هل التجار وراء غلاء السلع في السعودية؟

المستهلك يحترق.. وهناك حاجة لمراقبة فعالة

جانب من سوبر ماركت في العاصمة السعودية الرياض
TT

ارتفاع الأسعار بات أمرا عاديا في السعودية، يكفي فقط زيادة الدولة للمرتبات أو منح حوافز للموظفين أن تكون مبررا للتجار لزيادة أسعار السلع الغذائية. وكثيرا ما يبرر التجار الزيادة في أسعار السلع في أسواق السعودية بأنها نتيجة لعوامل خارجية. ولكن «الشرق الأوسط» لاحظت وفقا لمؤشر أسعار السلع الاستهلاكية في بريطانيا، الذي يعد المؤشر الرئيسي لقياس التضخم، أن المؤشر العام انخفض بين شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) بمعدل 0.1 في المائة، أي أن أسعار السلع انخفضت في المتوسط بدلا من أن ترتفع. وهناك الكثير من السلع شهدت انخفاضا في بريطانيا، حيث انخفضت أسعار الملبوسات بمعدل 1.9 في المائة. وحدث هذا الانخفاض رغم أن الحكومة البريطانية رفعت معدل الضريبة المضافة من 17.5 في المائة إلى 20 في المائة. وبالتالي فالمبررات الخارجية يمكن أن يكون لها تأثير ولكنه محدود جدا كما لاحظنا في بريطانيا. وفي أميركا كان متوسط الارتفاع في المؤشر السلعي 2.1 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي. فاللحوم عادت للانخفاض من متوسط 7 إلى 9 جنيهات إسترلينية قبل شهرين عادت للانخفاض إلى بين 5 و7 جنيهات إسترلينية. أما في السعودية فقد قفز مثلا سعر الخروف السواكني (المستورد من السودان)، رغم أن الجنيه السوداني انخفض سعره أمام الدولار والريال السعودي وبالتالي كان يجب أن يترجم ذلك إلى انخفاض في سعر اللحوم.

ورغم أن منطق الأرقام والحسابات الاقتصادية والمقارنات مع الدول الأخرى لا تدعم الحجج التي يسوقها التجار في السعودية لرفع الأسعار، فإن الكثير من تجار الغذاء حينما يسألون عن سبب الغلاء يرجعونه إلى المسببات الخارجية، كما حصل في السابق عندما سجلت التضخم المستورد ارتفاعات كبيرة. ولكن يلاحظ حينما تنخفض أسعار هذه السلع عالميا لا نرى لها في انخفاض الأسعار، مثلما هو الحال في الدول الغربية.

وتشهد أسعار السلع الضرورية والكمالية بمختلف أنواعها في أسواق المملكة ارتفاعا تدريجيا في أسعارها، ومن المؤكد فإن أسعار بعض السلع تجر وراءها أسعار سلع أخرى بديلة كانت أو مكملة. وقد أظهر الرقم القياسي لتكاليف المعيشة في المملكة وهو أهم مؤشرات المستوى العام للأسعار ارتفاعا لتكلفة المعيشة في المملكة خلال الربع الثاني من 2011 بنسبة 4 في المائة مقارنة بمتوسط الربع الثالث من 2010 في عدة مجموعات منها الأطعمة والمشروبات والعقارات (الأراضي والسكن)، ولا شك أن حدوث مثل هذه الارتفاعات المتدرجة في الأسعار يتحمل تكاليفها المستهلكين بكافة فئاتهم. وتكشف البيانات الواردة من مختلف الأسواق العالمية عن أن أسعار القمح، والذرة، والأرز ارتفعت بمتوسط لا يقل عن 70 في المائة خلال العامين الماضيين. عصام خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي يشدد على أنه على الرغم من أن وزارة التجارة هي المسؤول الأول عن حماية المستهلك ومراقبة الأسواق، فإن ضعف إمكانياتها المادية والبشرية أدى إلى عدم قدرتها على تطبيق الأنظمة والرقابة الفعالة على الأسواق، وهذا من أهم الأسباب الداخلية التي ساهمت في ارتفاع الأسعار.

وقال «السبب الآخر الذي أدى إلى زيادة الأسعار داخليا استغلال بعض ضعاف النفوس من التجار باستمرار المكرمة الملكية في صرف بدل غلاء المعيشة، فبادروا إلى رفع الأسعار يقينا أن وزارة التجارة لا تعلم عن ذلك شيئا بل تركت الحابل على الغارب للتجار يفرضون ما شاءوا من سعر لا يناقشهم فيه أحد لعلمهم بأنه ليس هناك رقيب عليهم، وأن وزارة التجارة هي من أبرز الغائبين عن تفاعلات غلاء الأسعار، ويشهد على ذلك تباين أسعار السلع الضرورية والكمالية بمختلف أنواعها بين البقالات والسوبر ماركت والهايبر ماركت تصل أحيانا إلى 50 في المائة».

ويلاحظ أن سلعة كالألبان شهدت ارتفاعا غير مبرر عندما دعت إحدى الشركات إلى زيادة في التكاليف على الرغم من التسهيلات التي حصلت عليها، فإن السخط الشعبي على ذلك الارتفاع أدى إلى تدخل وزارة التجارة السعودية وإخضاعها إلى التنظيم التمويني بتثبيت سعرها. وإن كان اللبن من السلع التي يتضح بها تغير السعر، فإن سلعا أخرى قد ترتفع أسعارها ولكن لا تكون واضحة على الرغم من أن بعض السلع قد يتقبل المجتمع ارتفاعها كالسلع المستوردة. ويضاف إلى هذه الأسباب غياب ثقافة الوعي الاستهلاكي عند الأسرة السعودية وعدم رغبتها في تغيير النمط الاستهلاكي واختيار السلع البديلة ذات الجودة الجيدة سبب آخر في استغلال التجار ورفع أسعار بعض السلع.

وجزم عصام خليفة بأنه إذا واصلت الأسعار صعودها على هذا النحو سينعكس ذلك سلبا على شريحة واسعة في المجتمع وبخاصة ذوو الدخل المتوسط التي يقوم عليها اقتصاد الوطن فهي التي تحرك اقتصاد السوق كله، ذلك لأنها الشريحة الأكبر في المجتمع التي يشكل نواتها الموظفون والمعلمون وأساتذة الجامعات وغيرهم من ذوي الدخول المتوسطة.

وأكد عضو جمعية الاقتصاد السعودي أنه إذا تلاشت هذه الشريحة من المجتمع كما تلاشت في مجتمعات كثيرة، لن يبقى في الوطن سوى شريحتين، شريحة كبيرة وهي شريحة الفقراء أو القريبة من خط الفقر وأخرى محدودة العدد تمثل النخبة من الأغنياء والتجار وذوي الدخول العالية جدا، مما سيشكل عبئا أمنيا واجتماعيا كبيرا تتكاثر بسببه الجرائم بمختلف أشكالها وألوانها!!. والحقيقة الثابتة أن الكثير من المواطنين أصبحوا يرفعون راية الاستسلام قبل منتصف الشهر لعدم قدرتهم على التعايش مع التكاليف المرتفعة والوفاء بمتطلبات المعيشية التي أصبحت عبئا ثقيلا عليهم، وقد اضطرت الكثير من الأسر إلى التخلي عن الكثير من الاحتياجات الضرورية والأساسية لأن خياراتهم أصبحت محدودة.

ويرى جمال كعكي، أحد أصحاب المخابز في جدة، أن مشكلة غلاء أسعار المنتجات الغذائية الاستهلاكية لم تطال المستهلك فقط وإنما طالت أيضا أصحاب المخابز الذين يصنعون الحلويات، فهو يرى أنه لا بد من وضع حد لجشع التجار الذين يتحكمون بارتفاع أسعار السكر والزيت من دون مبررات، موضحا أن الزيادة في هاتين السلعتين بلغت خلال الأربعين سنة الماضية إلى 100 في المائة، مما تسبب في مشكلة حقيقية لأصحاب المخابز الذين يواجهون هذا الغلاء من قبل التجار بمحاولة لثبات الأسعار لديهم.

وطالب جمال كعكي بدعم المنتجات الغذائية الاستهلاكية الأساسية من قبل الدولة، مثل الزيت والسكر والأرز مثل ما تم دعم الدقيق، مرجعا دعم هذه السلع إلى الحد من ارتفاع أسعارها ومواجهة جشع التجار.

من جهته، قال سالم الموظف في إحدى شركات القطاع الخاص «لم يعد ممتعا انتظار الراتب الشهري، بسبب كثرة الالتزامات، خاصة الذهاب لجلب حاجات المنزل من السوبر ماركت، فأصبح من المهام الرئيسية جمع أكبر عدد من العروض التي تقدمها السوبر ماركت وعمل دراسة مكثفة للأسعار والتفرغ لمدة يومين كاملين من أجل الذهاب لكل سوبر ماركت وجلب العرض المميز لديه، مما أصبح الأمر مرهقا، إلا أنه بات ضروريا».

في الوقت الذي ترى بثينة المغيدي إحدى المتسوقات أن الكثير من السوبر ماركت تتسابق في تقديم أفضل العروض على بعض المنتجات لكي يتهافت المستهلكون على شرائها، وبالتالي في المقابل يرفعون أسعار سلع أخرى من الضروري لأي متسوق أن يشتريها.

وقالت «عندما أذهب للسوبر ماركت لشراء حاجات المنزل أبحث عن أفضل العروض الموجودة وأذهب إليه، وتأتي المفاجأة عند دفع الحساب لأجد أن الفاتورة غير ما كنت أتوقعها، وأكتشف فيما بعد أنها مجرد خدعة لجذب أكبر عدد من المتسوقين».

ووضع عضو جمعية الاقتصاد السعودي الكثير من الحلول التي يمكن التوصل إليها لعلاج ظاهرة غلاء الأسعار، أهمها تكثيف الجهود وزيادة العمل على مراقبة الأسواق يوميا لرصد جميع الأسعار المتداولة على السلع، ونسبة التغيرات التي قد تحدث فيها، وزيادة المعروض من السلع الأساسية بالأسواق، وزيادة نشر ثقافة الوعي الاستهلاكي عند الأسرة السعودية بمختلف الوسائل وتشجيعهم على اختيار السلع البديلة ذات الجودة الجيدة، إضافة إلى مواجهة جشع التجار بإجراءات فعلية وقوية وبطرق مباشرة وغير مباشرة، لأن حرية الأسواق لا تعني أن تتحول هذه الأسواق إلى فوضى يمارس من خلالها التجار ما يريدون، بل تعني حماية الناس من جشع التجار، ووجوب كسر الاحتكار لبعض السلع الغذائية المهمة لحياة المستهلك، إضافة إلى دعم الدولة لتغطية الزيادة الدولية التي طرأت على بعض المواد الاستهلاكية والتي ارتفعت أسوة ببعض الدول المجاورة.