أوباما يدرس خطة بديلة تقنع الكونغرس برفع سقف الدين

مصادر بوزارة الخزانة: أميركا قادرة على الوفاء بالتزاماتها حتى بعد 2 أغسطس

زعيم الاغلبية اريك كانتور في طريقه إلى المؤتمر الحزبي الجمهوري في واشنطن. (ا.ف.ب)
TT

واجهت خطة للحزب الجمهوري لخفض عجز الميزانية الأميركية تأجيلا ومعارضة شديدة أمس الأربعاء، وهو ما أثار احتمال تخلف البلاد عن السداد وخفض تصنيفها الائتماني، في حين قال البيت الأبيض إنه يعمل مع الكونغرس للتوصل إلى خطة بديلة قبل أقل من أسبوع على الموعد النهائي للتوصل لاتفاق.

ويسعى زعماء منقسمون بشدة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإيجاد أرضية مشتركة قبل الثاني من أغسطس (آب)، وهو التاريخ الذي من المتوقع أن تبلغ فيه الحكومة سقف الاقتراض البالغ 14.3 تريليون دولار، الأمر الذي قد يؤدي لتخلف البلاد عن سداد ديونها ويهز الأسواق العالمية.

وحتى في حالة تفادي هذا المصير فإن خطة للميزانية لا تشتمل على تخفيضات كبيرة في العجز قد تؤدي لخفض التصنيف الائتماني المتميز للولايات المتحدة وهو ما من شأنه أن يرفع تكاليف الاقتراض ويوجه ضربة قوية للتعافي الاقتصادي الهزيل.

وبعد أسابيع من الجدل المضني تشكلت ملامح اتفاق محتمل، لكن كلا من الجمهوريين والديمقراطيين يرفض بعض المطالب الأساسية ويتهم الآخر بتقديم السياسة على المصلحة الوطنية. ويحتاج المشرعون للتوصل إلى خطة للميزانية لتمهيد السبيل أمام الكونغرس لرفع سقف الاقتراض. وتراجعت فرص التوصل لحل سريع بعد تأجيل اقتراع على خطة لخفض العجز قدمها زعماء جمهوريون كبار في الكونغرس إلى اليوم الخميس. وسارع جون بينر رئيس مجلس النواب المنتمي للحزب الجمهوري لتعديل خطته بعدما خلص تحليل إلى أنها ستخفض الإنفاق بواقع 350 مليار دولار أقل من الإجمالي البالغ 1.2 تريليون دولار على مدى عشر سنوات كما كان يزعم. وهدد الرئيس باراك أوباما برفض الخطة ووصفها عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي هاري ريد بأنها محكوم عليها بالفشل.

وفشلت الخطة أيضا في الحصول على تأييد حزب الشاي الجمهوري المحافظ الذي رفض بشدة تأييد رفع الضرائب ويريد تخفيضات أكبر في الإنفاق الاجتماعي التي عادة ما كان يدافع عنها الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له أوباما. وقال البيت الأبيض يوم الثلاثاء إنه يعمل مع الكونغرس للتوصل إلى خطة بديلة لم يحددها، تبعث بارقة أمل في التوصل لاتفاق في اللحظات الأخيرة مع شعور المشرعين بالضغط من الأسواق المالية التي يتزايد قلقها. ودفعت الأزمة الأسهم العالمية للهبوط لا سيما في أوروبا وحول المستثمرون أموالهم إلى ملاذات آمنة تقليدية مثل الذهب والفرنك السويسري اللذين ارتفعا إلى مستويات قياسية مقابل الدولار.

وفي واشنطن ذكر تقرير إخباري أن الحكومة الأميركية ستظل قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية لعدة أيام تالية بعد 2 أغسطس المقبل حتى إذا لم تتم الموافقة على رفع سقف الدين العام الأميركي قبل هذا الموعد. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن محللين اقتصاديين القول إن المتحصلات الأخيرة للضرائب إلى جانب بعض الأعمال المحاسبية يمكن أن توفر للخزانة الأميركية مبالغ مالية تكفي لسداد التزاماتها حتى يوم 10 أغسطس المقبل.

وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن تاريخ 2 أغسطس يشير إلى انتهاء خطوط الائتمان المتاحة أمام الخزانة الأميركية ولكن يمكن أن يكون لدى الخزانة سيولة نقدية من مصادر أخرى تكفي لعدة أيام.

ولكن الخبراء قالوا إنه حتى إذا كانت هناك سيولة نقدية تكفي لعدة أيام تالية للموعد النهائي فإن هذا لا يقلل من أهمية إقرار رفع سقف الدين العام قبل 2 أغسطس. ومن المنتظر أن يصوت مجلس النواب الأميركي على خطة قدمها زعيم الأغلبية الجمهورية ورئيس المجلس جون بويهنر لحل الأزمة في وقت لاحق اليوم بعد تأجيل التصويت عليها أمس في ظل شكوك في إمكانية تمريرها.

وعلى الرغم من اقتراب الاستحقاق، أعرب البيت الأبيض عن «ثقته». وقال المتحدث باسم الرئاسة جاي كارني «إذ نبقى على ثقة (بإيجاد حل)، فإننا ندرك أيضا وجود مشاعر قلق لأننا نرجئ الأمور إلى اللحظة الأخيرة». وقال باينر مساء الاثنين، موجها الاتهام إلى الرئيس «الحقيقة المؤسفة أن الرئيس.. يريد شيكا على بياض». وتنص خطة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ على رفع سقف الدين إلى حد يكفي للاستمرار حتى العام 2013 بموازاة خفض العجز بواقع 2700 مليار دولار.

الجمهوريون من جهتهم يتمسكون بخطة على مرحلتين تقضي في مرحلة أولى برفع سقف الدين بمقدار ألف مليار دولار قبل الثاني من اغسطس، يقابلها اقتطاع في النفقات بمقدار 1200 مليار دولار على عشر سنوات، ثم في مرحلة ثانية رفع سقف الدين مجددا مطلع 2012 في خضم حملة الانتخابات الرئاسية. غير أن مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي قدر مساء الثلاثاء المدخرات جراء خطة باينر بـ 850 مليار دولار فقط وليس 1200 مليار على عشر سنوات، مما قد يضع المسؤول الجمهوري في وضع حرج تجاه حلفائه الجمهوريين. وقد رفض أوباما هذه الخطة، محذرا من أنها تؤدي إلى تكرار الأزمة السياسية الحالية بعد ستة أشهر. وقال كارني الثلاثاء «إن خطة باينر لا يمكن إقرارها في مجلس الشيوخ»، حيث الغالبية للديمقراطيين، فيما هدد البيت الأبيض باستخدام الفيتو ضدها.

واتهم ريد المحافظين المتطرفين من حركة «حزب الشاي» في المجلس بأنهم «يمسكون بخيوط الوضع» و«يمنعون باينر من القبول بتسوية». وقال السيناتور «إن سن القوانين عبارة عن فن التسوية، ومن المؤسف أن الطرف الآخر في الكابيتول لا يفهم معنى هذه الكلمة».

وكشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي» أن 37 في المائة من الأميركيين يعتبرون أن أوباما أسهم في تدهور الوضع الاقتصادي، بزيادة ست نقاط عن أكتوبر، غير أن 65 في المائة غير موافقين على أسلوب الجمهوريين في التعامل مع مسألة البطالة.

وعلى الصعيد الخارجي قال اقتصاديون لـ«رويترز» إن «بلوغ حالة تخلف عن السداد أو خفض كبير في درجة التصنيف الممنوحة لتوقيع الولايات المتحدة سيكون حدثا خطيرا جدا جدا جدا. ليس للولايات المتحدة وحسب، وإنما للاقتصاد الأميركي عموما». وقال الاقتصاديون إن «الانعكاسات عبر الحدود على المدى القصير اعتبارا من الولايات المتحدة على النمو في الخارج فريدة في أهميتها وتدل على الدور المركزي للأسواق الأميركية في التحديد العالمي لأسعار الأصول». ووفقا لحسابات هؤلاء الاقتصاديين فإنه في الأوقات الجيدة عندما يزداد النمو الأميركي نقطة مئوية، فإن نمو «غالبية دول مجموعة العشرين» يربح نصف نقطة. لكنهم لم يحتسبوا الأمر في الاتجاه المعاكس عندما يتباطأ النمو. لكن «فقدان الثقة» في «المصداقية المالية» لواشنطن «يولد تداعيات سلبية كبيرة على بقية العالم، مع الأخذ في الاعتبار دور المرجعية العالمية لمردود سندات الدولة الأميركية»، فقد تراجع نموه إلى 1.7 في المائة وفق الوتيرة السنوية في الفصل الثاني بحسب معدل توقعات المحللين قبل نشر أول تقديرات للحكومة الأميركية الجمعة. وحتى لو «تمكنت الولايات المتحدة من دفع فواتيرها» في الأوقات المحددة، وحتى ولو شهدت الأزمة حلحلة سريعا «فهذا ليس الوقت الصائب تماما ليحصل ذلك»، بحسب ناريمان بيراوش كبير الاقتصاديين في مجلس «آي إتش إس غلوبال إنسايت» للاستشارات الشاملة.

وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أن «العواقب في مناطق أخرى من العالم ستكون كبيرة، لا سيما في المناطق التي تشهد نموا بطيئا مثل أوروبا لأن التجارة مع الولايات المتحدة ستتضرر».