شركة استشارات دولية: فرص استثمار ضخمة متوفرة في العراق.. ولكن تبقى محاذير

«بوز آند كومباني» تؤكد أن توقيت التحرك سيكون العنصر الحاسم للمستثمرين

إنتاج النفط العراقي يقترب من مستوياته قبل الحرب (رويترز)
TT

قالت دراسة اقتصادية حديثة إن مستقبل النجاح للشركات في العراق سيكون من باب إيجاد المعادلة الصحيحة للاستثمار، حيث يجب أن يكون الاستثمار في العراق بخطوة مدروسة بعناية، لا تأخذ بعين الاعتبار الفرص المتوفرة في السوق فحسب، بل قدرات الشركة المعنية أيضا، بالإضافة إلى الأهمية التي يمثلها العراق بالنسبة إلى مجموعة الاستثمارات العامة، والمخاطر والفوائد المحتملة. وقالت شركة «بوز آند كومباني» في دراستها التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إن الشركات الإقليمية ومتعددة الجنسيات تدرك على حد سواء وجود هذه فرص الكبيرة، إلا أن توقيت التحرك يبقى هو العنصر الحاسم هنا. وأضافت الدراسة أنه في الوقت الذي يشق فيه العراق طريق العودة إلى النمو الاقتصادي، ستتطور القطاعات المختلفة بوتيرات متفاوتة، حيث توجد بعض القطاعات التي تنمو بشكل سريع، وعلى المستثمرين الذين يدخلونها أن يعملوا على أساس المدى القصير - أي في غضون السنتين المقبلتين - وتوجد قطاعات أخرى بدأت التطور للتوّ، وسوف تتسارع خطاها في السنوات القليلة المقبلة. وقالت اكاترينا ارسينييفا، المستشارة الأولى في «بوز آند كومباني»، إن ثمة قطاعات تحتاج إلى الكثير من العمل لإرساء الأسس اللازمة قبل أن تحقق انطلاقة فعلية، وفي هذا الصدد يتعين على الشركات أن تنتهج سياسة طويلة المدى وتضع استراتيجياتها للاستثمار فيها في فترة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات، بحيث تبلغ حجم النمو المطلوب بعد بضع سنين.

وأضافت: «كل صباح على امتداد الطريق السريع رقم 80 الذي يربط مدينة الكويت بالبصرة، أصبح من المشاهد المألوفة وقوف طابور طويل من الشاحنات في انتظار عبور الحدود إلى ساحة تفريغ في مدينة صفوان العراقية».

وزادت ارسينييفا: «تشكل الشاحنات المحملة بمواد البناء والسلع الاستهلاكية ومعدّات الحفر خط إمداد حيوي للسكان والمشاريع في جنوب العراق، وبحلول عام 2020، قد يرتفع عدد الشاحنات إلى أكثر من الضعف ليصل إلى نحو 500 شاحنة في اليوم الواحد، وذلك من نقطة عبور واحدة إلى دولة آخذة في النمو المتسارع، فبعد سنوات من الحرب والإهمال، ها هو العراق يعيش بداية نهضة اقتصادية جديدة».

ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العراق بنسبة 4.2 في المائة في عام 2009، ونحو 5.5 في المائة في عام 2010، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يواصل النمو بنحو 7 في المائة سنويا حتى عام 2015، وقد وضعت الحكومة خطة طموحة للتنمية الوطنية تقضي باستثمار 186 مليار دولار على مدى خمس سنوات، يُخصص منها 100 مليار دولار من موازنة الدولة.

وقالت المستشارة الأولى في «بوز آند كومباني» يبدو الطريق ممهدا لارتفاع الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير، تزامنا مع نمو عدد السكان بنسبة 3 في المائة سنويا، ولا سيما أن نصف سكان البلاد هم دون سن 20 عاما.

وأشارت الدراسة إلى أنه ليس من المستغرب ذلك النمو المتسارع الذي شهده قطاع النفط، حيث وصل معدل إنتاج النفط إلى 2.4 مليون برميل يوميا في أواخر عام 2010، مقتربا من معدلات الإنتاج في مرحلة ما قبل الحرب، وتسعى وزارة النفط العراقية بالتعاون مع وزارة الثروات المعدنية في إقليم كردستان إلى رفع معدل الإنتاج إلى أكثر من 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2017. وزادت الدراسة التي عنونت بـ«صعود بابل: الاستفادة من نهضة العراق» أن احتياطيات النفط التي يملكها العراق (رابع أكبر احتياطي في العالم)، وانخفاض تكاليف الإنتاج، جذبت استثمارات شركات نفط عالمية رائدة، منها «إكسون موبيل»، و«بريتش بتروليوم»، وشركة النفط الوطنية الصينية، و«لوك أويل»، و«ستات أويل»، و«سونانغول».

وأكدت أن تلك الشركات سعت بكل جهدها للحصول على عقود عبر تعزيز أهدافها الإنتاجية وخفض تكاليف خدماتها، وهو ما يعكس ثقتها بإمكانات العراق على المدى الطويل، حيث توجد فرص ضخمة أيضا في مجال عقود الخدمات والعقود الفرعية المرتبطة بالتنقيب عن النفط وإنتاجه.

من جهته، بيّن براندون راي، مستشار في شركة «بوز آند كومباني» أنه على النحو المماثل شهد قطاع الاتصالات انطلاقة سريعة، حيث أفاد البنك الدولي بأن العراق انتقل من عدم وجود مشتركين في خدمة الهاتف الجوال في حقبة حكم صدام حسين، إلى وجود 3 شركات للهواتف الجوالة، وانتشر الهاتف الجوال بمعدل يبلغ 77 في المائة.

وبادرت شركات عربية، متمثلة في «زين» الكويتية، واتحاد يضم «كيوتل» القطرية، و«الوطنية» الكويتية، و«آسياسل» العراقية، لبناء هذا القطاع من الصفر، والحصول على رخص تشغيل وتطوير بنية تحتية جديدة.

كما أسهمت شركات أخرى في وقت لاحق، كـ«فرانس تيليكوم» في شركة «كورك»، التي تعتبر شركة الاتصالات الرئيسية في الشمال الكردي، وبعد انطلاق عملية بناء الشبكات بشكل جدي، باتت هناك فرصة كبيرة لتطوير تطبيقات وخدمات ومضمون تحقق كلها هوامش عائدات كبيرة.

وتابع راي: «ثمة قطاعات بدأت انطلاقتها للتو، وفي مقدمتها؛ الصناعة حيث أسهم قطاع الصناعات التحويلية بنحو 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1993، قبل أن يتراجع بشكل كبير في الوقت الحاضر، ولكن يبدو أن هذا القطاع بات مهيأ للنمو من جديد».

وأكد أنه من الممكن أن يسهم التنشيط الواسع النطاق والدعم الحكومي في جعله مصدرا لفرص عمل كثيرة، ومساهما أساسيا في الاقتصاد، ومن المؤشرات الأولى على الإمكانات التي يملكها هذا القطاع صناعة الإسمنت، حيث شجعت وزارة الصناعة والمعادن العراقية على الترخيص لـ20 منشأة جديدة، ووضعت برنامجا للشراكة بين القطاعين العام والخاص لتجديد ست منشآت.

إلا أنه مع تلك الجهود المبذولة، وعلى الرغم من الاستثمار المبكر لشركة «أوراسكوم» المصرية، أوضح المستشار في «بوز آند كومباني» أن العراق لا ينتج إلا 5 ملايين طن من الإسمنت في السنة، وهو رقم أقل بكثير من حجم الطلب المتوقع، والبالغ 25 مليون طن، إلا أنه وفي هذه الأثناء تدرس الشركات الإقليمية الخيارات المطروحة أمامها، وتتردد بين ميزة التحرك في وقت مبكر والدخول المباشر إلى العراق، على الرغم من المخاطر الأمنية، والدخول غير المباشر عبر خدمة العراق، انطلاقا من المراكز الإقليمية القائمة، وبالتالي تحمل تكاليف إضافية، مثل النقل.

وتابعت الدراسة أن ثمة ديناميات مماثلة يشهدها قطاع التكرير والبتروكيماويات، حيث تنتظر معظم الشركات العاملة لترى كيفية تطور هذه الصناعة.

وتحتاج شركات التكرير إلى إبرام عقود شراء طويلة المدى مع الحكومة أو موزعين آخرين قبل أن تستثمر المليارات في مصافي التكرير، وبالمثل، لا يزال إنتاج البتروكيماويات مجمدا إلى حد كبير، علما بأن هذه الصناعة توفر هوامش ربح أعلى بكثير من التكرير، وذلك يرجع لكونها تحتاج إلى ضمانات للمواد الأولية لتوفير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، الذي يعد ثروة طبيعية يطورها العراق بوتيرة أبطأ كثيرا مما يطور النفط.

وأكدت أن شركات النقل والخدمات اللوجيستية ستستفيد خلال السنوات القليلة المقبلة، بينما يستقر العراق ويصبح مركزا للتجارة والنشاط الصناعي والاستهلاك، وتتمثل الأولوية الفورية في تقديم الخدمات اللوجيستية للمشاريع - أي نقل الحفارات ومعدات التنقيب - تزامنا مع سعي العراق لتشغيل حقول النفط بكامل طاقتها الإنتاجية.

وشددت على أن التركيز سيتحول على المدى الطويل إلى تحقيق توازن أكبر في حركة التجارة، ولكن ستحتاج الموانئ والطرق وسكك الحديد والمطارات في العراق إلى تجديدها، لتتمكن من مواكبة هذا النشاط.

وأوضحت أن عدم اليقين يظل على القطاعات الأخرى، مما يجعلها مجالا للتحرك على المدى الطويل، وعلى سبيل المثال، يجب أن تتشجع شركات السلع الاستهلاكية، بالنظر إلى سجل العراقيين كمستهلكين متطورين، ولكن يجدر بها الانتظار لترى درجة تعافي الطبقة الوسطى في البلاد.

وتعمل الشركات التجارية المتعددة الجنسيات في الوقت الراهن على تقديم خدماتها إلى العراق من مراكزها الإقليمية عبر موزعين خارجيين، وهذا في سبيل إعادة بناء الوعي بالعلامات التجارية بعد سنوات الحظر، بينما تتحرك الشركات الإقليمية نحو العراق بقوة أكبر قد تجعلها تستفيد من المبيعات على المدى القصير، وترسخ علاماتها التجارية على المدى الطويل، بفضل دخولها إلى السوق بشكل سريع. وأوضحت أنه على نحو مماثل، لم تنجح الخدمات المالية في الانطلاق بقوة حتى الوقت الحاضر، مما يعني أن أمامها فرصا كبيرة للنمو، ويشار إلى أن مصرفي الرشيد والرافدين، اللذين تملكهما الدولة، كانا يحوزان 90 في المائة من الأصول المصرفية في العراق في عام 2008، بينما حققت المصارف المتعددة الجنسيات، ومنها «ستاندارد تشارترد» و«إتش إس بي سي»، وجودا محدودا في العراق، من خلال شراكات، أو انطلاقا من مراكزها الإقليمية، ولكن في نهاية المطاف، ومع توسع السوق الاستهلاكية وتطور خطة التنمية في البلاد، ستكون هناك فرصة كبيرة لشركات الخدمات المالية.