«وول ستريت» تضع «خطة طوارئ» تحسبا لأزمة الديون الأميركية

وسط مخاوف على قيمة الدولار وتزايد مخاطر سندات الخزانة الأميركية

TT

فيما يسابق أعضاء الكونغرس في واشنطن الوقت للتوصل لاتفاق ينقذ البلاد من إعلانها العجز عن سداد ديونها، تطرح مؤسسات مالية سيناريوهات كارثية في حال مرور الوقت المتبقي من دون اتفاق الكونغرس على زيادة سقف الدين العام الأميركي. وتتخذ هذه الدول خطوات نحو تقليص مخاطر الاحتفاظ بسندات خزانة أو ابتكار سبل لجني أرباح من أي اضطرابات محتملة. وحتى حال التوصل لاتفاق في واشنطن، يخشى البعض داخل الصناعة المالية من أن المساومات أضرت بالفعل بمصداقية السوق الوطنية.

وداخل «وول ستريت»، تعمل سندات الخزانة على نحو شبيه بالعملة، وغالبا ما يستخدم مستثمرون هذه السندات، التي يفترض أنها محصنة ضد الانهيار، باعتبارها ودائع آمنة لنشاطات تداولهم في الأسواق. الآن، تعكف المصارف على تفحص ممتلكاتها وممتلكات عملائها لتحديد ما إذا كانت الودائع الآمنة تلك محتفظة بقيمتها. علاوة على ذلك، تعكف صناديق استثمارية - والتي تملك سندات خزانة بقيمة مليارات الدولارات - على محاولة إقناع مجالس إدارتها بأن بمقدورها الاحتفاظ بالسندات حتى حال تقليص مستوى تصنيف قدرة الحكومة على الوفاء بديونها. وتحاول صناديق التحوط تخزين النقد بحيث تتمكن من شراء الديون الأميركية إذا ما هرب مستثمرون آخرون.

وتدرس وكالات التصنيف الائتماني، التي تسيطر على القرارات المصيرية وما إذا كانت البلاد تستحق تقليص مستوى تصنيف قدرتها على سداد ديونها، الكيانات الأخرى التي ستتأثر حال عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها - مثل شركات التأمين - وإصدار تحذيرات بأن تراجع تصنيف الولايات المتحدة سيترتب عليه سلسلة من إجراءات تقليص التصنيف الأخرى. وتعتمد جميع الخطط الطارئة على موعد حيوي هو الثاني من أغسطس (آب)، وهو الموعد الذي أعلنت إدارة أوباما أنها لن تتمكن بعده من تمويل الالتزامات الحكومية من دون رفع سقف الاقتراض الحكومي البالغ حاليا 14.3 تريليون دولار. وإذا لم يتحرك أعضاء الكونغرس حينها، سيكون من الصعب على وزارة الخزانة الوفاء بمدفوعات الفوائد التالية، وكذلك التزاماتها تجاه الموظفين الحكوميين والموردين وبرامج مثل «الأمن الاجتماعي» و«ميديكير».

ورغم أن الكثيرين داخل «وول ستريت» يعتقدون أن مسألة الوصول لعجز عن الوفاء بالدين تبقى غير محتملة، بدأت الأسواق المالية في الشعور بالتوتر. وتفاقمت التقلبات في أسعار الأسهم، ويرى بعض المستثمرين أن أسعار الأسهم تتراجع لأن عجز الولايات المتحدة عن الوفاء بديونها سيزيد تكاليف إدارة النشاط التجاري أمام الشركات بصورة بالغة.

داخل سوق السندات، بدأ مستثمرون في البيع، خشية ألا تفي الحكومة بسداد بعض مدفوعات الفوائد التي سيحين موعد سدادها الشهر المقبل. وقد تضاعفت أسعار الأدوات المالية المعقدة التي سيجري اللجوء إليها حال عجز الولايات المتحدة عن الوفاء بديونها، عما كانت عليه بداية العام الجاري.

ويقول محللون إن المؤشرات التي توحي بتفاقم مشاعر الذعر لا تزال قليلة. عن ذلك، قال مارك زندي، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى «موديز أنالتكس» «يمكن التعبير عن الوضع باستخدام صورة مجازية لكومة من الرمال، فأنت تمضي في وضع ذرة رمل واحدة على الكوم ولا شيء يحدث، وفجأة تجدها تنهار». وقال العديد من المضاربين والمصرفيين، بينهم زندي، إن مجرد اقتراب واشنطن من حافة العجز عن سداد الدين يضر بموقف البلاد كأفضل دولة في العالم من حيث درجة الملاءة. وربما تستمر تداعيات هذا التلوث الذي تعرضت له سمعة واشنطن المالية، حتى لما بعد توصل الحكومة لاتفاق، خاصة إذا ما استمر غياب التوازن عن السجلات المالية للبلاد.

وعلق زندي على ذلك بقوله «الهالة المحيطة بواشنطن انحسرت. أنت تعلم أن الناس ينظرون للولايات المتحدة باعتبارها صاحبة تصنيف ممتاز في درجة الملاءة، (إيه إيه إيه) وهو المستوى الذهبي، وأعتقد أننا نشوه هذه الصورة الآن».

جدير بالذكر أن الحكومة بدأت في الاستعداد لشروط أكثر صرامة بكثير للاقتراض خلال العام منذ اندلاع الأزمة المالية، وتحولت نحو إصدار ديون أطول أمدا. وكانت هناك حاجة خاصة لهذا الإجراء نظرا لأن الكثير من الديون الصادرة لتغطية الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 كانت ديونا قصيرة الأجل.

ولا تزال الولايات المتحدة تتمتع بتكاليف اقتراض منخفضة - دون 3 في المائة على كمبيالة لعشر سنوات - لكن هناك مخاوف من أن المبالغات المحيطة بالنقاش الحالي ستزيد التكاليف. المعروف أن تكاليف الاقتراض الوطنية المنخفضة تترجم إلى تكاليف اقتراض أقل للشركات والأفراد الأميركيين.

أيضا، من الممكن أن يتسبب تراجع ثقة المستثمرين في الولايات المتحدة في الإضرار بقيمة الدولار، تبعا لما أوضحه ويليام إتش. غروس، رئيس شؤون الاستثمار لدى «بيمكو»، صندوق السندات الذي يتخذ من كاليفورنيا مقرا له. وأضاف غروس أنه يعتقد أن الدولار سيصبح أضعف بسبب عجز البلاد عن التعامل مع ديونها المتفاقمة. بدلا من ذلك، يفضل عملات الصين وكندا والبرازيل والمكسيك. وأشار إلى أنه بالمقارنة بميزانية الولايات المتحدة، فإن «قمصانهم القذرة تبدو أنظف كثيرا».

في نيويورك، عكف صندوق «كيه إل إس لإدارة الأصول المتنوعة» لتخزين النقد لاستغلال فرص جني أرباح إذا، على سبيل المثال، اضطر مستثمرون للبيع بأسعار زهيدة بسبب تراجع تصنيف درجة الملاءة للبلاد.

يذكر أن «كيه إل إس» تأسس في صيف 2008، وتمكن من النجاة من العاصفة المالية بفضل عدة أسباب منها النقد الكثير الذي يملكه، رغم أنه في ذلك الوقت كان يرى سندات الخزانة على قدر نفس الأمان الذي يتميز به النقد. وأعلن الصندوق أنه حال عجز الولايات المتحدة عن الوفاء بديونها، فإنه يرى أن بمقدوره جني مال إذا فر المستثمرون من السوق، حسبما ورد على لسان هاري لنغسفيلد، الشريك الإداري بالصندوق.

ويرى أنه من غير المحتمل وصول واشنطن لحالة العجز عن سداد الديون، لكن حدوث ذلك لا ينبغي النظر إليه كمفاجأة. وقال «من الصعب التظاهر بأن هذه الاحتمالية لم يجر تناولها وتحذير الناس منها مرارا».

ومن بين أسوأ الاحتمالات التي يدرسها المعنيون بالصناعة المالية، أمثال لنغسفيلد، احتمال اضطرار العشرات من شركات التأمين وصناديق المعاشات والاستثمار للتخلي عن سندات الخزانة التي يملكونها.

إلا أنه في بعض الحالات، ربما تعفى سندات الخزانة من القواعد المرتبطة بتصنيف «إيه إيه إيه».

من جهتها، قالت ديبورا كننغهام، التي تتولى الإشراف على مبالغ بقيمة 271 مليار دولار داخل «فيديريتيد إنفسترز» في بتسبرغ، إن هذه الصناديق نفسها لن يجري الضغط عليها للتخلي عن السندات التي تملكها إذا حدث تراجع في تصنيف درجة الملاءة. وتنص تنظيمات لجنة الأوراق المالية والبورصة على ضرورة أن تستثمر الصناديق أموالها في سندات الخزانة، لكنها لم تحدد أن تكون هذه السندات من تصنيف «إيه إيه إيه»، حسبما شرحت كننغهام.

* خدمة: «نيويورك تايمز»