«حلقة التشاؤم» المدمرة تلقي بظلالها على سوق التوظيف والاستهلاك في أميركا

وسط هوس احتمال ركود ثان خلال شهور

TT

يؤجل أو يوقف أصحاب العمل التوظيف. ويتردد مشترو المنازل المحتملون في الشراء، ويحجم المتسوقون عن الإنفاق. هذا ما تشهده أميركا في الوقت الحاضر، حيث يضعف التردد الاقتصاد الأميركي. وأعاد يوم الاثنين في «وول ستريت» التأكيد على ما تخشى منه الكثير من الشركات والمواطنون الأميركيون العاديون لأسابيع، وهو أن هذا وقت مثير للاضطراب ولا يصلح لتفكير أصحاب الأعمال أو المواطنين في التوسع.

وكان المحللون يتوقعون منذ بضعة أشهر أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي 4 في المائة العام الحالي. لكن التوقع يقترب حاليا من نصف هذه النسبة في ظل اجتياح موجة من التشاؤم البلاد.

يقول بول لاوديتشينا، رئيس شركة «إيه تي كيرني» الاستشارية «الجميع يتجه إلى هذا السلوك التعيس المتعلق بالتوقعات الاقتصادية. يحافظ الناس على نقودهم لأنهم يشعرون بأن كل شيء يتجه نحو الأسوأ، وتزداد الأمور سوءا عندما يحافظ الناس على نقودهم». لكن هناك بعض المؤشرات المشجعة، منها انتعاش تجارة التجزئة في المتاجر متعددة الأقسام، وازدياد مبيعات السيارات، ونمو طفيف في البناء. لكن ما دعم الموقف المحطم للأعصاب، والذي أدى إلى زيادة التشاؤم، خلال الشهر الماضي، هو تصريح الحكومة بأن الاقتصاد شهد نموا أكثر بطئا من المتوقع خلال النصف الأول من العام. وبعد بضعة أيام ومعركة ضارية، أقر الكونغرس قانونا توافقيا لخفض الدين الفيدرالي في خطوة رآها البعض علاجا جيد طويل الأمد. وبحلول الأسبوع الماضي بدأت البورصة تشهد انخفاضا شديدا استمر يوم الاثنين بعد أن خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للدين الفيدرالي مساء الجمعة. لقد جعلت مجموعة من الأحداث من احتمال حدوث ركود اقتصادي آخر، يسمى بالركود المزدوج، هوسا يسيطر على «وول ستريت» وغرف الاجتماعات وغرف المعيشة في مختلف أنحاء البلاد. ويحد كثير من أصحاب الأعمال توظيف عمالة، لكن على سبيل المثال في هيوستن، أصدرت باميلا كلارك، نائب رئيس شركة الطلاء التي تمتلكها الأسرة، أوامر جديدة في بداية العام الحالي وبدأت البحث عن موظف للأعمال الكتابية وصانع طلاء. وكانت تلك المرة الأولى التي تفكر فيها شركة «بريسيرفو بينت آند كوتينغ مانيفاكتشيرينغ» في تعيين موظفين منذ فترة الركود الاقتصادي. لكن لم تصدر باميلا أمر تعيين بعد. لقد أصبحت طلبات التوريد غير متوقعة حيث يقول العملاء، ومنهم مصنعو أجهزة تجفيف الشعر وأحواض الاستحمام، إنهم يشعرون بشك في ما يتعلق بالاقتصاد وفي ما تقوم به الحكومة من إجراءات حيال ذلك. وتقول باميلا «لا يوجد أي منطق يحدد كيف ستسير الأمور. لذا نحن في مرحلة الانتظار وترقب ما سيحدث للاقتصاد».

يتجاوز هذا الترقب التوظيف، حيث أصدرت الحكومة مؤخرا تقارير عن إنفاق المستهلكين وطلبات التوريد التي تتلقاها المصانع والتي توضح تراجع الاثنين. وانخفضت أسعار السلع لتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث انخفض سعر النفط الخام بنسبة 29 في المائة للمرة الأولى منذ أبريل (نيسان) الماضي. ويؤجل مشترو المنازل قبول عروض البيع المتاحة في ظل تنامي القلق بشأن البورصة على حد قول وكلاء عقارات.

ويثير بعض المشترين المحتملين مثل نيكول زاكراي قلق سوق الإسكان. في نهاية الأسبوع الماضي، وفي أعقاب انخفاض مؤشر «داو جونز» بـ500 نقطة، توجهت نيكول وزوجها بريان للبحث عن منزل. كان حي كول دي ساكس، الذي يعج بالأشجار والخضرة، في شمال نيوجيرسي جذابا أكثر من أي وقت مضى، لكن شعرت نيكول فجأة بأنها تريد الاحتفاظ بنقودها وقلت لديها الرغبة في الإنفاق. وقالت «لا تحدد السوق مصيري، لكن هذا هزني». وقالت شانون مور، سمسارة عقارات في ساراسوتا بولاية فلوريدا، إن الكثيرين يختارون الانتظار حتى تمر العاصفة. وأضافت «لا أدري كم عدد الجولات التي اصطحبت خلالها أناسا وأخبروني أنهم سيعودن بعد ثلاثة أشهر».

ويحذر بعض خبراء الإسكان من أن المزيد من التراجع في أسعار المنازل سوف يساعد على حدوث ركود آخر. ويقول أندرو فولدبيرغ، المخطط الاستراتيجي للسوق في «جي بي مورغان فاندز» التي تعمل في مجال إدارة الأصول «الانتظار والترقب سيؤدي إلى المزيد من الإحصاءات الاقتصادية السيئة ويمكن أن يصبح نبوءة تحقق ذاتها». وتُعرف هذه الدائرة من الهبوط لدى بعض خبراء الاقتصاد بـ«حلقة التغذية المرجعية» والتي تحدث عندما تؤدي بعض الإحصاءات الاقتصادية السيئة إلى جعل الأمور تسير نحو الأسوأ.

فعلى سبيل المثال، عندما ترتفع نسبة البطالة، التي وصلت حاليا إلى 9.1 في المائة، لا يكون لدى الشركات حافز يشجعها على رفع أجور العمال. ومع انخفاض المبيعات، لا توظف تلك الشركات أحدا، أي أن العاملين لن يحصلوا على زيادة في الأجور لينفقوها ولن يحصل العاطلون على قدر يذكر من المال. ويعني هذا بدوره عدم زيادة المبيعات وعدم توظيف الشركات لعاملين. ويؤجل مشترو المنازل عملية الشراء، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار واستمرار ضعف السوق في ما يتعلق بإجراء تحسينات في المنزل وشراء أشياء مرتفعة السعر مثل غسالات الملابس. ويعني تراجع البورصة أن الذين لديهم مال يمكن أن ينفقوه سيتجهون إلى الاحتفاظ به لأنهم يشعرون أنهم أضحوا أقل ثراء.

يقول ألين سايناي، كبير خبراء الاقتصاد في شركة «ديسيجين إيكونوميكس» الاستشارية «إنها حلقة تغذية مرجعية لها عواقب سلبية على المستهلك وسوق العمل والاقتصاد». منذ أن بدأ أصحاب العمل استعادة العاملين في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، وظفوا 1.75 مليون شخص، أي أقل من عدد الذين فقدوا وظائفهم خلال فترة الركود والذي يبلغ 8 ملايين.

تباطأت خطى التوظيف، التي كانت قد تسارعت بحيث وصلت إلى متوسط 178.500 شهريا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، أي أقل من نصف العدد خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ورغم ازدياد معدل التوظيف في شهر يوليو (تموز) الماضي، وفر أصحاب العمل 117 ألف وظيفة، ويكفي هذا العدد بالكاد للتماشي مع معدل النمو السكاني الطبيعي. ولا تزال المؤشرات الدالة على تحقيق نمو في المستقبل ضعيفة، حيث صرحت مؤسسة «كونفرينس بورد» يوم الاثنين بأن مؤشر توجهات التوظيف تراجع للمرة الثالثة خلال أربعة أشهر، وأن أصحاب العمل يتجهون إلى توفير 100 ألف فرصة عمل شهريا على مدى الأشهر المقبلة من العام الحالي. كذلك من المرجح أن تستمر المجالس المحلية التي تعاني من مشاكل مالية في تسريح العاملين خلال الأشهر المقبلة. وفي الوقت الذي تزايد فيه احتمال حدوث ركود آخر خلال الأسابيع القليلة الماضية، أكبر ما يخشاه الكثير من خبراء الاقتصاد هو استمرار هذه الحلقة.

تقول هيذر باوشي، كبير خبراء الاقتصاد في مركز التقدم الأميركي الليبرالي «من أسوأ نتائج الكساد الكبير هو الركود العظيم الذي يكون فيه الاقتصاد في وضع معلق. ونتيجة لذلك، لا يسارع صناع السياسة نحو التعامل بجدية مع مشكلة الوظائف».

وتعد مبيعات السيارات، التي تزايدت بعد فترة من الركود في فصل الربيع، من جوانب القوة. ففي يوليو الماضي، نشرت ثلاث شركات مصنعة للسيارات في ديترويت زيادة صحية في مبيعاتها. ويقول جيف شوستر، المدير التنفيذي للتوقع العالمي في شركة «جيه دي باور آند أسوشيتس» التي تعمل في مجال أبحاث السوق، إنه يتوقع أن تزيد المبيعات خلال النصف الثاني من العام الحالي عن مبيعات العام الماضي بنسبة تتراوح بين 9 و10 في المائة. وشجع هذا التحسن بعض تجار السيارات على توظيف عاملين. وقال كريس ميير، المدير العام لتوكيل «فورد» و«لينكولن» لشركة «هايذر أوتوموتيف» في ميلووكي، إنه قام بتعيين ثلاثة موظفين في المبيعات منذ بداية العام الحالي، وهناك وظيفتان متوفرتان لديه. لكن ما زالت طريقة التفكير الحريصة هي السائدة في الأماكن الأخرى. ويقول روغر سوستار، صاحب شركة «فريدون»، التي تعمل في صناعة الأجزاء الدقيقة في مجال الطائرات والقطارات والتي يقع مقرها بالقرب من كليفلاند «أهم شيء هو المبيعات حتى نتمكن من الحصول على المال من العملاء». وقال إنه رغم عدم وجود خطة لتسريح العمال، لا توجد لديه النية لتوظيف آخرين.

* خدمة «نيويورك تايمز»