تقرير اقتصادي يستبعد تأثير مشاكل الديون وخفض التصنيف الأميركي على الاقتصاد السعودي

«جدوى» المالية تؤكد أن زخم النمو في المملكة يأتي من مستويات الإنفاق

جانب من مدينة الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

استبعد تقرير اقتصادي صدر أمس أن يكون للأحداث الاقتصادية الجارية كمشكلة خفض التصنيف الأميركي ومشاكل الديون، تأثير كبير على الاقتصاد السعودي، حيث إن زخم النمو يأتي من مستويات الإنفاق الحكومية المرتفعة التي يمكن تحملها بكل سهولة.

وقال التقرير الصادر عن شركة «جدوى» المالية، إن أسعار النفط ستظل بمثابة حلقة الوصل بين الاقتصاد العالمي واقتصاد السعودية، حيث أدت التطورات الأخيرة إلى تراجعها بما يربو على 15 في المائة خلال فترة أسبوع ونصف الأسبوع.

وأشار التقرير إلى أن سعر خام برنت هبط إلى دون مستوى 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ فبراير (شباط) الماضي، بينما هبط خام غرب تكساس إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، مشيرا إلى أنه وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الأسعار فوق مستوى 84 دولارا للبرميل (سلة خام الصادر السعودي)، أي السعر الذي تعتقد «جدوى» أنه يضمن تجنب أي عجز في ميزانية المملكة هذا العام.

وأشارت إلى أن متوسط سعر خام الصادر السعودي خلال الفترة منذ بداية العام وحتى تاريخه لا يزال يفوق مستوى 100 دولار للبرميل بدرجة مريحة.

وأكدت «جدوى» في تقريرها الصادر بعنوان «مشاكل الديون وخفض التصنيف الأميركي وتداعياتها على المملكة» أن المؤشرات المتزايدة بحدوث تدهور في أوضاع الاقتصاد العالمي، ربما تؤدي إلى تراجع أكبر في أسعار النفط، إلا أنها أشارت إلى أن تراجع الاقتصاد الأميركي إلى خانة الركود إذا تحقق، فسوف يأتي في سياق دورة الاقتصاد العادية بالمقارنة بركود عام 2008، ما يعني أن التذبذب في أسعار النفط سيكون أقل حدة، ولن تنخفض الأسعار بطريقة دراماتيكية كما حدث في النصف الثاني من عام 2008 عندما هبطت من مستوى 150 دولارا للبرميل إلى 30 دولارا فقط، لكنها قد تتراجع إلى مستوى يتراوح بين 50 دولارا و60 دولارا للبرميل، على حد وصفها.

وأضافت شركة «جدوى»: «حتى في حالة تحقق هذا السيناريو فإننا لا نعتقد أنه سيترك أثرا يذكر على مستوى إنفاق الحكومة السعودية، حيث تستطيع الحكومة السحب من احتياطياتها من الموجودات الأجنبية لتمويل نفقاتها كما فعلت عام 2009، ويبلغ صافي الموجودات الأجنبية لدى (ساما) نحو 492 مليار دولار كما في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، مرتفعة 49 مليار دولار عن المستوى القياسي الذي كانت قد سجلته عام 2008».

ويعتقد التقرير أن سندات الحكومة الأميركية تشكل معظم صافي الموجودات الأجنبية لدى مؤسسة النقد (ساما)، لكن ليس بالإمكان تحديد قيمتها على وجه الدقة لأن المؤسسة لا تنشر تفاصيل حيازاتها من الموجودات عدا أن بيانات الحكومة الأميركية تصنفها ضمن «دول مصدرة للنفط»، وتشير إلى أن قيمتها الإجمالية بلغت نحو 221.5 مليار دولار في نهاية مايو (أيار) الماضي، تشمل فقط المشتريات المباشرة ولا تتضمن المشتريات التي تتم عبر وسطاء أجانب لذا فهي تقل كثيرا عن القيمة الفعلية.

وكانت «ساما» قد أعلنت أنها تعتمد على 3 معايير لإدارة استثمار احتياطياتها وهي: الأمان والسيولة والعائد طويل الأجل، إلا أن خفض التصنيف الائتماني للدين الأميركي جعل المعيار الأول مثار تساؤل، لكن ليست هناك سوق خارج الولايات المتحدة توفر نفس المستوى من السيولة أو الكم من الأدوات المالية، لذا فإن «ساما» تراقب الوضع عن كثب ولا نتوقع حدوث تغيير كبير في سياستها الخاصة بإعادة توزيع موجوداتها الأجنبية.

وأوضحت أن خفض التصنيف الائتماني سيكون سلبيا على الدولار وبالتالي الريال، لكنه لن يؤدي إلى هبوط كبير في الدولار على المدى القصير. وتابع التقرير «خلال أيام التداول التي أعقبت خفض التصنيف مباشرة كان الدولار مستقرا بدرجة كبيرة، وذلك لثلاثة أسباب هي: أولا، الاقتصاديات الكبيرة الأخرى تواجه هي الأخرى مشاكل خطيرة، وثانيا، الدول التي تتمتع بمعطيات اقتصادية قوية أو تلك التي تعتبر أكثر أمنا من أميركا هي تعمل على التدخل لوقف الارتفاع في قيمة عملاتها، وثالثا، ما زال ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها ملاذا آمنا».

ولكن في ظل المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد العالمي في أماكن متفرقة فإن «جدوى» ترجح أن تسجل عملات الأسواق الناشئة الارتفاع الأكبر مقابل الدولار.

كما استبعدت أن يترتب على تخفيض التصنيف الائتماني للدين الأميركي تداعيات على سياسة ربط سعر صرف الريال بالدولار، حيث يعتبر الربط منطقيا للمملكة في الوقت الراهن لأسباب اقتصادية، تشمل الاعتماد على إيرادات النفط المقيمة بالدولار والضرر المحتمل الذي قد يحدثه أي تعديل على القدرة التنافسية للمنتجات غير النفطية والاستثمارات الخارجية. إضافة إلى ذلك، فإن قرار الربط مدعوم بالتزام استراتيجي قوي.

وزادت «جدوى» في تقريرها «في اعتقادنا أنه لن يكون هناك تفكير في فك الارتباط بين الريال والدولار ما لم يحدث تراجع كبير في قيمة الدولار يستمر لعدة سنوات»، مؤكدة أن تراجع قيمة الدولار سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية في المملكة.

وكانت واردات المملكة من الأسواق الناشئة قد شكلت ما نسبته 46 في المائة من إجمالي وارداتها عام 2010، ومن المرجح أن تسجل عملات تلك الدول أكبر ارتفاع مقابل الدولار، حيث ازدادت قيمة عملات كوريا والهند والبرازيل بأكثر من 2 في المائة مقابل الدولار منذ بداية أغسطس (آب).

وأضافت شركة «جدوى»: «لكننا نعتقد أن انخفاض أسعار السلع سيعوّض التأثير التضخمي لضعف الدولار، بالإضافة إلى الهبوط الحاد في أسعار النفط الذي يؤدي إلى خفض تكلفة نقل البضائع المستوردة، كذلك سجلت أسعار المواد الغذائية ومواد البناء انخفاضا كبيرا، وقد تراجع مؤشر رويترز لأسعار السلع بنسبة تزيد على 7 في المائة حتى الآن من الشهر الحالي». وأوضحت أن ربط سعر الصرف يعني أن أسعار الفائدة في المملكة مرتبطة بدرجة كبيرة بنظيرتها في الولايات المتحدة، وهناك فهم سائد بأن خفض التصنيف الائتماني قد يكلف الحكومة بمرور الزمن نحو 100 نقطة أساس (نقطة مئوية واحدة) من حيث ارتفاع أسعار الفائدة على السندات، حيث يطلب المستثمرون عائدا أعلى مقابل المخاطر التي يتحملونها. وبالفعل فقد سجلت أسعار الدين الحكومي الأميركي ارتفاعا خلال الأيام القليلة الماضية.

وتابعت «لا يعتبر هذا الأمر غريبا في ظل ميزة الملاذ الآمن التي تتمتع بها السندات الأميركية؛ وقد تعرضت اليابان لخفض تصنيفها الائتماني عدة مرات (حاليا يقل تصنيفها عن التصنيف الأميركي بدرجتين)، لكنها لا تزال تدفع مقابل سنداتها أسعار فائدة ضمن الأدنى في العالم. بالإضافة إلى ذلك، ليس لحملة السندات الحكومية الأميركية الأجانب (وخاصة البنوك المركزية لليابان والصين وأعضاء أوبك) بدائل كثيرة». وارتفعت أسعار الفائدة بين البنوك الأميركية في أغسطس الحالي، لكنها لا تزال تقل كثيرا عن مستوياتها في مطلع العام وفقا للتقرير، وقد حذت أسعار الفائدة بين البنوك السعودية حذو الأسعار بين البنوك الأميركية طيلة الشهور القليلة الماضية، لكنها ظلت ثابتة عند أدنى مستوياتها على الإطلاق منذ منتصف يوليو (تموز).

وأكدت أنه بما أن لدى البنوك سيولة ضخمة - بلغ فائض الودائع لدى «ساما» في نهاية يونيو نحو 71 مليار ريال -، فلا يتوقع ارتفاعا في معدل الفائدة الأساسي بين البنوك السعودية (سايبور) ما لم يسجل معدل الفائدة بين البنوك الأميركية ارتفاعا كبيرا، وهو أمر يبدو مستبعدا في ضوء السيولة المتوفرة لدى القطاع المصرفي الأميركي.

وأشارت إلى أنه قد تكون الملامح المستقبلية لأسعار الفائدة في المملكة جيدة خاصة أن ضعف الاقتصاد الأميركي قد أبعد احتمال رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة وبالتالي أسعار إعادة الشراء وإعادة الشراء العكسي في المملكة.

وفيما يتعلق بالتداعيات على المستثمرين السعوديين، ذكرت «جدوى» أن سوق الأسهم السعودية اقتفت أثر الأسواق العالمية في هبوط الأسعار متراجعة 5.5 في المائة يوم السبت الماضي، عندما كانت أول سوق تفتح للتداول بعد قرار خفض التصنيف وسجلت يوم الأحد انخفاضا إضافيا بنسبة 0.8 في المائة ليصبح إجمالي خسائرها في أغسطس 6 في المائة.

وكان أكبر الخاسرين قطاع البتروكيماويات باعتباره أكثر القطاعات انكشافا أمام الاقتصاد العالمي، وقد أدى الهبوط إلى خفض مكرر الربحية إلى 12 مرة، وهو مستوى يعتبر مغريا نسبيا، خاصة أننا نعتقد أن الإنفاق الحكومي لن يتأثر وسيضمن استمرار الأداء الاقتصادي القوي. مع ذلك، فإن احتمال حدوث المزيد من التذبذب بسبب حركة الأسواق العالمية وارد ولا يمكن أن نسقط من حساباتنا حدوث تراجعات حادة.

وأشارت إلى أنه في بيئة كهذه تشوبها حالة الشك وعدم اليقين بالإضافة إلى سوق أسهم متذبذبة ومرتبطة بشدة بالأسواق العالمية، فإن الاقتصاد الفعلي يمثل خيارا جاذبا للمستثمرين السعوديين، وأن الحكومة تملك الموارد المالية وأعلنت بوضوح التزامها بإنفاق مبالغ ضخمة على المشاريع الاستثمارية، خاصة في مجال تشييد المساكن، بينما تعني الحاجة إلى أعمال ضخمة أن هناك تحديا أمام شركات التشييد القائمة فإنها تخلق فرصا للشركات الأخرى في مجال التشييد والمجالات ذات الصلة. وأضافت «ستكون الصناعات التي تزود قطاع التشييد بالمدخلات الرئيسية هي المستفيد الرئيسي من الإنفاق الحكومي. كذلك ستؤدي أعمال التشييد الضخمة المزمع القيام بها إلى خلق الحاجة إلى كميات ضخمة من المواد الخام».

كما أشارت إلى أن أيضا أمام المستثمرين فرصا للكسب من الزيادة المتوقعة في الإنفاق الاستهلاكي، خاصة الأشخاص محدودي الدخل. فتأثير تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور وإعانات الباحثين عن العمل وزيادة مدفوعات التأمينات الاجتماعية سيمتد إلى فترات أطول من تعزيز الإنفاق قصير المدى الذي نتج عن مكافأة راتب الشهرين، لأن تلك المدفوعات ستأتي بانتظام. بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج بناء المساكن سيؤدي إلى المزيد من تدفق الأجانب الذين لهم متطلباتهم الخاصة.