فضيحة خام الحديد الهندية تطال شركة أسسها سادس أثرى أثرياء العالم

تقرير يزعم أن عمليات خديعة تمت لعدة مسؤولين هنود

نحو 240 مليار دولار بحسب تقديرات مدققين حكوميين قدمت من خلال منح تصاريح في مجال الاتصالات إلى شركات بعينها دون إقامة مزاد علني («نيويورك تايمز»)
TT

امتدت موجة فضائح الفساد في الهند إلى مجال تعدين خام الحديد وتورطت فيها شركات من ضمنها شركة يمتلكها أثرى أثرياء الهند. نتيجة لتقرير من جهة التحقيقات الهندية، والذي صدر الأسبوع الماضي. وشهدت الكثير من البورصات خسائر كثيرة تضمنت أسهم لشركة «أداني إنتربرايزيز» التي تعد من واحدة من كبرى الشركات العاملة في مجال التعدين، والتي أسسها الملياردير غاوتام أداني، سادس أغنى رجل في العالم.

ونفت الشركة قيامها بأي ممارسات خاطئة. لكنها تواجه وعدة شركات هندية كبرى أسئلة صعبة موجهة من مستثمرين وصانعي سياسة. ويزعم التقرير الذي جاء في 466 صفحة، والذي كتبه قاضي المحكمة العليا السابق، والذي يعمل حاليا أمين مظالم عاما، أن مسؤولين حكوميين وشركات خدعت حكومة ولاية كارناتاكا من خلال عمليات تربح بمليارات الدولارات تتصل بحقوق امتياز وضرائب ومدفوعات أخرى في تجارة خام الحديد المربحة داخل الهند وخارجها. ويعد الحديد الخام من المواد الهامة التي تدخل في صناعة الصلب الذي عليه طلب كبير في كل من الهند والصين اللتين تشهدان نموا سريعا. وجاء في التقرير الذي كتبه سانتوش هيدج، القاضي السابق: «تم دفع مبالغ كبيرة من الرشى. كانت العمليات التي تشبه عمليات المافيا تتم بشكل يومي».

ويقول محللون إن ما توصل إليه هيدج يدل على أن الفساد جزء أصيل من الاقتصاد الهندي الذي يشمل الأراضي والموارد الطبيعية التي يحكم السياسيون والمسؤولون التنفيذيون للشركات قبضتهم عليها، رغم أن القطاعات الأخرى مثل السلع الاستهلاكية والقطاع المصرفي وتكنولوجيا المعلومات، أصبحت أكثر تنافسية وانفتاحا. من الناحية الإجرائية لم يتضح بعد ما الذي سيحدث، فليس من صلاحيات هيدج إحالة الشركات والأفراد الذين وردت أسماؤهم في التقرير إلى النيابة العامة. ويرجع الأمر إلى حكومة ولاية كارناتاكا التي قللت في السابق من شأن القلق من التعدين أو النظام القضائي. وأصدرت المحكمة العليا يوم الجمعة الماضي حكما بوقف العمل مؤقتا في مناجم الحديد في بيلاري التي تعد المكان الذي يتمحور حوله التحقيق. كثيرا ما حاكمت المحكمة في السنوات الأخيرة مسؤولين متهمين بتهم فساد، ويأمل الناشطون في مجال مكافحة الفساد أن يتم ذلك في هذه القضية.

وأجبرت الفضيحة رئيس وزراء حكومة كارناتاكا على الاستقالة يوم الأحد رغم نفيه القيام بأي شيء خطأ. وانخفضت أسهم «أداني إنتربرايزيز» بنحو 23 في المائة يومي الخميس والجمعة، وعاودت الصعود بنسبة 9 في المائة يوم الاثنين. وانخفضت أسهم شركة «جيه إس دابليو ستيل» التي جاء اسمها في التقرير بأكثر من 10 في المائة أواخر الأسبوع الماضي. وازداد انخفاض أسهم الشركة بـ10.03 في المائة يوم الاثنين بعد تخفيض «سيتي غروب» لقيمة السهم وخفض تصنيفه في إشارة إلى أنه سيشهد المزيد من التراجع.

وبدأت التحقيقات في بداية العام الماضي، حيث اقتحم النشطاء في مجال مكافحة الفساد على مكاتب شركة «أداني إنتربرايزيز» التي تعمل في مجال تعدين الحديد الخام في ميناء بليكيري الهندي على بحر العرب واكتشفوا وثيقة بدت أنها تشير إلى مدفوعات غير مشروعة. ووجدوا في ملف على جهاز الكومبيوتر يعود تاريخه إلى عام 2008 مبالغ مالية مدفوعة من «أداني إنتربرايزيز» يشتبه أن تكون لمسؤولين حكوميين. على سبيل المثال، تم دفع 50 ألف روبية (1100 دولار) إلى مدير الميناء عن كل سفينة تبحر من الميناء بحسب ما جاء في ذلك الملف. وكان يدفع 100 ألف روبية كل ثلاثة أشهر إلى مسؤول في الجمارك و0.50 روبية عن شحن كل طن حديد. وكان بعض مفتشي الشرطة يتلقون 14 ألف روبية شهريا، بينما يحصل سياسيون في الولاية على أموال من «آن إلى آخر» بحسب ما جاء في الوثيقة. وصدر التقرير في ظل تساؤل الهنود عن الثروات والسلطة المتنامية التي تتمتع بها نخبة محدودة.

وفي فضيحة فساد أخرى توضح خسائر ألحقها مسؤولون بالحكومة الفيدرالية تقدر بنحو 240 مليار دولار بحسب تقديرات مدققين حكوميين من خلال منح تصاريح في مجال الاتصالات إلى شركات بعينها دون إقامة مزاد علني.

تعود فضيحة التعدين في ولاية كارناتاكا، التي تعد مركز التكنولوجيا في بانغالور، إلى سنوات مضت. ففي عام 2008، أصدر هيدج، أمين مظالم الولاية، تقريرا عن المشكلات الخاصة بالتعدين غير القانوني في منطقة بيلاري بالولاية.

وقال في تقريره الأخير إن الموقف ازداد سوءا منذ ذلك الحين، حيث سعت الشركات إلى التملص من دفع حقوق الامتياز للولاية ورسوم التصدير للحكومة الفيدرالية واتجهت إلى التعدين في الغابات التي من المفترض أن تكون محمية بموجب قوانين الحفاظ على البيئة.

لكن لم تتخذ الحكومة في ولاية كارناتاكا، والتي يسيطر عليها حزب بهارتيه جنتا، إجراءات للسيطرة على ما يحدث من تجاوزات في عملية التعدين التي كانت يسيطر عليها ثلاثة إخوة من رجال الأعمال، وهم الإخوة ريدي وهم من الأعضاء النافذين في الحزب.

عام 2009، تقدم يديورابا، رئيس وزراء الولاية، بمقترح لفرض رسوم قدرها 21 دولارا على كل حمولة حديد خام بعد تهديد الإخوة ريدي بسحب دعمهم لحكومته.

حتى الآن في الوقت الذي أجبر فيه قادة الحزب يديورابا على الاستقالة، لم يتمكن الحزب من إبعاد جاناردان ريدي، أحد أقطاب التعدين ووزير السياحة في الولاية، وشقيقيه سوماشيكار وكاروناكار. وورد في التقرير اتهامهم بالقيام بتجاوزات كثيرة منها استخدام شركات وهمية للتهرب من دفع الضرائب وحقوق الامتياز وتهديد المحققين التابعين لهيدج. ونفى الإخوة ريدي القيام بأي فعل خاطئ.

في حالة شركة «أداني إنتربرايزيز»، يشير التقرير إلى أن الشركة ساعدت في تصدير حديد تم استخراجه بشكل غير قانوني إلى الصين ودول أخرى عبر الميناء بدفع رشى لمسؤولين في جميع مستويات الحكم. وأوصى التقرير بمنع الشركة من المشاركة في أي عقود مع الحكومة أو منح أو استئجار منها في المستقبل.

وفي بيان مكتوب، دحضت الشركة الاتهامات وأوضحت أنها شاركت فقط في المعاملات الخاصة بالحديد أو الشحنات، لكنها لم تقم بأعمال التعدين أو امتلكت منجما. وجاء في البيان أيضا: «لا يمكن أن ينسب أي استرضاء غير قانوني مزعوم أو مدفوعات غير قانونية إلى شركة (أداني إنتربرايزيز ليميتيد) لأن الشركة كانت تعمل في الميناء فقط وأن الشحن كان من اختصاص عمال التعدين أو أي طرف آخر».

وتعد شركة «جيه إس دابليو ستيل» من أكبر الشركات المنتجة لخام الحديد وتواجه تهمة التبرع بـ100 مليون روبية (2.3 مليون دولار) إلى صندوق تعليمي يديره أبناء يديورابا. وحسب التقرير، أنفقت الشركة والشركات التابعة لها 200 مليون روبية لشراء فدان أرض صناعية خارج بانغالور من أسرة يديورابا. وقال هيدج إن المساحة المماثلة من الأرض كانت تباع في ذلك الوقت مقابل مبلغ زهيد هو 12.4 مليون روبية. وصرحت الشركة في بيان: «كل المعاملات تمت بطريقة قانونية سليمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»