اقتصادي أميركي: حان وقت الاعتراف.. ربما نشهد ركودا مزدوجا

الأنباء الاقتصادية السلبية على امتداد الأسبوعين الماضيين رسمت الصورة القاتمة بوضوح

TT

ربما عاد الركود المزدوج ليطل برأسه مجددا. مرت ثلاثة عقود منذ عانت الولايات المتحدة ركودا جاء في أعقاب آخر أزمة اقتصادية تعرض لها العالم، لكن ربما تعاين البلاد هذا الأمر مجددا الآن. وقد رسمت الأنباء الاقتصادية شديدة السلبية الواردة على امتداد الأسبوعين الماضيين صورة لاقتصاد أميركي مني بمزيد من التراجع واستعاد عافيته بدرجة أقل مما كنا نحسبه. عندما عصف ما يمكن أن يطلق عليه لاحقا «الركود الكبير الأول» بالاقتصاد، ساد اتفاق سياسي عام بأنه لزاما على الحكومة النضال عبر تحفيز الاقتصاد، وهو ما فعلته بالفعل وانتهى الركود. إلا أن «الركود الكبير الثاني»، ذلك إذا كنا ندخل بالفعل مثل هذه المرحلة، أثار استجابة مغايرة تماما، حيث يتشاجر السياسيون في ما بينهم الآن حول إلى أي مدى ينبغي تقليص الإنفاق. وبعد شهور من التشاحن، نجحوا في تمرير قانون يرمي لفرض مزيد من إجراءات خفض النفقات على امتداد العقد المقبل. لو أن هذه بداية ركود مزدوج جديد، فإنه من الملاحظ وجود عنصرين مشتركين بارزين بينهما وبين فترات الركود المزدوج التي وقعت في عام 1980 و1981 - 1982. في كل من هذه الحالات، تمثل الجزء الأكبر وراء الركود في سحب مفاجئ للائتمان من الاقتصاد. واستعاد الاقتصاد عافيته عندما استعاد الائتمان قوته. وفي كل من هذه الحالات، بدأ الركود الثاني في وقت ساد الاعتقاد بأن السياسات الحكومية الاعتيادية للتصدي للضعف الاقتصادي غير متاحة. بعد ذلك، نظرا للحاجة لمكافحة التضخم تم استبعاد سياسة مالية أيسر. الآن، تستبعد الحاجة الواضحة لتقليص الإنفاق الحكومي اتباع سياسة مالية أكثر استيعابا للآراء المختلفة. لقد سقط الاقتصاد الأميركي في ما شكل في بادئ الأمر ركودا بسيطا في نهاية عام 2007، لكنه تحول إلى تراجع اقتصادي عالمي بعد انهيار «ليمان براذرز» في سبتمبر (أيلول) 2008 الذي أسفر عن اختفاء الائتمان أمام جميع المقترضين تقريبا الذين لا يعتبرون آمنين على نحو فائق. واحتاجت مصارف داخل الولايات المتحدة ودول أخرى لمساعدات مالية للبقاء على قيد الحياة. وكان من شأن توافر الائتمان تراجع حجم التجارة العالمية على نحو لم يشهده العالم منذ الكساد الكبير، وأصيبت جميع الاقتصادات تقريبا بالركود. إلا أنه اتضح أن المؤسسات التجارية بالغت في رد فعلها، وبينما تراجعت المبيعات لعملاء، فإن تراجعها لم يكن بمستوى تراجع الإنتاج. ومهدت هذه الحقيقة الساحة أمام استعادة الاقتصاد عافيته التي بدأت في منتصف عام 2009، مع إعلان المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، وهو الجهة الفاصلة في مثل هذه الأمور، أن الركود انتهى في يونيو (حزيران) من ذلك العام. وأشارت المؤسسات التصنيعية بمختلف أرجاء العالم إلى حدوث تنام سريع في الطلب على منتجاتها. حتى وقت قريب، ساد اعتقاد بين غالبية المراقبين حول أن الاقتصاد الأميركي يمر بحالة تعاف بطيئة، وإن كانت مصحوبة بنمو مخيب للآمال في الوظائف. وأظهرت الأرقام الرسمية المتعلقة بإجمالي الناتج المحلي أن الاقتصاد الأميركي نما لمستوى قياسي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2010، ومحا خسارة 4.1% من إجمالي الناتج المحلي من أعلى لأسفل. بعد ذلك، أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي مراجعتها السنوية لإحصاءات السنوات القليلة الماضية، وتشير الدراسات المسحية الحكومية الجديدة إلى أن الأميركيين أنفقوا أقل مما سبق تقديره خلال عامي 2009 و2010 على مجموعة واسعة من الأشياء، بينها الطعام والملابس والحواسب الآلية. وكشفت العوائد الضريبية أن الأميركيين قلصوا نفقاتهم حتى على المقامرة. والآن، يبدو أن الركود كان أعمق - انحسار من أعلى لأسفل بقيمة 5.1% - وكان استعادة الاقتصاد لعافيته أقل قوة. ولا يزال الاقتصاد أصغر حجما عما كان عليه عام 2007. في يونيو، أعلنت أعداد أكبر من المؤسسات التصنيعية الأميركية أن أوامر الشراء منها انحسرت عن تلك التي أعلنت حدوث ارتفاع، طبقا لدراسة مسحية من جانب معهد إدارة العرض. وكان الهامش ضئيلا، لكن الدراسة كشفت تنامي الطلب على امتداد 24 شهرا متتالية. وأشارت جهات تصنيعية في غالبية الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا، أيضا إلى ضعف الطلب الجديد. عام 1980، بدأ الركود عندما أقرت الحكومة - نظرا لقنوطها جراء فشلها في خفض معدلات التضخم المتفاقمة - قيودا ترمي لتقليص توسع الائتمان وتحميل المصارف تكلفة أعلى مقابل تقديم قروض. وأثبتت هذه القيود فعالية أكبر بكثير عما توقعه أي شخص. في يوليو (تموز)، انتهت القيود الائتمانية، وأعلن مكتب الأبحاث الاقتصادية لاحقا نهاية الركود ذلك الشهر.

* خدمة «نيويورك تايمز»