتصاد بمعدل يتراوح بين 2.7 في المائة و2.9 في المائة هذا العام. وخلال الأسابيع اللاحقة، أشارت الحكومة إلى ارتفاع معدلات التوظيف بمقدار 18.000 وظيفة فقط في يونيو (حزيران)، وأن الصادرات جاءت أضعف مما كان متوقعا. ودفع ذلك عددا من أصحاب التوقعات الاقتصادية غير الحكوميين لتقليص توقعاتهم المرتبطة بالنمو في الربع الثاني من العام على نحو بالغ. أما برنانكي فلم يحدث التوقعات الخاصة بالمصرف الفيدرالي، لكن تعليقاته الأخيرة تعكس قلقا أكبر. وأوضح برنانكي خلال الشهادة المعدة سلفا التي أدلى بها أنه «من بين العقبات التي تواجه الاقتصاد النمو البطيء لإنفاق المستهلكين، حتى بعد حساب تأثير ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. وستشكل قدرة واستعداد المستهلكين للإنفاق عاملا مهما في تحديد وتيرة استعادة الاقتصاد عافيته خلال الفترات ربع السنوية المقبلة».

وفي وقت لاحق، وصف برنانكي التوقعات الاقتصادية الصادرة عن مصرف الاحتياط الفيدرالي لباقي العام - المتمثلة في تحقيق نمو يبلغ 3.5 في المائة تقريبا - وقال «سنرى إذا كان ذلك سيتحقق أم لا». ورغم الحالة الهشة للاقتصاد، تركزت معظم الأسئلة من أعضاء اللجنة على المعركة السياسية الدائرة حول العجز الفيدرالي، وهي مشكلة طويلة الأمد، حسبما أخبر برنانكي اللجنة، ولا تشكل تهديدا مباشرا للاقتصاد، إلا أنه حذر إزاء ضرورة رفع سقف الدين على الفور. وعندما سئل برنانكي حول ملايين الأميركيين العاجزين عن إيجاد وظائف، استغل الفرصة لتقريع اللجنة بهدوء لتركيزها انتباهها على نقطة واحدة، قائلا «أعتقد أنه من الأفضل توضيح أن لدينا أزمتين على الصعيد الاقتصادي، إحداهما مجموعة من القضايا المالية التي تولونها جميعا كثيرا من الاهتمام في الوقت الراهن، لكني أعتقد أن الوضع المرتبط بالوظائف يمثل أزمة أخرى».

يذكر أن الكونغرس حمل مصرف الاحتياط الفيدرالي مهمة تقليص البطالة لأقل معدل ممكن، ويرى بعض منتقدي المصرف أن معدل البطالة الراهن البالغ 9.2 في المائة ينبغي أن يمثل سببا كافيا في حد ذاته لأن يوسع المصرف الفيدرالي دائرة برامج المساعدة الاقتصادية الخاصة به.

وأشار برنانكي إلى أن حجم الجهود الراهنة من قبل المصرف غير مسبوقة، وقد أبقى المصرف على معدلات الفائدة على المدى القصير قرب المستوى الصفري لأكثر من عامين. كما يحتفظ المصرف أيضا بأوراق مالية مدعومة برهون عقارية وديون حكومية بقيمة تتجاوز تريليوني دولار، مما يمثل إرث برنامجيه لشراء الأصول لتقليص معدلات الفائدة على المدى البعيد. وقال «إننا على استعداد لاتخاذ مزيد من الخطوات إذا لزم الأمر».

من ناحية أخرى، عارض عضو الحزب الجمهوري من تكساس رون بول، الذي اشتهر بانتقاده للمصرف الفيدرالي منذ أمد بعيد، الصورة التي طرحها برنانكي لجهود مصرف الاحتياط الفيدرالي، قائلا «إنفاق كل هذه الأموال لم يأت بفائدة». وأشار إلى أن برامج المساعدات التابعة لمصرف الاحتياط الفيدرالي أفادت المؤسسات المالية، بينما «فقد الناس وظائفهم، ومنازلهم ورهاناتهم العقارية، ولا يزالون يعانون من مشكلات».

وكان بول، الذي أعلن مؤخرا أنه لن يترشح لإعادة انتخابه في اللجنة للتركيز بدلا من ذلك على حملته الرئاسية، قد بدأ حديثه بنبرة أقل حدة، حيث قال مازحا إن نبأ رحيله الوشيك ربما رسم على وجه برنانكي ابتسامة. وفي خضم الضحكات التي أعقبت ذلك، عجز برنانكي عن منع نفسه من الضحك.

* خدمة «نيويورك تايمز»