سوروس يحول صندوقه «كوانتم» إلى استثمار عائلي

المستثمرون خارج العائلة يملكون مليار دولار .. سيقوم برد أموالهم

جورج سوروس
TT

قرر جورج سوروس، المستثمر الذي قوض من «بنك أوف إنغلاند» (بنك إنجلترا المركزي)، وأصبح يمثل مديري صناديق التحوط الجريئين، وبعد ذلك أصبح نموذجا لدورهم في الشؤون العالمية، قرر إعادة الأموال إلى المستثمرين الخارجيين في صندوقه «كوانتم».

وبذلك يعد سوروس، الذي يتم 81 عاما الشهر المقبل، آخر أقطاب صناديق التحوط الذين يمتنعون عن إدارة أموال آخرين. ولكن تعد هذه الخطوة رمزية أكثر منها لها أثر فعلي، فمن بين قرابة 26 مليار دولار يديرها الصندوق، يمتلك المستثمرون الخارجيون أقل من مليار دولار.

ويأتي هذا القرار فيما تقوم إدارة أوباما باتخاذ إجراءات لفرض رقابة على صناديق التحوط. وستكون شركة «سوروس لإدارة الصناديق» أشبه بمكتب عائلي، حيث ستدير أموال عائلة واحدة. وسيساعد هذا الإجراء الشركة على تجنب تنظيمات ملزمة لصناديق التحوط، مثل التسجيل، وذلك بحسب ما أفاد به خطاب أرسله الصندوق للمستثمرين يوم الاثنين.

وجاء في خطاب أرسله ابنا سوروس، جوناثان وروبرت، وهما رئيسان مشاركان للصناديق: «لسوء الحظ فإنه نتيجة للظروف الجديدة لن نكون قادرين على إدارة أصول أي شخص خارج العائلة كما هو محدد بموجب التنظيمات. وعليه ستطلب شركة (سوروس لإدارة الصناديق) من مجلس إدارة صندوق (كوانتم) إعادة الكمية الصغيرة نسبيا من رأس المال غير المؤهل للمستثمرين الخارجيين قبل الموعد النهائي للتسجيل، والذي يحتمل أن يحدد بنهاية العام».

يذكر أنه خلال الأشهر الـ12 الأخيرة، قرر مديرو صناديق تحوط بارزة آخرون وقف إدارة أموال مستثمرين من الخارج، بمن فيهم مسؤول الاستثمار الرئيس السابق لسوروس ستانلي دروكنميلر، الذي ذكر الضغوط التي تحيط عملية إدارة أموال آخرين. كما قرر كريس شيمواي والمستثمر الناشط كارل إكان إعادة أموال مستثمرين من الخارج.

ويأتي ذلك في معرض مشهد متغير لصناديق التحوط – التي نادرا ما كانت تخضع لأي إجراءات تنظيمية. ومنذ الأزمة المالية، تراجع إغراء إدارة صندوق التحوط، حيث إن القوانين الجديدة ومطالب المستثمرين تجبر المديرين على إضفاء طابع مؤسساتي بتعيين مسؤولين عن الالتزام بالقواعد وتوفير قدر أكبر من الشفافية.

ولكن قام مديرون أثرياء آخرون بتكييف أمورهم. وعلى سبيل المثال قام صندوق «إس إيه سي كابيتال»، وهو صندوق تحوط قيمته 12 مليار دولار ويديره ستيفن كوهين، بتعيين طاقم جديد لمتابعة مدى الالتزام بالقواعد واستمر في جمع المال والتميز في الأداء داخل السوق. وفيما يقوم منظمون بفحص التعاملات السابقة للشركة، شهدت «إس إيه سي» ارتفاعا نسبته نحو 10% هذا العام.

وفي حالة سوروس، فإن ثروته الكبيرة تعني أنه يستطيع القيام بما يشاء. وليس لدى المديرين الأصغر، الذين كانوا يعتمدون على إعفاءات حكومية لتجنب الرقابة، رفاهية وقف إدارة أموال المستثمرين الخارجيين. ويقول ريتشارد شيتمان، الشريك في شركة الاستشارات القانونية «كادوالادر ويكرشام أند تافت»: «لا يقول الكثير منهم إنهم سيفعلون ذلك بسبب هذه القواعد. لدى سوروس المال الكافي في هذه المرحلة من حياته المهنية، ولذا أصبح الأمر محل اختيار، وقد اختار ذلك».

وقد أغلق صندوق سوروس أمام المستثمرين من الخارج منذ 2000، عندما ترك دروكنميلر الشركة ليتولى شركة «دوكين لإدارة رأس المال».

وقد حقق صندوق «كوانتم» عائدا يبلغ نحو 20% سنويا في المتوسط، وفقا لما أفاد به شخص مطلع على الأمر. وقال المصدر، شريطة عدم ذكر اسمه لأن هذه المعلومات سرية: إنه في العام الحالي تراجع الصندوق بنسبة 6%.

وبعدما يتحول إلى مكتب عائلي، سيستمر العمل بطاقم يبلغ أكثر من 200 موظف، من بينهم 100 متخصص في الاستثمار.

وفي خطاب إلى المستثمرين قالت الشركة أيضا إن كيث أندرسون، مسؤول الاستثمار الرئيسي داخل سوروس منذ 2008، سيترك منصبه. ولم يتضح أين سيذهب أندرسون، الذي كان في شركة «بلاك روك» المتخصصة في إدارة الأصول. وقد أوردت «بلومبرغ نيوز» في وقت سابق التغيرات داخل الصندوق.

وسيتيح التصنيف كمكتب عائلي لصندوق سوروس تجنب اثنين من أهم التنظيمات الخاصة بصناديق التحوط بموجب التعديل التنظيمي المالي في قانون «دود - فرانك». ولن يضطر الصندوق إلى التسجيل لدى لجنة البورصة والأوراق المالية، مما يمكنه تجنب عمليات إفصاح هامة حول النشاط، مثل استراتيجيات التداول. وعلاوة على ذلك، سيتجنب الصندوق التزاما بتقديم بيانات مفصلة إلى مجلس الإشراف على الاستقرار المالي، الذي يراقب مؤسسات تطرح تهديدا للاقتصاد.

ويقول توماس ليفرغود، المسؤول التنفيذي بشركة استشارات المكاتب العائلية «فاميلي ويلث إليانس»: «يشبه الأمر الطائرة الخاصة. لا يريد جورج سوروس أن يطير على طائرة عادية. يرتبط الأمر بالخصوصية والرقابة».

ورغم أن من الصعب معرفة أرقام محددة، فإن التقديرات تشير إلى أن المكاتب العائلية تدير أصول نحو تريليوني دولار، وفقا لما أفادت به شركة «فاميلي ويلث إليانس».

وقد قدرت مجلة «فوربس» صافي ثروة سوروس بأنها تبلغ 14.5 مليار دولار هذا العام. ولكن الكمية الصغيرة نسبيا للمال الخاص بأفراد من الخارج داخل الصندوق يشير إلى أن أغلبية الـ25 مليار دولار تخص سوروس – مما يشير إلى أن صافي ثروته قد يتجاوز التوقعات السابقة.

ويعتبر سوروس من أقطاب قطاع صناديق التحوط. ورغم أنه ترك المتابعة اليومية للصندوق لآخرين منذ عقود، فإن طول فترة بقائه جعلته أحد الرموز القلة الباقين منذ وقت طويل.

وولد سوروس في بودابست عام 1930. وفي عام 1944 قام النازيون باحتلال المجر، وحصل والد سوروس على هوية زائفة ساعدته على تجنب الاعتقال مثل اليهود. وفي عام 1947 هرب سوروس من المجر إلى لندن، حيث تخرج في كلية لندن للاقتصاد. وبدأت حياته المهنية داخل وول ستريت في الخمسينات من القرن الماضي. وعمل كمتداول ومحلل في الكثير من الشركات قبل أن يؤسس صندوق التحوط الخاص به عام 1973 برأسمال 12 مليون دولار، معظمها أموال مستثمرين.

وجاءت أرباحه الضخمة من رهانات كبيرة كانت تهدف إلى تحقيق أرباح من الاتجاهات الاقتصادية العالمية، وذلك من خلال تداول عملات وسلع وسندات وغيرها من الأوراق المالية. واكتسب سوروس سمعته بالرهان على العملات.

وفي عام 1992، وضعت شركة سوروس رهانا قدره 10 مليارات دولار ضد الجنيه الإسترليني، حيث كان يعتقد أن الدولة ستضطر إلى خفض قيمة عملتها. وفي معركة محتدمة ضد «بنك أوف إنغلاند»، الذي كان يدافع عن الجنيه الإسترليني، فاز سوروس ليكسب أكثر من مليار دولار.

وعلى مدار وقت طويل من حياته المهنية، كان سوروس يعتبر نفسه أشبه بفيلسوف ورجل دولة، وكان يتبنى نظريات سوق مرتبطة بدراسة النفس البشرية. وكتب سوروس 12 كتابا وعددا لا يحصى من المقالات لمؤسسات صحافية. وله نشاط كبير في المجال الخيري، ويروج لأفكار ليبرالية.

وفي الشهر الماضي، وفي مقال لـ«نيويورك ريفيو أوف بوكس»، كتب سوروس أن هذه الثروة مكنته من اتخاذ موقف في وقت عجز آخرون عن فعل ذلك، وهذه الحرية جعلته يشعر بقدر كبير من الرضا. وأضاف: «باختصار، جعلتني فلسفتي سعيدا. ما الذي قد يحتاج إليه أحد غير ذلك؟»

* خدمة «نيويورك تايمز»