المفوضية الأوروبية: الأزمة المالية عالمية.. وتستوجب حلا عالميا

أكدت عدم حاجة إيطاليا وإسبانيا لخطط إنقاذ

جانب من تداولات الأسهم الألمانية في بورصة فرانكفورت (إ.ب.أ)
TT

قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إن الأزمة الحالية التي تشهدها منطقة اليورو هي عالمية وليست أوروبية الطابع، ولذلك فهي تستوجب حلا عالميا، وإن هناك اتصالات تنسيقية يقوم بها الاتحاد الأوروبي في هذا السياق من خلال مجموعة 7، ومجموعة 20، مؤكدة أن أوروبا تساهم بما يترتب عليها لمعالجة الأوضاع، وأضافت أن ردود الأفعال من جانب الأسواق المالية والمستثمرين لم تكن هي المتوقعة أو المأمولة خلال الأيام الأخيرة الماضية، بعد أن اتخذ قادة دول منطقة اليورو مجموعة من التدابير خلال قمتهم التي انعقدت 21 من الشهر الماضي. جاء ذلك على لسان المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، أولي رين خلال مؤتمر صحافي انعقد أمس بمقر الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي ببروكسل، وأكد خلاله على أن كلا من إسبانيا وإيطاليا ليستا بحاجة إلى خطط إنقاذ ولديهما الخطط اللازمة لمواجهة أي مشكلات، مشيرا إلى أن الاتفاق بخصوص حزمة الإنقاذ الثانية لليونان وضمان الاستقرار في منطقة اليورو سيتم «الانتهاء منه في غضون أسابيع». وأضاف المسؤول الأوروبي: «نفعل كل ما هو ضروري لتطبيق الاتفاقية بأسرع وأوسع شكل ممكن»، مشيرا إلى أن هيئات المفوضية الأوروبية تعمل «ليلا ونهارا» لإنهاء تفاصيل الاتفاقية. وأعرب المفوض عن ثقته في أن المستثمرين «سيهدأ تفكيرهم» بخصوص تطبيق الاتفاقية بمجرد إدراكهم أن العمل على إتمامها قارب على الانتهاء. وذكر المسؤول بأن رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو طالب قادة الاتحاد الأوروبي الخميس بضرورة بدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في أسرع وقت ممكن. وأضاف أنه عقد المؤتمر الصحافي لاستكمال هذه الرسالة، وتوضيح الكيفية التي يمكن أن يتم بها التنفيذ الكامل والسريع لكافة التدابير المتفق عليها في قمة 21 من الشهر الماضي، وكيفية معالجة مخاوف الأسواق حول إدارة أزمة الديون السيادية، وأبرز رين أيضا أن «الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون مستعدا للتكيف مع آليات إدارة الأزمة لكي تتمتع هذه الآليات بالمصداقية والفعالية»، في إشارة إلى إمكانية توسيع صندوق الإنقاذ. وقال المفوض: «لكي تكون هذه الأداة ذات فاعلية يجب أن تتمتع بمصداقية واحترام في الأسواق، لذا يجب مراقبة الصندوق وتقييمه وتحديثه بشكل مستمر». وفيما اعتبره العديد من المراقبين أنه محاولة من قبل المؤسسات الأوروبية للرد على مخاوف المستثمرين والمواطنين بشأن استقرار منطقة اليورو، قال راين خلال المؤتمر الصحافي، «إن الاضطرابات والضغوط التي نشهدها حاليا ترجع أيضا إلى اضطرابات تحصل خارج الاتحاد الأوروبي، خاصة المفاوضات بشأن رفع سقف الدين الأميركي وضعف الاقتصاد العالمي»، وأقر راين بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال قمة يوليو (تموز) الماضي حول مساعدة اليونان وتدعيم قدرة آلية الإنقاذ الأوروبية لم تفلح في تهدئة الأسواق وتبديد شكوك المستثمرين. ونوه: «هذا الاتفاق معقد وسوف يأخذ وقتا ليصبح جاهزا للتنفيذ، ومن غير الواقعي أن تتوقع الأسواق المالية تنفيذا فوريا له»، وتعهد المفوض الأوروبي ببدء تطبيق اتفاق القمة مع بداية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث «تحتاج دول الأوروبية لعدة أسابيع لإنهاء العمليات الفنية والقانونية الخاصة بالمصادقة على الاتفاق المذكور»، ورأى أن إعادة ثقة المستثمرين بمنطقة اليورو أمر يستغرق بعض الوقت، مشددا على توفر الإرادة الجادة لدى دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لحماية العملة الأوروبية الموحدة. ووصف المفوض الأوروبي المكلف الشؤون المالية والنقدية أولي راين، الاضطرابات في أسواق المال العالمية والضغوط التي تمارس على دول منطقة العملة الأوروبية الموحدة بـ«غير المبررة»، معربا عن القناعة بأن إسبانيا وإيطاليا ليستا بحاجة لمخططات إنقاذ أوروبية على غرار اليونان، وقال إن الوضع بالنسبة للأخيرة يعتبر حالة استثنائية ولهذا تحتاج إلى حلول فريدة مؤكدا على أن الحكومة اليونانية تقوم بكل ما هو مطلوب منها وتنفيذ التزاماتها المختلفة، وحول الوضع في إسبانيا وإيطاليا، عبر المفوض الأوروبي عن قناعته بألا حاجة لمخططات إنقاذ لهذين البلدين، مشجعا كلا من روما ومدريد على المضي قدما في الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية التي تم الإعلان عنها من أجل تصحيح عجز موازنتهما وخلق مزيد من فرص العمل في أسواقهما والعودة إلى النمو الاقتصادي، وأوضح أن الأساسيات الاقتصادية لإيطاليا وإسبانيا جيدة، وقال «يسير البلدان في الاتجاه الصحيح من أجل معالجة مشكلة عجز الموازنة لديهما»، ولم يبد المفوض الأوروبي حماسا لفكرة شراء ديون إيطاليا وإسبانيا من قبل المصرف المركزي الأوروبي، موضحا أن القرار في هذا الشأن يعود للمصرف نفسه الذي يتمتع باستقلالية تامة، فـ«ليس هناك نقاش بهذا الشأن حاليا»، واعتبر راين أن عدم هدوء الأسواق بعد القمة الأوروبية يعود في أساسه إلى وجود مشكلة في التواصل بين المؤسسات الأوروبية وباقي الأطراف العالمية، فيما يبدو نقدا ذاتيا للسياسات مؤسسات التكتل الموحد، وأبدى المسؤول الأوروبي تريثا واضحا لدى الحديث عن إصدار سندات اليورو، مؤكدا أن الوضع الحالي لا يجعل مثل هذا الاحتمال طارئا.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي يحاول جاهدا التخفيف من اضطرابات الأسواق المالية وضغوطها على دول اليورو الأكثر هشاشة، عبر التأكيد أنه يعمل من أجل تصحيح الأوضاع بمختلف الطرق، وكان رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، قد بعث أمس برسائل إلى رؤساء دول منطقة اليورو يحثهم فيها على الإسراع بتطبيق اتفاق قمة يوليو من أجل ضبط أسواق المال ومنعها من ممارسة ضغوط على الدول التي تعاني من مشكلات حادة في المديونية وهي ضغوط تضع مصير اليورو في منطقة الخطر.

وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا خلال قمتهم التي عقدت في 21 يوليو الماضي على تعزيز الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي لكي يعمل على التحسب من أزمات عدوى الديون والتصدي لها. من جانبه كشف البنك المركزي في إسبانيا عن تراجع نمو الاقتصاد الوطني إلى 0.2% في الفترة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين، في الوقت الذي تراجع فيه النمو السنوي إلى 0.7%. وعزا البنك في نشرته سبب هذا التراجع في النمو إلى ضعف وانكماش الطلب المحلي، مشيرا إلى أن مؤشرات الانتعاش الاقتصادي لا تزال ضعيفة ومرهونة بالتوترات المحتملة لأسواق الديون السيادية. ويرى البنك أن التغلب على مع ما وصفه بـ«السحابة السوداء» للاقتصاد الإسباني سيعتمد على قيام أوروبا بالوفاء بالتزاماتها المتفق عليها بكل «عزم ووضوح» وبالمثل على «تفاعل قوي» من الحكومة الإسبانية. وتواجه منطقة اليورو أزمة ديون سيادية تعصف باستقرارها المالي، ولهذا أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محادثات هاتفية مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تتعلق بتطورات العملة الأوروبية (اليورو) التي انهارت الخميس بأسواق الأسهم المالية في العالم ولا سيما في فرانكفورت جراء مشكلات مالية لإيطاليا وإسبانيا واحتمال طلب قبرص مساعدات مالية أسوة باليونان. ويؤكد خبراء الحركة المالية في الاتحاد الأوروبي أن أزمة الديون لم تنته بإعلان الأوروبيين خلال اجتماعهم الاستثنائي الذي عقدوه في وقت سابق من يوليو المنصرم ببروكسل موافقتهم على تقديم ديون جديدة لليونان وأن الأزمة المالية لا تزال موجودة وربما تتطور بشكل خطير أكثر من ذي قبل الأمر الذي يعني انهيار اليورو، مشيرين إلى أن الأزمة المالية تعتبر بداية النهاية للعملة الأوروبية على الرغم من عدم علاقة اليورو بأزمات الديون التي سببها الرئيسي عدم اكتراث الدول الأوروبية التي تعاني من الديون بتنظيم خططها المالية. وأعلن رئيس المعهد الاقتصادي لتطورات الاقتصاد الأوروبي ومقره الرئيسي مدينة فرايبورغ لارس فيلد الألمانية أن الأزمة المالية للأوروبيين ستعود بشكل واضح خلال شهر سبتمبر المقبل إثر انتهاء الإجازات ولا سيما عودة الحكومة اليونانية لتعلن حاجتها الماسة إلى ديون جديدة إذ إن المبالغ المالية التي ستحصل عليها من الأوروبي التي تصل إلى نحو 109 مليارات يورو لا تكفي.

وفي تطور آخر إزاء الأزمة المالية ومطالبة رئيس شؤون لجان الاتحاد الأوروبي خوسيه مانويل باروسو اتخاذ الأوروبيين خطط إنقاذ مالية، أبدت الحكومة الألمانية تشاؤمها من مطالبة باروسو الأخيرة التي أعلن عنها يوم الخميس.

وفي نفس الصدد طالب وزير الخارجية الصيني، يانج جيشي، بالمزيد من التنسيق الدولي لتجنب تدهور أزمة ديون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ونقل بيان صادر على الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الصينية عن المسؤول، قوله: «يجب على كل الدول زيادة الاتصال والتنسيق ودفع الإصلاحات في النظام المالي العالمي وتحسين حكم الاقتصاد الدولي» وأشار يانج إلى أن مشكلة الدين السيادي في الاتحاد الأوروبي لم يتم السيطرة عليها بعد وأن المخاطر في الولايات المتحدة تزداد، ولهذا أعرب عن رغبته في تمكن واشنطن من «إرساء سياسات نقدية مسؤولة عن الحفاظ على اتجاه تعافي الاقتصاد الدولي». وكان محافظ البنك المركزي الصيني زو شياشوان رحب هذا الأسبوع بالاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة لحل أزمة الدين، ولكنه أشار إلى أنه سيتابع بـ«دقة» تفعيل الاتفاقية. يشار إلى أن إجمالي سندات الخزانة الذي قامت الصين بشرائها من الولايات المتحدة يبلغ 1.6 تريليون دولار. وقال شياشوان «لهذا تأمل الصين في أن تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المسؤولة لمواجهة مشكلات الدين بشكل مناسب».