نمير قيردار لـ«الشرق الأوسط»: من الصعب التنبؤ بمواعيد الانفراج الكامل للأزمة المالية العالمية

الرئيس التنفيذي لـ«إنفستكورب»: الخليج هو قلب الشركة النابض وسنبقى في خدمة الدول الخليجية

نمير قيردار
TT

قال الرئيس التنفيذي لبنك «إنفستكورب» والعضو التنفيذي نمير قيردار، إنه على الرغم من ظروف الأزمة المالية العالمية، فإن «إنفستكورب» سيواصل أداء رسالته كجسر بين الخليج والفرص الاستثمارية في الغرب، مؤكدا على مزيد من الارتباط بشركاء استراتيجيين في المنطقة لخدمة مصالحهم في اختيار الفرص في الاستثمارات البديلة في الأسواق الغربية.

واعتبر قيردار، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن الخليج هو قلب «إنفستكورب» النابض، منه انطلقت وهي ستبقى في خدمة الدول الخليجية. أما فيما يتعلق برؤيته لما يمكن أن تصل إليه الأزمة المالية العالمية، فقد رأى الآن أن العالم يعيش حاليا المرحلة الثانية من محاولات المعالجة والتي تتركز على مستوى الدول «حيث لا تزال هناك مصاعب جدية كبيرة تتمثل في الديون السيادية في أزمة تمتد من بعض الدول الأوروبية إلى الولايات المتحدة الأميركية».

وأشار قيردار إلى أنه لم يتم الخروج من الأزمة المالية العالمية، «لكننا نرى الضوء في آخر النفق الذي دخلنا فيه بسبب هذه الأزمة. من الصعب التنبؤ بمواعيد الانفراج الكامل لكنني أقول إن الجهود الدولية المبذولة الآن لحل مشكلة الديون السيادية لا بد أن تؤتي ثمارها عاجلا أم آجلا».

* ما هي نظرتكم إلى الوضع الاقتصادي العالمي بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة المالية العالمية؟ هل خرجنا منها أم لا نزال نعاني من تبعاتها واحتمال تجددها؟

- لقد دخلنا في نظام مالي عالمي جديد. إنه نظام يعتمد أكثر فأكثر على الضوابط الرقابية والتشريعات القانونية التي تحكم عمل المؤسسات المالية. لقد كانت الصدمة التي لحقت بالاقتصاد العالمي، بل بالعالم كله، من جراء الأزمة المالية العالمية كبيرة جدا. ولقد انكب زعماء العالم والبنوك المركزية في أوروبا على محاولات إيجاد حلول ونجحوا إلى حد كبير في الحد من التردي.

تركزت المرحلة الأولى من الاستيعاب على معالجة أوضاع المؤسسات المالية، ونتيجة لذلك تم إنقاذ العديد منها لكن في المقابل اختفى بعض من أكبر الأسماء المصرفية العالمية اللامعة التي عملت لأكثر من مائة عام ثم اندثرت بفعل ما حدث.

الآن نحن نشهد المرحلة الثانية من محاولات المعالجة والتي تتركز على مستوى الدول، حيث لا تزال هناك مصاعب جدية كبيرة تتمثل في الديون السيادية في أزمة تمتد من بعض الدول الأوروبية إلى الولايات المتحدة الأميركية.

بالتالي لم يتم الخروج من الأزمة المالية العالمية، لكننا نرى الضوء في آخر النفق الذي دخلنا فيه بسبب هذه الأزمة. ومن الصعب التنبؤ بمواعيد الانفراج الكامل لكنني أقول إن الجهود الدولية المبذولة الآن لحل مشكلة الديون السيادية لا بد أن تؤتي ثمارها عاجلا أم آجلا.

* كيف تصف الاقتصاد الأميركي اليوم.. خاصة أن معظم استثماراتكم تتركز في الولايات المتحدة، ألستم قلقين بسبب ذلك؟

- على الرغم مما شهدته الولايات المتحدة من أزمة مالية وعلى الرغم مما يحدث فيها الآن بخصوص الديون الحكومية، دعنا لا ننسى أن حجم الاقتصاد الأميركي وحده يمثل ثلث حجم الاقتصاد العالمي. إن هذه المؤشرات أساسية حين نريد تقويم وضع الاقتصاد الأميركي. لقد شهد هذا الاقتصاد في السنوات الثلاث الأخيرة انكماشا في تقديم القروض المصرفية تطور ليصبح أزمة مالية عالمية، لكنه ومنذ ذلك الحين استطاع العودة إلى العمل شبه الطبيعي، أي لاحظنا انحسار موجة انكماش القروض، وترافق ذلك مع المزيد من التشريعات والضوابط الرقابية على عمل المؤسسات المالية. نحن نعتبر أن هذه التشريعات هي أمر جيد وتساعد المؤسسات المالية على دراسة المخاطر بشكل أفضل وتجعل عملها أكثر وضوحا وشفافية بالنسبة للمساهمين والمستثمرين والسلطات الرقابية في آن معا. نحن نؤمن بطاقة الاقتصاد الأميركي ونؤمن بقدرته على تجاوز هذه الأزمة.

إن استثماراتنا في الولايات المتحدة هي استثمارات مدروسة ومركزة. لقد ركزنا طوال السنوات الـ 30 الماضية على إيجاد أفضل الفرص الاستثمارية لتقديمها لعملائنا وهي ليست المرة الأولى التي نشهد فيها أزمة مالية في الولايات المتحدة. نحن مطمئنون إلى قدرتنا على التعامل مع الأوضاع الناشئة، كما أن «إنفستكورب» تتمتع بدينامية سمحت لها بالاستفادة من الفرص التي أتاحتها التغييرات في الأسواق المالية.

* ماذا عن الخليج هل أنتم مرتاحون إلى البيئة الاستثمارية فيه اليوم؟

- لقد شهدت دول الخليج العربي تطورا نوعيا في قوانينها وبيئتها الاستثمارية في السنوات العشر الأخيرة. ولقد حرصنا على مراقبة هذا التطور عن قرب وعندما وجدنا أنه بات يلبي طموحاتنا عمدنا إلى إنشاء صندوق استثماري خاص بالمنطقة وقمنا بالاستثمار فيها.

إن البيئة الاستثمارية لا تقتصر فقط على القوانين والتشريعات بل تتعداها إلى أمور أخرى ترتبط بالمستثمرين وأهل المنطقة من أصحاب الأموال والشركات الكبرى. إن معظم شركات المنطقة هي شركات عائلية، وهي شركات بدأت تواجه تحديات انتقال الملكية إلى الجيل الثاني وحتى الثالث. إن ما نشهده اليوم في الخليج يشبه إلى حد كبير ما اختبرناه في الولايات المتحدة في الثمانينات عندما كنا نجد شركات أنشأها الجد، عمل فيها الأبناء ثم قرر الأحفاد بيعها أو الارتباط بشريك استراتيجي لتطوير العمل وتوسيعه إلى أسواق أخرى.

من هنا تأتي أهمية إيجاد الشريك الأمثل، الذي يحمل خبرة في التعامل مع تحديث الشركات وتطوير أعمالها ونقلها إلى مصاف الشركات العالمية من حيث الإدارة والإنتاج والرقابة والتنظيم المالي. هذا ما تخصصت فيه «إنفستكورب» في السنوات الـ 30 الأخيرة في الغرب، وهذا ما نريد أن يستفيد منه شركاؤنا في الخليج. نريد أن يكون صندوقنا الاستثماري في الخليج الشريك المثالي للشركات العائلية في مواجهة تحديات المستقبل ومتطلباته. وهكذا نتمكن معا من تطوير البيئة الاستثمارية إلى الأفضل.

* ما رأيكم في الاقتصاد السعودي؟ كيف ترونه اليوم؟

- إننا على اتصال دائم مع عملائنا وأصدقائنا في المملكة العربية السعودية. إن حجم النهضة والتطور في الاقتصاد السعودي يبعث على الفخر والإعجاب. لقد أحسنت المملكة بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز عملية تحويل عوائد الموارد النفطية إلى مشاريع إنتاجية وإنمائية في مختلف أنحاء البلاد. إن هذا الجهد لا يتم بين ليلة وضحاها بل هو جهد مستدام طويل الأمد ولا يقتصر على المشاريع فقط بل يتعداه إلى التنمية البشرية والتعليم في مختلف مراحله. إننا نلمس تطورا هائلا على جميع المستويات وما جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إلا خير مثال على هذا الأمر.

إن المقومات الأساسية للاقتصاد السعودي هي مقومات صلبة وثابتة وهي تضمن النمو لعقود آتية. التحدي الأساسي هو في كيفية تحويل الثروات الموجودة تحت الأرض إلى ثروات بشرية وإنتاجية فوق الأرض، وبرأيي أن المملكة تسير على الطريق الصحيح من أجل تحقيق ذلك.

يهمني أن أضيف هنا أن علاقة «إنفستكورب» بالمملكة العربية السعودية هي علاقة تاريخية وطيدة. إن هذه الشركة ما كانت لتتأسس لولا ثقة عدد كبير من المساهمين السعوديين في فكرتها الأساسية التي طرحتها عليهم عام 1982. وأذكر منهم المرحوم عبد الله باخش وأعضاء مجلس الإدارة عبد العزيز كانو وعبد الرحمن التركي وعبد الله علي رضا. لقد بنينا هذه المؤسسة الناجحة معا وها نحن نرى الأجيال الجديدة من المستثمرين والمساهمين تواصل منحنا ثقتها.

* هل أنتم راضون عن نتائجكم المالية لهذه السنة؟

- نعم، لقد حققت «إنفستكورب» هذه السنة ثالث أفضل نتيجة مالية لها في السنوات الـ30 الماضية. ويأتي هذا الإنجاز، بعد سنتين فقط من أقسى أزمة مالية عرفها العالم منذ 1929، ليدعم مسارنا التاريخي من الربحية المتواصلة. لدينا واجب تجاه مساهمينا ومستثمرينا يتمثل في تحقيق أفضل نتائج مالية ممكنة، وفي ظل الظروف والمعطيات الاقتصادية الحالية يمكنني أن أقول بثقة إن ما حققناه هذا العام هو أمر سار جدا ونريد أن نعتبره حافزا لتحقيق المزيد من النجاح مستقبلا. لقد أثبتت هذه النتائج أن «إنفستكورب» تستحق عن جدارة المكانة المرموقة التي تحتلها في الخليج والعالم. إن هذه الشركة تستقطب استثمارات من قاعدة عريضة تبلغ نحو 1300 مستثمر من مختلف دول الخليج، 30 في المائة منها من الصناديق السيادية في المنطقة والباقي يمثل كبار مستثمري دول الخليج الست. إن هذا شرف كبير لنا ومسؤولية رفيعة نتحملها باعتزاز. لولا هذه الثقة لما تمكنا، منذ عام 1982، من شراء 96 شركة بما يوازي 31.5 مليار دولار ولما تمكنا من تحقيق معدل ربح سنوي يبلغ 18 في المائة لكل من اشترك معنا بمبالغ متوازية في كل صفقة أجريناها.

* هل تأثرتم بأحداث البحرين؟

- إن ما حدث في البحرين لم يكن له أي تأثير مباشر على أعمالنا. لقد ظلت مكاتبنا مفتوحة وعاملة طوال الوقت، وما حدث بالنسبة لنا لم يتجاوز بعض الإعاقة أو التأخير في وصول عدد من موظفينا إلى مكاتبهم لفترات محدودة. لقد نجحت الحكومة في إعادة الاستقرار إلى البلاد بسرعة قياسية وأمنت حرية الانتقال والعمل والتواصل لجميع المواطنين والمقيمين. وها نحن نشهد اليوم كيف انتقلت البحرين إلى مرحلة الحوار لمناقشة المواضيع السياسية في ظل هدوء يعم البلاد. هذا ما يهمنا، ومصلحة البحرين هي مصلحتنا، وعلى الجميع تقدير حجم التطور الذي شهدته المملكة في العقد الأخير وما يعني ذلك من تحسن في مستوى الدخل الفردي ومستويات التعليم والطبابة، أضف إلى كل ذلك قدرة البحرين على البروز كمركز مالي إقليمي كبير.

* هل لديكم خطط لفتح مكاتب خارج البحرين؟

- إننا مؤمنون بمستقبل البحرين وبقدرة المملكة بقيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على السير في خطة النهوض والتطوير. لقد انطلقت «إنفستكورب» من البحرين التي وفرت لنا القاعدة المثالية لنشكل جسرا للتواصل مع الفرص الاستثمارية في العالم الغربي.

* هل لديكم خطط للاستثمار خارج أسواقكم التاريخية (أوروبا والولايات المتحدة وأخيرا الخليج) مثلا في البرازيل أو الهند أو الصين؟

- عندما توجهنا للاستثمار في الولايات المتحدة وأوروبا نظرنا إلى شروط أساسية ينبغي توافرها قبل الإقدام على توظيف الأموال في أي سوق. إن هذه الشروط هي: أولا توفر الفرص الاستثمارية، ثانيا وجود الكوادر البشرية ذات الكفاءة لإدارة هذه الاستثمارات، ثالثا التمويل الملائم لعمليات الاستثمار هذه، رابعا النظام القانوني الذي يحمي أي صفقة ويسمح بأن يأخذ كل ذي حق حقه عند حدوث أي خلاف، وخامسا فرص بيع الاستثمار والتخارج منه بنجاح. إن هذه الشروط موجودة في أسواق عملنا وكلما كانت متوافرة أكثر، تدنت نسبة المخاطر في عملية الاستثمار. لقد ركزنا طوال 30 عاما على هذه الأسواق وأصبحت لدينا خبرة كبيرة ومعرفة عميقة في كيفية القيام بعمليات استثمارية ناجحة فيها. ولذلك سوف نبقى فيها مستقبلا. هذا لا يعني أن البلدان الأخرى قد لا تكون مربحة، لكن نحن لا نملك الخبرة الكافية فيها لخدمة مستثمرينا.

* «إنفستكورب» عمرها اليوم 30 عاما، كيف ترون مستقبلها؟

- «إنفستكورب» تواصل أداء رسالتها كجسر بين الخليج والفرص الاستثمارية في الغرب، إنما مع مزيد من الارتباط بشركاء استراتيجيين في المنطقة لخدمة مصالحهم في اختيار الفرص في الاستثمارات البديلة في الأسواق الغربية.

إن الخليج هو قلب «إنفستكورب» النابض، منه انطلقت وهي ستبقى في خدمة الدول الخليجية. إنني أرى «إنفستكورب» المستقبل اسما لامعا في عالم الاستثمار، اسما يعتمد عليه شركاء استراتيجيون من كبرى المؤسسات الخليجية للاستفادة من أفضل الفرص الاستثمارية في الغرب، واسما يستمر في الحصول على كامل ثقة واحترام مساهميه ومستثمريه.