اقتصادات أوروبا تعيش أسبوعا أسود

«علاوة المخاطر» و«نقاط الأساس» مصطلحان جديدان تعلمهما الإسبان والإيطاليون

TT

تعلم الإسبان والإيطاليون في هذه الأيام مصطلحين جديدين بالنسبة لهم وهما «علاوة المخاطر» و«نقاط الأساس». وهما لا يدركون المقصود بهذين المصطلحين أو حتى من حددهما، لكنهم فقط يدركون أنه إذا زادت قيمة علاوة المخاطر بمقدار 400 نقطة أساس عن علاوة المخاطر الألمانية، سيكون ذلك بمثابة خطر حقيقي يهدد بلادهم. وهذا شعور جيد لأن 400 نقطة أساس هو الحد الذي وضعه المحللون للتوصية بالحصول على حزمة إنقاذ من الاتحاد الأوروبي. لذلك، يمكنك الاستماع في أي دردشة في مقهى بمدريد إلى عبارات على شاكلة «حجم الدين لا يتوقف عن الارتفاع» أو «العيب في الأسواق» أو «إلى أي مدى سيرتفع الدين؟» و«ما الإجراءات التي يمكن أن تتخذها إيطاليا أو أوروبا لوقف ارتفاع سقف الدين؟».

منذ يوم الجمعة الماضي، قررت «ستاندرد آند بورز»، مؤسسة التصنيفات الائتمانية (مصطلح آخر شائع بالنسبة للمواطنين) خفض تصنيف الدين الأميركي للمرة الأولى في التاريخ، من AAA إلى +AA، حتى إن الولايات المتحدة القوية تبدو عاجزة عن اتخاذ أي إجراء لوقف النزيف الاقتصادي الذي تعاني منه أسواق الأوراق المالية الأوروبية. لذلك، مثلما يقال دوما في أوروبا «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب العالم بأسره بنزلة برد».

وفي إسبانيا، لدى كل مواطن الشعور بأن بلده على حافة أزمة ما. أولا، تم منح حزمة إنقاذ لليونان، وبعدها آيرلندا، ثم البرتغال.. بيد أن الحلقة تضيق حول إسبانيا، كما طالت الأزمة كل الدول الضعيفة بمنطقة اليورو، في الوقت الذي تعين فيه على أعضاء الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين مد يد العون لمحاولة حفظ التوازن. وكانت إسبانيا تبتعد عن ذلك الخطر بتمرير إصلاحات اقتصادية وإصلاحات خاصة بالعمالة أكثر تأثيرا.

وعلى الرغم من تقليل رواتب العمال الحكوميين، بما في ذلك العجز، ورفع سن التقاعد، وإلغاء العديد من الخدمات الاجتماعية، وتغيير الأدوار في سوق العمل بهدف جعلها أكثر مرونة للحد من البطالة، فإن إسبانيا ما زالت بحاجة لإعادة تمويل نفسها، من خلال بيع ديونها للحصول على سيولة نقدية لسداد مدفوعاتها. وهنا، يتجلى مصطلحا علاوة المخاطر ونقاط الأساس.

في حقيقة الأمر، حتى عندما أعلن رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو في يوليو (تموز) أن حكومته ستجري الانتخابات في موعد يسبق الموعد المخطط له بهدف توصيل رسالة للأسواق مفادها أن البلاد تسودها حالة من الاستقرار، كان ذلك التصريح عديم الجدوى. فشهر أغسطس (آب) الحالي هو أحد أكثر الشهور اضطرابا منذ أعوام.

في عام 2007، تم تحديد علاوة المخاطر في إسبانيا بحيث تكون أعلى بنسبة 2 في المائة منها في ألمانيا، وهو النمط الذي استخدم كمقياس في هذه الأزمة. كانت إسبانيا دولة محظوظة، من خلال اقتصاد متنام وتفاؤل دائم. في الأسبوع الماضي، وصلت علاوة المخاطر الإسبانية إلى 421 نقطة أساس مقارنة بعلاوة المخاطر الألمانية، وهو حاجز تاريخي بالنسبة للدولة. لكنها لم تكن وحدها في هذا الصراع، فعلاوة المخاطر الإيطالية، في دولة أقوى نظريا من إسبانيا، وصلت أيضا إلى 400 نقطة أساس وأتت أعلى من قيمة الدين الإسباني. في تلك الحالة، لم يكن أمام الحكومة الإسبانية أي خيار سوى الدعوة مرارا وتكرارا إلى العودة إلى أبواب أوروبا مرة أخرى من أجل الحصول على بعض الحلول. وتلتزم إسبانيا حتى الآن بالواجبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الصعيد المالي وعلى صعيد العمل؛ ولم يكن يتعين عليها التقدم للحصول على أي خطة إنقاذ، ولم يكن ليتم السماح لبروكسل بإغراق دولتين بأهمية وحجم إسبانيا وإيطاليا (إيطاليا عضو في مجموعة الثماني التي من المفترض أن تضم أكثر ثماني دول نفوذا في العالم، وأحد أعضاء الاتحاد الأوروبي) من أجل عمل المضاربين في سوق الديون. وربما اعتمدت إسبانيا على قيام البنك المركزي الأوروبي باتخاذ موقف في هذا الشأن. ومع ذلك، ألقى رئيس البنك جان كلود تريشيه خطابا مؤسفا الأسبوع الماضي، حيث تحدث فقط عن شراء الديون من آيرلندا والبرتغال، ورفض الإجابة عن التكهنات بما إذا كان البنك المركزي الأوروبي على وشك تقديم الدعم لكل من إسبانيا وإيطاليا، واكتفى بالقول «لا تعليق». وقام رئيس الوزراء الإسباني على الفور بتعليق عطلاته. وكان يتعين على إسبانيا دخول سوق الدين (نحو 3200 مليون يورو)، وإلا لن تفلح الخطط التي تهدف للسيطرة على العجز في الميزانية. وخلال هذه الساعات، كانت الاجتماعات مستمرة في مقر الحكومة حتى بدأت المكالمات إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو في تهدئة الوضع. في الواقع، لقد نجحت إسبانيا في تثبيت العلاوة كما كانت عليه في عام 2008، وذلك ليس شيئا سيئا للغاية. وفي الوقت نفسه، عاشت إيطاليا حالة مماثلة، حيث استدعى رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني وزراءه ووجه انتقادات لإدارة الأسواق وتصرفات المضاربين. ولم تغير أي من هذه الأشياء الكثير من الأمور: لم تصدر الحكومة الإيطالية الدين العام حتى الآن، ويتعين عليها تسريع الإجراءات من أجل تخفيض العجز إلى «صفر». ومع ذلك، هناك رجال أعمال إيطاليون عظماء على استعداد لشراء الديون الإيطالية من أجل «إنقاذ» البلاد، وبالتالي ضمان أن «تكون الديون الخاصة للدولة أقل من مثيلاتها في المملكة المتحدة أو ألمانيا». وعلى الرغم من ذلك، كان البنك المركزي الأوروبي هو الوحيد الذي نجح في تجنب حدوث صدع آخر في منطقة اليورو بعدما أعلن يوم الاثنين عن شراء 2000 مليون يورو من الديون الإسبانية.

ويدرك الجميع أن ما قام به البنك المركزي الأوروبي ليس فقط شراء الديون لتنحية المضاربين في السوق جانبا، حيث يتعين على هذا البنك المطالبة بعمل إصلاحات قوية في الدول التي يساعدها، لكن يتعين عليه أيضا أن يقوم بضمان قيمة اليورو التي ضعفت كثيرا خلال الأشهر الماضية. وأوضح جيسوس فيرنانديز فيلافيرد وهو مدرس بجامعة بنسلفانيا، ولويس جاريكانو وهو مدرس بكلية لندن للاقتصاد، وتانو سانتوس من كلية كولومبيا لإدارة الأعمال، في إحدى الصحف الإسبانية أن «اليورو، كما يتم النظر إليه في هذا الوقت، يشبه معيار الذهب الدولي: انتهى معيار الذهب بكارثة، ولذا لا يجب أن يبقى اليورو في نفس الطريق». ولذلك، قالوا «إننا في خضم المعركة، وإنه من الأفضل أن نستخدم كل «الأسلحة» المتاحة لدينا». ويشير المحللون إلى أن المشكلة في منطقة اليورو هي مشكلة سياسية أكثر منها اقتصادية، حيث لا تريد بعض الدول مثل ألمانيا أن تكون مثقلة ماليا نتيجة إنقاذ اليونان أو آيرلندا من دون تلقي تعويضات في مقابل ذلك، وتنتقد قيام البنك المركزي الأوروبي بتفعيل تدابير أخرى للإغاثة، بالإضافة إلى القروض التي يقدمها الاتحاد الأوروبي بالفعل لإنقاذ بعض شركائه.