أسواق غزة: كثير من السلع.. قليل من المال

مع اقتراب شهر رمضان

جانب من مركز تسوق «الأندلسية مول» الذي تم افتتاحه حديثا في قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

لدى دخول مركز تسوق «الأندلسية مول» الذي تم افتتاحه حديثا في قطاع غزة، فمن السهل معاينة تكدس البضائع الذي يشهده القطاع عشية حلول شهر رمضان المبارك، في وضع غير مسبوق منذ سنوات.

ومركز التسوق الجديد الذي يعد فريدا في قطاع غزة المنهك من حصار إسرائيلي مشدد منذ أربعة أعوام، يظهر صورة واضحة لنتائج التسهيلات التي أجبرت إسرائيل على إدخالها على واقع الحصار، صيف العام الماضي، مما سمح بتوريد مئات الأصناف المفقودة سابقا.

ويعج المول المكون من ثلاثة طوابق، وأقيم بسمات حديثة ومصاعد كهربائية غير معهودة في القطاع، بمختلف أنواع البضائع، من أغذية وملابس مستوردة من إسرائيل ودول مجاورة، لكن من الصعب التكهن بنجاح مثل هذا المشروع في ظل الاقتصاد المنهك للقطاع.

وفي تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، يقول محمود كاظم أحد المسؤولين في «الأندلسية مول» إن اكتظاظه بالمتسوقين منذ افتتاحه، قبل أسبوع، لا يعني مطلقا حجم المبيعات، على الرغم من أنه افتتح قبل أيام من حلول شهر رمضان، الذي من المفترض أن يرافقه تجهيزات خاصة للأسر.

ويضيف كاظم بينما كان يجيب على أسئلة مكثفة من المتسوقين: «الناس تسأل ولا تشتري، تستفسر عن هذه البضاعة ومصدرها وأسعارها، ومن ثم تغادر من دون أن تشتري 10 في المائة مما تسأل عنه». ويقول تجار محليون واقتصاديون إن التسهيلات على حصار غزة، وتكدس البضائع، لا يعني شيئا بالنسبة للغالبية الساحقة من سكان القطاع، الذين لا يزالون يعانون من ركود اقتصادي ومعدلات قياسية من الفقر والبطالة.

ويشير هؤلاء إلى أن حركة الإقبال على شراء متطلبات شهر رمضان ما زالت تعاني ركودا حادا، على الرغم من توفر غير مسبوق لكميات وأنواع البضائع، وتكدسها بشكل دفع إلى انخفاض نسبي في أسعارها. وهذا الركود يعزوه خبراء إلى عدة أسباب، في مقدمتها الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية التي أجبرتها على دفع نصف رواتب موظفيها لشهر يونيو (حزيران)، من دون أن تتمكن من تحديد مواعيد لسداد باقي نصف الرواتب، كما أنها لا تملك تأكيدات بشأن راتب شهر يوليو (تموز).

ويعني ذلك فقدان زهاء خمسين ألف موظف في قطاع غزة مصدر دخلهم الوحيد، علما بأن صرف هذه الرواتب يشكل الانتعاش الشهري الأساسي للحركة التجارية في القطاع.

ويقول محمد سعيد، وهو موظف عسكري لدى السلطة الفلسطينية، إن صرف نصف راتب يعني ببساطة «لا شيء خاص لرمضان هذا العام»، ويضيف سعيد، وهو في الثلاثينات من عمره: «أخبرتني زوجتي أنها أعدت قائمة مقلصة باحتياجات المنزل الخاصة بشهر رمضان؛ لكني أخبرتها أن عليها نسيان الأمر طالما لا يوجد رواتب كاملة».

هذا الحال ذاته ينطبق على عزت كمال، وهو موظف مدني يتقاضي راتبه من السلطة الفلسطينية، ويقول إن تحضيراته لشهر رمضان هذا العام اقتصرت على بعض المتطلبات الأساسية عبر السوبر ماركت القريب من منزله، من خلال الاستدانة.

ويسكن عزت في منزل للإيجار، وقد أجبر على دفع ما حصله من نصف راتب على الإيجار الشهري وديون أخرى متراكمة عليه.

ويعكس هذا الواقع اقتصار أصحاب المحلات التجارية على عرض المتطلبات الأساسية للأغذية الخاصة بشهر رمضان، مثل الخبز والدقيق والزيوت وأنواع الجبن المختلفة، أما مقتنيات شهر رمضان الخاصة، مثل البلح المجفف وقمر الدين وحلوى الشهر الفضيل وزينته، فتجدها في مكانة متراجعة من العرض بانتظار فئات معينة من المتسوقين.

وكان البيع في أسواق غزة منذ فرض الحصار المشدد، يقتصر على بضائع منتجة محليا، أو تلك التي تهرب عبر الأنفاق مع مصر، قبل أن تجذب أخيرا علامات تجارية مقبلة من إسرائيل التجار والزبائن.

ويحل شهر رمضان، وهو مناسبة معظمة لدى المسلمين، على سكان غزة في ظل انفراج نسبي للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أربعة أعوام.

وأدخلت إسرائيل في يونيو من العام الماضي سلسلة تسهيلات سمحت بزيادة كميات وأنواع البضائع التي يجري توريدها للقطاع الساحلي؛ استجابة لضغوط دولية عقب هجومها على قافلة «أسطول الحرية» الدولية، ومنعت إسرائيل هذا العام وصول قافلة ثانية إلى القطاع، لكن ذلك لم يكن ذا تأثير كبير على الوضع الاقتصادي للقطاع.

ويقول ماهر الطباع، المسؤول في الغرفة التجارية في قطاع غزة، إن التسهيلات الأخيرة التي أدخلتها إسرائيل على حصارها لغزة لم تشفع في تحقيق انتعاش اقتصادي ملموس في القطاع؛ كونها ما زالت في اتجاه واحد.

وأضاف أن هذه التسهيلات وإغراق أسواق غزة بالسلع، حولاه إلى مجتمع استهلاكي لا يتمتع بحركة اقتصادية في الاتجاهين، من خلال التصدير الذي تحظره إسرائيل، وبالتالي تسبب ذلك في ركود اقتصادي كبير.

من جهته يقول محمد سكيك، مسؤول مشروع متابعة حركة المعابر في مركز التجارة الفلسطيني «بال تريد» إن أبرز ملامح التغير التي ترتبت على تسهيلات حصار غزة، تمثلت في زيادة كمية البضائع والسلع الواردة إلى غزة.

ويبين سكيك أن التغير في أصناف السلع الواردة التي واكب دخولها القرار كان محدودا، إذ إن ما نسبته نحو 50 في المائة من السلع الواردة كانت استهلاكية، مقابل نحو 10 في المائة من المواد الخام، ونحو 15 في المائة من المساعدات الإنسانية، والنسب الباقية عبارة عن أجهزة كهربائية وتجهيزات زراعية، ومعدات محدودة الاستخدام، إضافة إلى الحبوب والأعلاف.

ووصف التغيرات المترتبة على القرار الإسرائيلي بالطفيفة؛ نظرا لعدم السماح حتى الآن لمنتجات القطاعات التصديرية المختلفة بالتصدير إلى الخارج، وبالتالي فإن الزيادة في عدد العمالة والطاقة التشغيلية جاءت بنسبة محدودة.

وإضافة إلى أزمة السلطة الفلسطينية المالية والركود الاقتصادي الحاصل، فإن وكالة غوث تشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة «أونروا»، أعلنت عن تقليص واسع في خدماتها الطارئة للاجئين الذين يمثلون أكثر من ثلثي سكان القطاع.