كيف سعت إدارة أوباما في الكواليس إلى كسب ود وكالات التصنيف؟

لإقناعها بعدم إصدار تحذيرات بتخفيض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني

TT

شنت إدارة أوباما حملة مكثفة من وراء الكواليس لمنع شركات التصنيف الرئيسية في البلاد من إصدار تحذيرات يمكن أن تخفض تصنيف الولايات المتحدة فوق الحجم المتضخم للدين الفيدرالي.

ويحاول مسؤولو الإدارة على مدى شهور إقناع المحللين في شركات التصنيف الائتماني - وجميعها من الشركات المتداولة - من إمكانية توصل القادة السياسيين في واشنطن إلى اتفاق للسيطرة على الدين.

في إحدى هذه المحاولات كان مسؤولو الإدارة غاية في التوتر من إمكانية أن تؤدي أنباء هذا الخفض المحتمل إلى إثارة الفوضى في الأسواق، حتى إنهم طالبوا محللا مقيما في لندن يعمل في «ستاندرد آند بورز» باستخدام هاتف آمن في السفارة الأميركية لمناقشة هذه الاحتمالية. وفي محاولة أخرى قاموا باستدعاء أربعة محللين في «ستاندرد آند بورز» للقاء أعضاء بارزين في الفريق الاقتصادي التابع للرئيس أوباما، حيث وجه إليهم وزير الخزانة تيموثي غايتنر نداء مؤثرا حذر فيه من القيام بأي عمل يمكن أن يثير الشكوك بشأن الائتمان الأميركي.

لكن «ستاندرد آند بورز» لم تقبل أيا من هذه الحجج - وعبرت «موديز إنفستور سيرفيسيز»، إحدى شركتي التصنيف الائتماني عن مخاوفها هي الأخرى.

وكانت «ستاندرد آند بورز» الأكثر دراماتيكية في تهديداتها، عندما أكدت ليلة الخميس أن هناك احتمالا يصل إلى 50 في المائة بإمكانية خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة خلال الشهور الثلاثة المقبلة. وحذرت الشركة من أن فشل واشنطن في رفع سقف الدين الأميركي قبل الثاني من أغسطس (آب)، الموعد النهائي الذي حددته، يمكن أن يعزز من خفض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني. ولم تتوقف «ستاندرد آند بورز» عند هذا الحد، فأكدت على ضرورة خفض القادة السياسيين من عجز الميزانية إذا ما أرادوا حماية التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.

وإذا ما خفضت «ستاندرد آند بورز» من التصنيف الائتماني المرتفع للولايات المتحدة، فربما يؤدي ذلك إلى تقويض الموقف المالي للدولة في العالم وقدرتها على الاقتراض بفوائد رخيصة للغاية لتمويل العمليات الحكومية.

جدير بالذكر أن المستثمرين في أنحاء العالم يسعون للحصول على الاستثمارات ذات التصنيفات العالية وقد يضطرون إلى بيعها إذا ما انخفضت. ومن ثم كانت سندات الخزانة الأميركية أكثر الاستثمارات أمنا.

جاءت تحذيرات «ستاندرد آند بورز» صادمة لأنها عكست النفوذ الذي تتمتع به هذه المجموعة الصغيرة من المحللين الماليين الذين يعملون بشركة نيويورك - جزء من شركة «ماكغرو هيل» - في الإصرار بأن على القادة الأميركيين خفض تريليونات الدولارات من الميزانية الفيدرالية.

ودافع جون تشامبرز، كبير المحللين في «ستاندرد آند بورز»، على قرار الشركة بتهديد التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، مؤكدا على أن الشركة «قوية» على الدوام. ودلل على ذلك بالقول إن الشركة خفضت من قبل التصنيفات الائتمانية لكل من إندونيسيا وفنزويلا وأوروغواي.

ويقول تشامبرز في مقابلة معه: «نحن نعمل على نقل الواقع، فافتراضات عملنا تقوم على أن هذا هو الوقت الأنسب للتوصل إلى اتفاق ذي مغزى من قبل جميع الأطراف، وما إن تنقضي هذه اللحظة ستكون اللحظات المستقبلية أصعب في التكهن بها».

وأكد تشامبرز على ضرورة اتفاق القادة السياسيين على خطة لخفض العجز بنحو 4 تريليونات دولار خلال السنوات العشر المقبلة للتأكد من تجنب تراجع التصنيف. وأشار إلى أنه إذا ما نجح القادة في خفض أقل من ذلك - سيناريو يبدو أكثر احتمالية نظرا لانهيار المفاوضات على اتفاق أكبر حجما - يمكن أن تواجه البلاد خفضا في التصنيف الائتماني.

وفي أوروبا، التي وقعت بالفعل في براثن أزمة الديون، شنت القيادة السياسية هجوما على شركات التصنيف الائتماني لخفضها تصنيفات الحكومات الغارقة في الأزمة.

فقالت كريستين لاغارد، المديرة الجديدة لصندوق النقد الدولي ووزيرة المالية الفرنسية السابقة، هذا العام: «ينبغي ألا تتدخل وكالات التصنيف الائتماني وألا تصنف الدول الأوروبية التي تعمل مع البنك الدولي أو مسؤولي الاقتصاد الأوروبيين لتصحيح اقتصاداتهم».

لم يكن ذلك الجدال الأول بشأن شركات التصنيف التي تراجع وتحدد تقييمات السندات التي تصدرها الحكومات والشركات الخاصة. وقد أساءت شركات التصنيف للعديد من الاستثمارات القائمة على الرهن العقاري السام التي أدت إلى أزمة عام 2008 المالية. وهو ما دعا الولايات المتحدة إلى خفض اعتماد قطاعها المالي على التصنيفات.

وحتى الآن لم يهاجم المسؤولون الأميركيون «ستاندرد آند بورز» علنا، على تحذيراتها بشأن دين البلاد. ويقول المسؤولون إن التحذيرات تذكير بالحاجة إلى اتفاق للسيطرة على الدين.

لكن المسؤولين حاولوا خلف الكواليس إقناع «ستاندرد آند بورز» بأن المناورات السياسية في واشنطن حول الدين مسرحية على الأغلب وأن القادة أوشكوا على التوصل فعليا إلى اتفاق بشأن الدين.

وفي فبراير (شباط) قال محللون في «ستاندرد آند بورز» للإدارة إنهم بدأوا في التحقق عن كثب مما إذا كانت الحكومة الأميركية قادرة على صياغة خطة للسيطرة على الدين.

وقد استرعى محللو «ستاندرد آند بورز» من لندن ونيويورك وتورونتو انتباه واشنطن، وقاموا بزيارة عدد من أعضاء الكونغرس واستشعر المحللون وجود انقسامات عميقة.

وأكد جون بيرس، الذي رأس الوحدة التي تصنف الاقتصادات الوطنية لمسؤولي وزارة الخزانة إن «ستاندرد آند بورز» كانت تخطط لتوجيه ذات التحذير للولايات المتحدة الذي وجهته شركته لبريطانيا في 2009. وكانت الشركة قد حثت على ضرورة تبني برنامج تقشف رئيسي، وقد اتبعت بريطانيا هذه النصيحة وهو ما لقي إشادة من «ستاندرد آند بورز»، على الرغم من خفض الإنفاق الذي أدى إلى تباطؤ عجلة الاقتصاد البريطاني.

وأخبر مسؤولون في إدارة أوباما بيرس في لندن، عن طريق خطوط هاتفية مشفرة، بأن فريق أوباما يعمل وفقا لخطة طموحة خاصة به.

وسعيا للحيلولة دون خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، قام غايتنر باستدعاء بيرس ومحللين آخرين بـ«ستاندرد آند بورز» في واشنطن بمقر وزارة الخزانة بعد ساعات من إعلان أوباما عن خطة في أبريل (نيسان) لتقليل العجز بقيمة 4 تريليونات دولار على مدار 12 عاما. وحضر الاجتماع كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس أوباما: غايتنر ونائب وزير الخزانة نيل وولين، ومدير الميزانية جاكوب جيه ليو، وكبير مستشاري نائب الرئيس بايدن، بروس ريد، ونائب مدير المجلس الاقتصادي الوطني جاسون فرمان.

وأخبر ليو المحللين أنه قد عمل مديرا للميزانية لدى إدارة كلينتون خلال فترة احتدم فيها الجدل حول الدين الفيدرالي، بحسب شخص مطلع على الاجتماع. ومع انتهاء هذا الجدل، أخبر المجموعة أنه يرى أن كلا الطرفين سيتبنيان الآن خطة طموحة للتحكم في حجم الديون.

«ناقشنا اعتقادنا الراسخ بأن قادة الحكومة سيجتمعون معا ويتوصلون إلى اتفاق لمواجهة تحديات الميزانية طويلة الأجل»، مثلما كتب غايتنر مؤخرا في خطاب إلى راندي نيوغباور (جمهوري عن ولاية تكساس) ورئيس فريق مراقبة لجنة الخدمات المالية التابعة للكونغرس.

ولم يكن محللو «ستاندرد آند بورز» على درجة من التفاؤل وصوتوا باحتمال تحرك تصنيف الولايات المتحدة في الاتجاه السلبي، الأمر الذي يضع تصنيفها AAA قيد المراجعة لاحتمال خفض محتمل.

واستمر محللو «ستاندرد آند بورز» ومسؤولو وزارة الخزانة في حديثهم، مع تصاعد المفاوضات بشأن سقف الدين والعجز الفيدرالي. لكن في خلال الأسبوع الماضي، فقد القادة السياسيون الأمل في أن يتمكنوا من الوصول إلى «اتفاق ضخم» لتقليل حجم الدين وربما يستعدون للتوصل لاتفاق أكثر تواضعا.

وفي عشية الخميس، أصر محللو «ستاندرد آند بورز» على ضرورة وصول واشنطن إلى اتفاق لخفض العجز بقيمة 4 تريليونات دولار لمواجهة تبعات انخفاض محتمل في تصنيف الولايات المتحدة. ويشكك بعض الخبراء في أن الشركة ستنفذ تهديدها.

وقال جون هانت، خبير في شركات التصنيف الائتمانية بكلية ديفيس للحقوق بجامعة كاليفورنيا «ربما يتسبب هذا الأمر في قدر هائل من الأضرار الاقتصادية». وأضاف: «إنني مندهش لأنهم واعون بهذه العواقب المحتملة ولا يرغبون في أن يلقى عليهم اللوم عنها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»