«ديون اليورو» تزرع القلق مجددا في مفاصل أسواق المال

«جي بي مورغان» حذر عملاءه من إيطاليا وإسبانيا

TT

في حين بدت الأسواق الأوروبية تعود إلى حياتها الطبيعية، بعد لغط حول أزمات الديون السيادية، تأتي المشكلات لتفتح الباب مجددا. قبل أسبوعين، بدت الأسواق في وضع أقوى بعد هيكلة مساعدات الإنقاذ الجديدة لليونان، بهدف منع انتقال العدوى. ولكن أول من أمس (الثلاثاء) جدد المتداولون هجماتهم على إيطاليا وإسبانيا مما أدى إلى رفع تكاليف الاقتراض الخاصة بهما، في الوقت الحالي على الأقل، إلى نقطة دفعت اليونان وآيرلندا والبرتغال إلى طلب مساعدات إنقاذ.

ويخشى البعض حاليا من أن تنفد الأموال لدى إيطاليا وإسبانيا اللازمة للوفاء بالتزامات الدين خلال أشهر إذا منعا أسواقا دولية. ويحذر مصرف «جي بي مورغان» عملاءه من أن إيطاليا وإسبانيا لديهما هوامش أمان محدودة. وقال المصرف الاستثماري إنه سينفد المال لدى الدولتين «خلال سبتمبر (أيلول) وفبراير (شباط) على التوالي، إذا ما لم تتمكنا من الوصول إلى أسواق تمويل». وأضاف المصرف أن هذه المخاوف تفضي إلى «تردي سلبي يغذي نفسه».

وكان مستهدف من أموال الإنقاذ، التي تم التفاوض بشأنها، الشهر الماضي، كجزء من حزمة الإنقاذ المقدمة إلى اليونان، أن تزيد من القدرة على مساعدة دول لم تحصل بعد على مساعدات إنقاذ، مثل إسبانيا وإيطاليا. ووصفها البعض بأنها خطة «مارشال» الجديدة لأوروبا، وكان يفترض أن تجعل هاتين الدولتين في وضع آمن من نيران مستعرة، وتمثل بالتبعية وسادة للكثير من المصارف الأميركية والأوروبية التي لديها ديونهما.

ولكن حذر بعض المتشككين من أن الأموال لن تفضي إلى ما يكفي، ولا سيما إذا استبدت أزمة الديون باقتصادات أكبر. وعلى الرغم من أن اقتصادات اليونان وآيرلندا والبرتغال صغيرة نسبيا، فإن الزعماء الأوروبيين سيواجهون تحديات على نطاق مختلف إذا ما واجهت إيطاليا وإسبانيا نفس العوامل.

وعلى سبيل المثال، فإنه إذا تعثر الاقتصاد الإيطالي، فستجعل معدلات الفائدة الأعلى من المكلف للغاية خدمة الدين الإيطالي الثقيل، الذي يعد أحد أكبر الديون في العالم بنسبة تبلغ 119 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومع خروج الكثير من الأوروبيين لقضاء إجازاتهم خلال الصيف، ربما تفاقم الظروف التجارية الضعيفة من التحركات داخل الأسواق، هذا الأسبوع. ولكن كان الإحساس بإلحاح الأمر واضحا في روما، حيث عقد وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي اجتماعا عاجلا للهيئات المالية بالبلاد مع بلوغ معدلات الفائدة على السندات المعيارية بإيطاليا أجل عشرة أعوام لأعلى معدل لها خلال 14 عاما، بعد أن بلغت 6.21 في المائة يوم الثلاثاء.

وقد أثار فراغ في القيادة بالمستويات الأعلى للحكومة الإيطالية مشاعر المستثمرين بدرجة أكبر. والتزم رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلسكوني، الصمت إزاء أزمة الديون لقرابة شهر، بينما كان يواجه فضيحة جنسية وقضايا أخرى. وكان من المفترض أن يتناول الأمر يوم الأربعاء في كلمة له حول الاقتصاد أمام البرلمان.

وفي مدريد، أرجأ رئيس الوزراء، خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، بدء إجازته يوم الثلاثاء ليتعامل مع مشكلات إسبانيا، بينما وافق، الأسبوع الماضي، على التنحي مبكرا لتحمل المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية داخل إسبانيا. وارتفع العائد على السندات الإسبانية أجل عشرة أعوام إلى 6.45 في المائة، وهو أعلى معدل لها منذ انضمام إسبانيا إلى نادي اليورو، قبل أن يتراجع قليلا. ويأتي هذا الارتفاع في وقت غير مناسب، حيث تحتاج الحكومة إلى تحصيل ما يصل إلى 3.5 مليار يورو (قرابة 5 مليارات دولار) في مزاد سندات يوم الخميس. وبالكاد تستطيع حكومات ألمانيا وفرنسا، وهي أكبر الاقتصادات داخل منطقة اليورو، تحمل فاتورة تنظيف أكبر لأزمة الديون الأوروبية. وأشارت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، نيكولاس ساركوزي، إلى ذلك، الشهر الماضي، حيث أخبرا برلسكوني في حديث موجز منفصل أنهما متأكدان من أنه سيقوم بالشيء المناسب للاقتصاد، وفقا لما ذكره شخص على معرفة بالمداولات.

وما زالت كل من إيطاليا وإسبانيا في حاجة إلى التعامل مع تل من الديون، وإظهار أنهما يحققان تقدما حقيقيا تجاه إزالة المشكلات المرتبطة بمصادر التمويل الخاصة بهما. وحتى حدوث ذلك، فمن المحتمل أن يستمر مستثمرون في دفع تكاليف الاقتراض الخاصة بهم لمعدلات أعلى. وتشعر الأسواق بحالة من القلق بسبب احتمالية أن تظهر مشكلات أخرى للدائنين إذا ما مضت دول أخرى في طريق اليونان.

ومع ضغط ألمانيا وفرنسا لإظهار أن دافعي الضرائب لن يكونوا الوحيدين المثقلين بتكاليف مساعدات الإنقاذ، وافقت مصارف في هذه الدول على أخذ بعض الخسائر في مساعدات الإنقاذ الأخيرة لليونان.

ولكن أصبح بعض المستثمرين أكثر توترا بشأن قدرة المصارف على أخذ خسائر أكبر على الدين البرتغالي والأيرلندي والإسباني والإيطالي إذا ما حدث هذا السيناريو. وقد ساعد ذلك على انتشار العدوى وطرح احتمالية عملية إنقاذ مصرفي عالية التكلفة من جانب دافعي الضرائب الأوروبيين. ويقول مسؤول مالي أوروبي بارز له علاقة ببرامج الإنقاذ وغير مسموح له بالحديث علنا: «تتمثل المشكلة في أننا لم نوقف العدوى التي تضع ضغوطا على إيطاليا وإسبانيا. من المحتمل أن نواجه مشكلات عدة إذا ما ازداد الوضع سوءا». وباستثناء السندات الألمانية، فإن الدين الإيطالي موجود لدى مصارف أوروبية على نطاق أوسع من أي التزام حكومي آخر. وقد يؤدي العجز عن السداد إلى دمار يلحق بالنظام المالي الأوروبي.

وبصورة مجتمعة، تحوز 90 من أكبر المصارف الأوروبية دينا إيطاليا بقيمة اسمية تبلغ 326 مليار يورو، وفقا لما جاء في بيانات جمعتها هيئة الصيرفة الأوروبية. ويلقي هذا المبلغ بظلاله على 90 مليار يورو في صورة دين يوناني لدى المصارف الأكبر. كما أنه أكبر من حيازات المصارف الأوروبية من الدين الأميركي والإسباني، الذي يبلغ في كلا الحالتين نحو 287 مليار يورو.

وتعد المصارف الإيطالية الأكثر عرضة لديون دولتهم، وقد عانت بعضها من تراجع حاد في أسعار الأسهم خلال الشهر الماضي. وعلى سبيل المثال، يحوز مصرف «يوني كريدت» 49 مليار يورو، وفقا لما أفادت به الهيئة المصرفية. ويحوز مصرف «بي إن بي باريبا» في فرنسا 28 مليار يورو في صورة دين إيطالي. وفي بريطانيا لدى مصرف «إتش إس بي سي» 9.9 مليار يورو في صورة ديون إيطالية، ولدى مصرف «باركليز» 9.4 مليار يورو. وبالمقارنة، تحوز المصارف الأميركية ديونا إيطالية قيمتها 14.38 مليار دولار.

وفي بيان بعد الاجتماع الطارئ في روما، أرجع مسؤولون مشكلاتهم إلى «ضبابية دولية»، وليس إلى أسس اقتصادية في إيطاليا. وبعد أن أعلنوا أن مصارف الدولة «متينة»، قالوا إنه سيبقون الوضع «تحت ملاحظة آنية»، ويقول مايكل داردا، الاقتصادي البارز في صندوق التحوط «إم كيه إم وشركاه»، إن عوائد السندات الحكومية الأعلى قد تقلل النمو بكلا الدولتين، وتزيد من توقعات حدوث عجز، وتفضي إلى عوائد أعلى وثغرات أوسع، بالمقارنة مع السندات الألمانية، المعيار الأوروبي.

وأعرب مسؤولون أوروبيون عن أملهم في أن يكونوا على الأقل قادرين على الخروج لإجازاتهم في شهر أغسطس (آب) قبل أن يعودوا إلى خط النار. ولكن مع انتشار هذه الآراء، ربما لا يعطي المتداولون في الدين الحكومي لهم المزيد من الوقت للاستمتاع بإجازاتهم. ويقول المسؤول المالي الأوروبي البارز: «يوجد نوعان من اللاعبين في السوق: مَن يتحركون بدافع الخوف، ومَن يتحركون بدافع الطمع. وحاليا نراهم يتحركون في نفس الاتجاه».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* كتبت ليز ألدرمان من باريس وماثيو سالتمارش من لندن وأسهم في التقرير جاك إوينغ من فرانكفورت وراشيل دوناديو من روما