بنوك أوروبا: انخفاض كبير في أسهمها ومخاوف من حجم محافظ قروضها

سوروس: تباطؤ معالجة مشكلات المصارف الأوروبية أمر خطير

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية («الشرق الأوسط»)
TT

هبطت أسهم المصارف الأوروبية بسرعة كبيرة وبصورة مفاجئة ثم انتشرت هذه العدوى، وهو ما أصاب واضعي السياسات بحالة من الذهول والارتباك. وقد تقترب أزمة الديون الأوروبية المتفاقمة من اللحظة التي تلت الإعلان عن إفلاس مصرف «ليمان براذرز» حين دفع الخوف الحكومتين البريطانية والأميركية إلى اتخاذ إجراءات جذرية وإجبار المصارف التي تحتوي على رؤوس أموال قليلة على قبول أموال من الحكومة، سواء بإرادتها أم رغما عنها، غير أن الشيء المحبط للكثيرين هو أن أوروبا قد تبدو بعيدة كل البعد عن مثل هذه الخطوة الجذرية.

وبدلا من ذلك، أعلنت هيئة الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو، أمس (الجمعة) عن نتائج آخر الفحوصات التي أجريت على حالة المؤسسات المالية. وسوف تخفف النتائج التي قالت إن ثمانية بنوك أخفقت في اختبار التحمل، الآمال التي يعقدها الاتحاد الأوروبي من مخاوف المستثمرين من أن تصبح بنوك المنطقة أكثر ضعفا بسبب المبالغة في قيمة الاحتياطات بشكل خطير حتى يتم توفير القروض اللازمة لتحفيز النمو الاقتصادي.

وقد تعهد وزراء المالية الأوروبيون خلال الأسبوع الحالي بأنه سيكون لديهم خطة لمساندة المصارف الضعيفة، وسوف توكل هذه المهمة إلى الجهات الرقابية على المصارف الوطنية والتي يكون لديها مستويات متفاوتة من الموارد والإرادة السياسية. وتأتي نتائج اختبار البنوك في وقت تعاني فيه السوق من أقصى درجات القلق الذي يتزايد نتيجة المخاوف من حدوث إضراب من قبل المشترين المحليين للسندات الحكومية الإيطالية. ويوم الخميس الماضي، وصلت عائدات السندات الإيطالية أجل عامين - وهو مقياس دقيق لتوجهات السوق على المدى القصير - إلى 4 في المائة، وهو ما يفوق العائدات الإسبانية وضعف ما كانت عليه قبل عام.

وارتفع معدل يوريبور - القيمة التي تفرضها المصارف في أوروبا على بعضها البعض على القروض قصيرة الأجل - إلى أكثر من الضعف خلال الأسبوع الماضي، حيث ارتفع إلى 1.47 في المائة من 0.6 في المائة، حيث أصبحت المصارف في منطقة اليورو أكثر ترددا في إقراض بعضها البعض. ولا يزال هذا المعدل أقل بكثير من قيمة الـ4 في المائة التي تم الوصول إليها في أعقاب انهيار مصرف ليمان، غير أن مصرفيين قد صرحوا بأن التوتر المتزايد في إيطاليا سوف يجعل البنوك الاستثمارية تطالب بزيادة المبالغ النقدية والضمانات لدعم قروضها إلى نظرائها الإيطاليين.

ويعد اختبار البنوك الحالي هو الاختبار الثالث في غضون ثلاث سنوات، ولكنه الاختبار الثاني الذي يتم فيه الإعلان عن النتائج. ويتم الإشراف على هذا الاختبار من قبل الهيئة المصرفية الأوروبية التي تتخذ من لندن مقرا لها، والتي قامت بفحص الميزانيات العمومية ومستويات رأس المال لـ91 مصرفا.

وقد تم انتقاد عملية الفحص خلال العام الماضي في أعقاب تعثر المصارف الآيرلندية بعد أشهر قليلة من حصولها على تقييمات بأنها ناجحة، وقد حاول المنظمون إتباع لهجة مختلفة هذا العام. وقال ميشال بارنييه، وهو مفوض الاتحاد الأوروبي للأسواق الداخلية: «سيكون هناك عدد معين من المصارف التي لن تنجح في الاختبار، وهذه الحقيقة ستكون دليلا قويا على أن هذه الاختبارات تتمتع بالمصداقية». ويجب أن تبرهن المصارف أن بإمكانها المحافظة على نسبة رأس المال الأساسي عند 5 في المائة على الأقل لاجتياز الاختبار، كما يتعين عليها أن تكون قادرة على التعامل مع انكماش اقتصادي بنسبة 0.5 في المائة في منطقة اليورو في عام 2011 وانخفاض بنسبة 15 في المائة في أسواق الأسهم الأوروبية والخسائر التجارية المحتملة على الديون السيادية.

ومنذ آخر اختبار في العام الماضي، رفعت المصارف رأسمالها بمقدار 67 مليار يورو (94.2 مليار دولار)، وفقا لمصرف مورغان ستانلي، وهو مبلغ زهيد نسبيا بالنظر إلى أن البنوك الأوروبية لديها 1.1 تريليون يورو على هيئة دين حكومي من كل من اليونان وآيرلندا والبرتغال وإسبانيا. ويكون هامش الخطأ بسيطا جدا بالنسبة لبعض البنوك الكبيرة والمهمة.

وفي البنك الفرنسي كريدي أجريكول، تتساوى الاحتياطات اليونانية مع أسهمها تقريبا. (كما أن مصرفي سوسيتيه جنرال وبي إن بي باريبا لديهما قدر كبير من السندات اليونانية ولكنهما يستفيدان من الاحتياطات الكبيرة لرأس المال). أما بالنسبة لمصرف «رويال بنك أوف اسكوتلاند» المملوك بحصة أغلبية للحكومة البريطانية، فإن الشيء نفسه ينطبق على القروض الآيرلندية. وهناك مصارف أخرى يتم النظر إليها على أنها ضعيفة مثل المصرف الألماني لانديزبانك، وقال مصرف هيلابا الذي يتخذ من فرانكفورت مقرا له والمملوك جزئيا من قبل ولاية هيسن، يوم الأربعاء الماضي إنه قد طلب منه عدم الدخول في الاختبارات بعدما رفضت الهيئة المصرفية مساعدته. ومن جانبها، امتنعت الهيئة المصرفية عن التعليق، غير أن منظمي الاتحاد الأوروبي قد أعربوا عن شكوكهم في أن يشكل ما يسمى بالاشتراكات الصامتة أو المساعدات الحكومية صورة من صورة احتياطات رأس المال الموثوق بها في أوقات الأزمات.

ويقول النقاد الأوروبيون إن اختبار البنوك الذي يفتقر إلى قوة دفع مركزية تجبر المصارف على زيادة رأس المال بطريقة كبيرة يمكن أن يضر أكثر مما ينفع. وسوف تسلط نتائج الاختبار الضوء على هشاشة المؤسسات المالية المهمة، حسب تصريحات النقاد، من دون توفير الوسائل اللازمة لتعزيزها. وفي هذا السياق، يقول النقاد إنه يجب استغلال مرفق الاستقرار المالي الأوروبي، وهو عبارة عن صندوق برأسمال 440 مليار يورو (625 مليار دولار) أقيم خصيصا لتقديم الدعم للدول الضعيفة، ليس بهدف شراء الديون اليونانية المخفضة في الأسواق الثانوية كما تتم مناقشته الآن، ولكن بهدف الاستثمار المباشر في مصارف منطقة اليورو، سواء من خلال الصناديق القائمة أو عن طريق طرح السندات. وقال باري أيكنغرين، وهو خبير اقتصادي وخبير في اليورو في جامعة كاليفورنيا: «من الواضح أن توحيد الاختبارات وإعادة الهيكلة سوف يتطلب تعزيز رؤوس أموال المصارف الأوروبية باستخدام مرفق الاستقرار المالي الأوروبي ومصادر وطنية». ووفقا للمصرفيين، فإن صناع السياسات في الولايات المتحدة وكندا، وكذلك في صندوق النقد الدولي يقومون بتشجيع أوروبا على اتخاذ مثل هذه الخطوة.

ومع ذلك، يواجه مثل هذا التحرك عقبات من الناحية السياسية، والأكثر من ذلك أن النظام الأوروبي اللامركزي الذي يضم المنظمين والجهات شبه الحكومية - التي تضم البنك المركزي الأوروبي ومرفق الاستقرار المالي الأوروبي والهيئة المصرفية الأوروبية، فضلا عن 17 حكومة وطنية في منطقة اليورو - وعدم وجود شخصية مثل هنري بولسون، وزير الخزانة الأميركي السابق، أو غوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، يجعل من الصعب القيام بهذا العمل. ومع أن الهيئة المصرفية الأوروبية تعد أكثر قوة من المؤسسة التي سبقتها، فإنها لا تزال تفتقر إلى وجود قوى حاسمة مثل القدرة على الإشراف على إصلاح المؤسسة المالية الأوروبية.

وبالإضافة إلى ذلك، سوف تعاني هذه الجولة من الاختبارات نتيجة للضعف الكبير الذي شهدته جولة العام الماضي لن تقوم بفحص ما يمكن أن يحدث للبنوك في حال تعثر اليونان أو بلد أوروبي آخر عن سداد ديونه. وقالت ماري ديرون، وهي الخبيرة الاقتصادية ومستشارة شركة «أرنست آند يونغ للاستشارات»: «من المرجح أن تظهر الاختبارات فشل عدد قليل من البنوك، ولا سيما في محيط منطقة اليورو، مع احتمال فشل عدد قليل جدا من البنوك في منطقة اليورو أيضا».

وتتفوق البنوك الأوروبية على الاقتصادات التي تعمل فيها بشكل أكثر بكثير من مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعطيها ليس فقط نفوذا سياسيا كبيرا ولكنه أيضا يفسر تردد بعض الحكومات الأوروبية في الضغط من أجل شطب الديون على احتياطات البنوك.

وفي فرنسا، تشكل أصول أكبر خمسة بنوك فرنسية 325 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تبلغ هذه النسبة 199 في المائة فقط في بلجيكا و140 في المائة في إيطاليا و60 في المائة في الولايات المتحدة. وفي إسبانيا على سبيل المثال، يملك مصرف بانكو سانتاندر الذي يعد أكبر مصرف في منطقة اليورو من حيث القيمة السوقية، أصولا تشكل 114 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ولا يزال هناك ارتفاع في الطلب على القروض منخفضة التكلفة من البنك المركزي الأوروبي الذي يعد مقياسا لقدرة البنوك على جمع الأموال في الأسواق المفتوحة. ويوم الأربعاء الماضي، حصل 230 مصرفا على قروض لمدة أسبوع بفائدة تبلغ 1.5 في المائة من البنك المركزي، وهو ما يعد مؤشرا على أن الكثير من المصارف لا تزال لديها مشكلة في الاقتراض في أسواق المال بأسعار فائدة يمكنهم تحملها.

ومن المرجع أن يستمر هذا الغموض حتى يتمكن القادة الأوروبيون من وضع نهج موحد للتعامل مع هذه الأزمة. وقال جورج سوروس، وهو الرئيس التنفيذي لصناديق التحوط، والذي يدعو إلى وجود سلطة تنظيمية مركزية ونظام ضمان للودائع في جميع أنحاء أوروبا: «إن تباطؤ أوروبا في مواجهة المشكلة التي تعاني منها البنوك الأوروبية هو أمر خطير للغاية. في الواقع، لا تقوم السلطات سوى باستهلاك الوقت، ولكنهم مخطئون لأن الوقت يعمل ضدهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهم في كتابته فلويد نوريس من نيويورك