سويسرا على وشك تسوية الضرائب على حسابات مواطني بريطانيا وألمانيا

كانوا يستخدمون الحسابات السويسرية للتهرب من الضرائب

TT

توشك سويسرا على توقيع اتفاقيات ضريبية شاملة مع ألمانيا وبريطانيا، تهدف إلى ضمان أن مواطني هاتين الدولتين ممن لهم أصول مالية مودعة في بنوك سويسرية، لن يتمكنوا بعد الآن من التهرب من دفع الضرائب عليها.

وتأتي الاتفاقيات كخطوة أخرى ضمن الجهود السويسرية المبذولة لتحسين صورة الدولة، في ظل الضغط من قبل المدعين الأميركيين، إضافة إلى الدول الأوروبية التي كانت تعتزم دفع تعويض عن قوائم أسماء العملاء التي تمت سرقتها من قبل موظفين في البنوك. ونظرا لكونها محاطة بالاتحاد الأوروبي وبمركز إدارة ثروات مهم، آثرت سويسرا اتخاذ تلك الخطوة عاجلا وليس آجلا. وذلك حسب ما ذكره لوك ثيفينوز، أستاذ القانون بجامعة جنيف. ومن المتوقع البدء بتوقيع اتفاقية مع ألمانيا، ربما يوم الأربعاء المقبل، تتبعها اتفاقية مماثلة مع بريطانيا. ويقول محللون ومحامون إنه من المتوقع أن تكون لهاتين الاتفاقيتين تأثيرات واسعة النطاق. فمن المنتظر أن تتاح بموجبهما للعملاء القدرة على الحفاظ على سرية معلوماتهم، ولكن مقابل مبلغ من المال، وربما يؤثر البعض التحول إلى بنوك أخرى أجنبية.

ستحقق بريطانيا وألمانيا عائدات تقدر بالمليارات، وبالتبعية، ستتوقفان عن رفع دعاوى قضائية ضد البنوك السويسرية فيما يتعلق بعدم الالتزام بالقوانين الضريبية. ومن المتوقع أيضا أن يتحول النموذج المصرفي السويسري بدرجة أكبر بعيدا عن الاعتماد على إدارة أموال غير معلنة. وربما يؤثر هذا تحديدا على البنوك الأصغر. لقد تم الحفاظ على سرية عملاء البنوك من خلال قانون صادر في سويسرا في الثلاثينات من القرن الماضي، واستخدمت تلك السرية في ضمان عدم الكشف عن أسماء العملاء، فضلا عن التهرب من دفع الضرائب، الذي لا يعتبر في حد ذاته جريمة بموجب القانون السويسري. ولكن في ظل زيادة الضغط الدولي، وافقت سويسرا في عام 2009 على إدخال معايير جديدة على الاتفاقيات الضريبية الثنائية، على نحو يسمح بتبادل المعلومات المتعلقة بقضايا التهرب الضريبي، إلى جانب قضايا النصب والاحتيال. ومنذ ذلك الحين، قامت بتضمين تلك القوانين في 30 اتفاقية ازدواج ضريبي ثنائية.

«لقد تغير هيكل سرية الصناعة المصرفية السويسرية برمته بالفعل»، هذا ما قاله بييترو سانسونيتي، شريك في أفرع جنيف لشركة المحاماة «شلينبورغ ويتمر». وأضاف: «لا يزال بإمكان السرية تأمين الخصوصية لأسباب شخصية، لكنها لم تعد قادرة على السماح بالتهرب الضريبي».

إن الاتفاقيات الجديدة ستكون أكثر تعقيدا وشمولا من الاتفاقيات الحالية المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، والسارية منذ عام 2005، التي تفرض ضريبة تقتطع من دخل الفائدة على المدخرات، بعدها، تعاد تلك الضريبة إلى الدولة الأم، إلا أنه من السهل على المودعين إخفاء هوياتهم. وبعد التصديق على الاتفاقيات من قبل الهيئات التشريعية، فسوف يدفع العملاء الألمان والبريطانيون مبلغا بأثر رجعي لمرة واحدة على رؤوس أموالهم، بالإضافة إلى ضريبة سنوية على مكاسبهم الرأسمالية ومدفوعات توزيع الأرباح، وليس على دخل الفائدة فحسب.

وبموجب الاتفاقيتين، فستعتبر كل من ألمانيا وبريطانيا الضريبة المقتطعة من دخل الفائدة نهائية، ولن يكون مواطنو الدولتين ملزمين قانونا بعد الآن بالإعلان عن دخلهم السويسري للسلطات السويسرية.

وقال ماريو توير، المتحدث باسم الحكومة السويسرية للشؤون المالية إن المفاوضات مع ألمانيا في «آخر مراحلها»، وإن المحادثات مع بريطانيا تتجه «في مسار مواز»، ورفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

وأشار مسؤول ألماني، لم يكن مصرحا له بالحديث علنا عن الأمر، إلى أنه من المنتظر أن يتم التوصل إلى اتفاقية «في القريب العاجل». وقالت إدارة الجمارك والضرائب: «إن المناقشات البناءة مع السلطات السويسرية مستمرة، ونحن نأمل انتهاءها في أسرع وقت ممكن». وذكرت صحيفة «زونتاغ تسايتونغ» السويسرية، نهاية الأسبوع الماضي، أنه يمكن الإعلان عن إبرام اتفاقية مع ألمانيا يوم الأربعاء، ومن المنتظر أن تشمل دفع مبلغ قيمته مليارا فرنك سويسري، أو 2.7 مليار دولار، لتغطية السنوات العشر الماضية، واقتطاع ضريبة في المستقبل بنسبة 26 في المائة. وبموجب هذه الاتفاقية، ينتظر أن تدفع البنوك السويسرية الدفعة الأولية، ثم تستردها من عملائها الألمان. وربما تكون الأرقام أكبر في الاتفاقية التي ستبرم مع بريطانيا، حيث ستفرض ضريبة على الدخول المماثلة بمعدلات تصاعدية وربما أعلى. وفي حالة نجاح تلك الاتفاقيات، فيحتمل أن تكررها دول أوروبية أخرى مثل فرنسا وإيطاليا، بل وحتى اليونان التي تكافح للخروج من أزمتها المالية. وقد اتبعت واشنطن مسارا مختلفا. فالعملاء الأميركيون ملزمون بإعلام محصلي الضرائب الأميركيين بأصولهم في بنوك سويسرا. وقد عكفت السلطات على إجراء تحقيقات تشمل أميركيين لديهم أموال غير معلن عنها في سويسرا، منذ الدعوى الشهيرة التي أقيمت في عام 2009 ضد بنك «يو بي إس»، وأجبر البنك السويسري على الكشف عن هوية بعض عملائه الأميركيين ودفع غرامة قيمتها 780 مليون دولار كعقوبة لتسهيله عمليات التهرب الضريبي. ووافقت الحكومة السويسرية على الإدلاء بأسماء أي عملاء آخرين، إذا ما تبين لها أن بنوكا أخرى انتهجت إجراءات غير قانونية على غرار بنك «يو بي إس». وفي هذا الأسبوع، تبين أن ستة بنوك أخرى غير معروفة أسماؤها في سويسرا وبنكا في ليختنشتاين، أجريت معها تحقيقات من قبل مدعين حول ما إذا كانت قد ساعدت الأميركيين في التهرب من الضرائب، بحسب صحيفة «الفايننشيال تايمز». وسوف تدخل الاتفاقيات مع ألمانيا وبريطانيا تغييرا إضافيا على البنوك الخاصة الأصغر التي عملت، في المعتاد، ككيانات خاصة لإدارة الأموال لحساب صفوة المجتمع على مستوى العالم. ومع تناقص حجم الأموال غير المعلنة التي تديرها تلك البنوك، فسيتعين عليها المنافسة على أساس الخدمات المالية المعلنة.

وقد بدأ الكثير من البنوك السويسرية الأصغر بالفعل في تغيير نماذجها المصرفية والابتعاد عن إدارة الأموال غير المعلنة، بحسب ثيفينوز. وقد أغلقت بعض البنوك فروعها في الولايات المتحدة.

ولفت إلى أنه «سيقل الدخل بالنسبة لبعض البنوك السويسرية الأصغر وسيكون هناك دافع للاندماج». ربما تكون هناك فرص أيضا لمراجعي الحسابات والمستشارين والشركات للتعامل باستخدام نظم تكنولوجيا المعلومات الحديثة. وقال: «كان هناك تدفق في رأس المال، وسوف يكون هناك المزيد، لكني أعتقد أن البنوك السويسرية يمكنها الاحتفاظ بعملائها وجذب عملاء جدد». واستطرد قائلا: «كي يمكنك الانتقال إلى آسيا، على سبيل المثال، يجب أن تنتمي إلى فئة الأفراد أصحاب الثروات المرتفعة الذين يملكون أكثر من مليون دولار أميركي، نظرا للتكاليف والتعقيدات والمخاطر». وقالت لويز سومرست، المديرة الضريبية بشركة «آر بي سي» لتخطيط الثروة الدولية في بريطانيا، إن الاتفاقيات ربما تلقي على كاهل سنغافورة وهونغ كونغ مسؤولية إبرام اتفاقيات مماثلة لوضع ضوابط من أجل مكافحة التهرب الضريبي. وأشار بيتر ثورن، محلل في لندن يعمل بشركة الوساطة السويسرية «هيلفيا»، في تقرير صادر في أبريل (نيسان) الماضي، إلى أنه بالنسبة لبنك «كريدي سويس»، الذي أدار مبلغا قيمته 808 مليارات فرنك نهاية العام الحالي، ربما تؤثر مبادرة توقيع الاتفاقية على نسبة 18 في المائة من المبلغ الإجمالي. وبالنسبة لبنك «يو بي إس»، ربما تؤثر تلك المبادرة على نسبة 20 في المائة من مبلغ الـ768 مليار فرنك الذي يديره البنك. أما بالنسبة لبنك «جوليوس باير»، وهو بنك أصغر، فيتوقع أن تؤثر هذه الاتفاقية على نسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40 في المائة من الأصول. «لقد كانت البنوك السويسرية تستعد لمثل هذا التطوير منذ فترة»، هذا ما قاله ثورن. وأضاف: «في حقيقة الأمر، ربما يكون توسيع نطاق الترتيبات الخاصة بالضريبة المقتطعة، الذي تمثله هذه الإجراءات فعليا، نتيجة أفضل من تبادل المعلومات التلقائي الذي يخشى من أن يقضي في حقيقة الأمر نهائيا على أي ادعاء بسرية البنوك في سويسرا». وقال إن بنكي «كريديت سويس» و«يو بي إس» لديهما حجم أعمال أكبر في أوروبا، «ومن المتوقع أن يستغلا وجودهما القوي في أوروبا للإبقاء على هذه الأموال».

غير أن البنوك السويسرية الأصغر «ربما تقرر الاندماج لتوزيع النفقات عبر قاعدة أصول أوسع وتحقيق بعض وفورات الحجم».