موجة محمومة من «الدبلوماسية الهاتفية» بين العواصم الأوروبية والعالمية حول أزمة منطقة اليورو

قبل اجتماع وزاري استثنائي لمجموعة الـ7 لبحث الانهيارات الحادة في أسواق المال

أزمة الديون وجع رأس كبير لمنطقة اليورو («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت الساعات القليلة الماضية تكثيفا للاتصالات والمشاورات بين عواصم أوروبية مختلفة من جهة، والقيادات الأوروبية وعواصم عالمية ومنها واشنطن من جهة أخرى، للتباحث حول الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو، والسياسات المالية والاقتصادية العالمية ودورها في إيجاد حلول عالمية للازمة، التي اتفق البعض داخل الاتحاد الأوروبي على اعتبارها أزمة عالمية الطابع، ولا تقتصر على منطقة اليورو، وسوف يعلن في وقت لاحق الأجندة الخاصة باجتماع استثنائي لوزراء المال والاقتصاد في دول مجموعة السبع، من المتوقع أن ينعقد في غضون أيام قليلة، وربما يتطلب الأمر انعقاد اجتماعات وزارية أخرى لمجموعات اقتصادية عالمية أخرى ومنها مجموعة العشرين حسب ما ذكرت مصادر داخل المؤسسات الاتحادية الأوروبية ببروكسل.

وفي ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بعدد من الدول الأوروبية والانخفاض الحاد في أسواق المال الأوروبية، هاتف رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، المهددة بلاده بالسقوط في المديونية، نظيره الإسباني خوسيه رودريغيز ثاباتيرو، المهددة بلاده أيضا باقتراض المليارات لعجزها الكبير، بينما التقى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإسباني لبحث الاضطرابات المالية في أوروبا. وقال المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي أولي ريهن إن الخبراء من الدول الأعضاء وبدعم من المدير العام للشؤون الاقتصادية والمالية، وأيضا من البنك المركزي الأوروبي، والصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، يعملون ليلا ونهارا لوضع اللحم على عظام اتفاقية الحادي والعشرين من يوليو (تموز) الماضي، على حد تعبير ريهن.

وبينما ألغى صناع السياسة في أوروبا إجازاتهم، أمضى الكثير من السياح الأوروبيين عطلاتهم، سواء داخل أو خارج القارة، ولكن في ظل متابعة لتطورات الموقف، حيث أعرب عدد منهم عن أن الأزمة ستغيم على سماء بلدانهم. واستطلعت محطة الأخبار الأوروبية «يورونيوز» آراء البعض منهم، ونقلت عن شخص هولندي قوله: «اعتقد أن الاقتصاد الأوروبي سيتدهور بينما آسيا والصين تصعدان إلى الأعلى، اعتقد أن مكانتنا في العالم في انحدار». وآخر بريطاني قال: «اعتقد أن إعادة الهيكلة كانت ضرورية منذ زمن، واعتقد أن الكثير من الدول كانت تنفق الكثير». وقالت المحطة الإخبارية: «يرى الكثيرون أن الأزمة الحالية جاءت نتاج سنوات من البذخ والإنفاق بدول أوروبا الغربية».

وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أجرى مباحثات هاتفية مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كل على حدة، بشأن الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو.

وفي بيان صادر عنه أشار البيت الأبيض إلى أن أوباما شدد على «الخطوات ذات المغزى» التي اتخذها قادة دول منطقة اليورو خلال الاجتماع الذي عقد في الـ21 من الشهر الماضي، واتفقوا من خلاله على خطة إنقاذ ثانية لليونان بقيمة 160 مليار يورو. وأثنى أوباما على «الريادة المستمرة» لساركوزي وميركل لمواجهة التحديات التي يمر بها الاقتصاد الأوروبي. وفي أعقاب ما وصفته تقارير إعلامية أوروبية بـ«موجة محمومة من الدبلوماسية الهاتفية» قال رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني إن حكومته ستعجل بتطبيق تخفيضات هدفها الوصول إلى ميزانية متوازنة بحلول عام 2013، أي قبل عام من الموعد المقرر، والمضي قدما في تنفيذ إصلاحات لنظم الرعاية الاجتماعية وسوق العمل. وقال برلسكوني في مؤتمر صحافي بعد يوم من المكالمات الهاتفية مع زعماء العالم، ومنهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخزانة الأميركي تيم غيثنر: «نرى أنه من المناسب التعجيل بتطبيق الإجراءات التي قررناها في الآونة الأخيرة في قانون تخطيط الميزانية، حتى يمكننا الوصول إلى هدفنا، موازنة الميزانية في موعد مبكر بحلول عام 2013 بدلا من 2014 وإصلاح سوق العمل وتعديل المادة 41 من الدستور بغية توسيع تحرير الاقتصاد ليشمل كل المجالات ما عدا تلك المحظورة دستوريا». وقالت مصادر مطلعة لـ«رويترز» إن البنك المركزي الأوروبي طالب بمثل هذه الإجراءات مقابل شراء السندات الإيطالية لتخفيف الضغوط على روما. ولم يرد على الفور تعقيب على المسألة من البنك المركزي الأوروبي، لكنّ متحدثا باسم المفوضية الأوروبية قال إن هذه الإجراءات استجابة لتقييمات عبر عنها في وقت سابق أولي رين مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية في الاتحاد الأوروبي.

ومن جانبه جدد رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني التأكيد على «عالمية» الأزمة، معلنا أنه تشاور مع القادة الأوروبيين بغية «تنسيق الإجابة» إزاء ما يحدث في أسواق المال، وقال برلسكوني في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير المالية جوليو تريمونتي: «لقد اتخذنا والرئيس (الفرنسي نيكولا) ساركوزي قرارا لعقد اجتماع لوزراء مالية مجموعة الدول السبع خلال الأيام القليلة القادمة ربما بصفة تحضيرية لقمة الدول الثماني» الكبرى، أي الدول السبع الصناعية الكبرى إضافة إلى الاتحاد الروسي. ولفت رئيس الوزراء الإيطالي إلى أن «المضاربة العالمية تستهدف على وجه خاص إيطاليا، وينبغي البحث عن سبل لصدها»، على حد تعبيره.

ولقد سادت حالة من القلق في إيطاليا مؤخرا بسبب ارتفاع غير مسبوق للفوائد على السندات الحكومية نظرا لفشل الاقتصاد الإيطالي في تحقيق معدلات نمو حقيقية، في وقت يفوق فيه حجم الديون السيادية نسبة 120% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبرز من بين الإجراءات الجديدة التي يسعى برلسكوني إلى إجرائها تحرير سوق الشركات في البلاد، وإدراج بند يلزم بضبط المالية العامة في الدستور، وهي المسألة التي سيبدأ البرلمان في مناقشتها الأسبوع المقبل. وقال برلسكوني: «سنعمل على الفور في البرلمان لإدراج بند يلزم بضبط المالية العامة في الدستور، إلى جانب بند يمنح جميع الهيئات الاقتصادية والشركات الحرية للقيام بما تريد ما دام لا يتعارض مع الدستور». وتابع: «بنية خطة التقشف تم اعتبارها إيجابية للغاية، ولكن الوضع يوصي بالتعجيل بهذه الإجراءات». وأوضح كذلك أنه توصل إلى اتفاق مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بشأن الدعوة بشكل عاجل إلى اجتماع لوزراء مالية مجموعة جي7، الاجتماع الذي كان مقررا له في بادئ الأمر يومي التاسع والعاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل في مرسيليا. وقال: «إلى جانب الرئيس الفرنسي ساركوزي قررنا تقديم الدعوة في غضون أيام لاجتماع لوزراء مالية مجموعة جي7، ربما يكون تحضيريا لقمة رؤساء دول وحكومات مجموعة جي8». وكان الدين العام الإيطالي قد سجل في مايو (أيار) الماضي رقما قياسيا بوصوله إلى 1.897 تريليون يورو، بحسب بيانات البنك المركزي الإيطالي.

وفي باريس أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أجرى اتصالا هاتفيا مع كل من رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه لويس رودريجث ثاباتيرو، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكوني، قبل إجراء محادثة هاتفية مع نظيره الأميركي باراك أوباما. ولم تكشف الرئاسة الفرنسية عن تفاصيل المباحثات، ولكنها أشارت إلى أنها تطرقت إلى الوضع الاقتصادي العالمي. وعلى مدار الأيام الماضية تطرق ساركوزي إلى الوضع الاقتصادي مع رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه. ويأتي هذا بعد التوتر الذي شهدته الأسواق الدولية على خلفية أزمة الديون التي تعاني منها أوروبا، ومؤشرات تباطؤ النمو الاقتصادي على جانبي الأطلسي.

وفي بروكسل أكد وزير المالية البلجيكي ديديه ريندرس أن بلاده تحترم تعهداتها الأوروبية وتسعى للمساهمة في الحفاظ على استقرار منطقة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، وأوضح أن حكومة بلاده أنهت المصادقة على الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قمة الحادي والعشرين من يوليو الماضي لإنقاذ اليونان والحفاظ على استقرار منطقة اليورو وإدارة أزمة الديون السيادية. وقال: «نحن على استعداد لدعوة اللجنة المالية في البرلمان البلجيكي للانعقاد أول سبتمبر القادم، من أجل إنهاء العمليات القانونية لإقرار اتفاق القمة»، وأشار وزير المالية إلى أنه سيعمل من أجل إنهاء المفاوضات مع المصارف الخاصة من أجل تحديد مساهماتها في مخطط إنقاذ اليونان، كما جاء في مقررات القمة. وتعهد ريندرس بأن تقوم بلاده بإقرار موازنة 2012 حسب القواعد المتفق عليها أوروبيا، فـ«نحن نحترم كل ما علينا بهذا الشأن، بغض النظر عن الوضع السياسي الهش في بلادنا». ويرى الكثير من المراقبين أن أوروبا تشهد حاليا أزمة غير مسبوقة بسبب ضغوط أسواق المال والمضاربين على الكثير من دول منطقة اليورو.

وتحدث أولي رين مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي من بروكسل الجمعة الماضي عن الانهيارات الحادة في أسواق المال الأوروبية المتتابعة، ويرى البعض أنه تدهور حادّ، جاء وسط تنامي المخاوف من أن يكون الاقتصاد الأميركي يتجه نحو الكساد والعودة إلى شبح الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وفي ظل مخاوف من انتقال أزمة المديونية في أوروبا إلى دول كبيرة كإيطاليا وإسبانيا بعد أن خنقت الأزمة اليونان والبرتغال وآيرلندا. وقال المفوض الأوروبي: «نحتاج إلى أن نكون جاهزين لتبني أدواتنا لإدارة الأزمة، من أجل المصداقية والفاعلية، بالطبع هذه أهداف الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، ومن أجل هذه الفعالية يطلب الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي ضرورة الصدقية والاحترام من قبل الأسواق». بورصات فرانكفورت ولندن وباريس ومدريد وميلانو تشهد تدهورا حادا منذ بدء التداول الجمعة الماضي، ووصلت إلى انخفاضات تراوحت بين اثنين ونصف في المائة إلى ستة في المائة، وسجلت بورصة باريس انخفاضا حادا وصل إلى ستة في المائة.